الوقت_ موقف سعوديّ حازم ضد القرار الإسرائيليّ ببناء وحدات استيطانية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث أدانت وزارة الخارجية السعودية، قرار السلطات الإسرائيلية خلال الأسبوع الجاري، وأعربت الرياض عن استنكارها وتنديدها بهذا القرار الذي يعد استمراراً للانتهاكات الصارخة التي تقوم بها سلطات الكيان، داعية المجتمع الدوليّ للاضطلاع بمسؤولياته لإنهاء احتلال فلسطين، ووقف ممارساته الاستفزازيّة، والتي من شأنها عرقلة مسارات الحلول السياسية القائمة على مبادرة السلام العربية، وتقويض جهود السلام الدولية، وخاصة أن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس يهدد قابلية حل الدولتين للحياة ويدمر أي فرصة للسلام في الشرق الأوسط، حيث تسعى تل أبيب من خلال إضفاء الشرعية على عشرات المستوطنات أو التوسع الاستيطاني لوضع العقبات الكبيرة أمام حل الدولتين والحلم الفلسطيني بدولة مستقلة ذات سيادة على أساس حدود عام 1967، باعتبار المستوطنات تشكل عددًا من التحديات المباشرة أمام قيام الدولة الفلسطينية من خلال انتهاك السيادة الفلسطينية، وتهديد السلم الأهلي والأمن، وتعريض الموارد المائية للخطر، وعرقلة التنمية الزراعية.
انتهاك سيادة فلسطين
انتهاك السيادة الفلسطينية هو نهج إسرائيلي متصاعد، ففي عام 2022، كان في الضفة الغربية حوالي 199 مستوطنة و 220 بؤرة استيطانية، واعتبارًا من عام 2021، بلغت مساحة المستوطنات الإسرائيلية حوالي 201.1 كيلومتر مربع، تمثل 3.6٪ من إجمالي مساحة الضفة الغربية، ووفقًا للتصنيف الإسرائيلي، فإن 542 كيلومترًا مربعًا، أو 9.6 في المئة من الضفة الغربية، هي جزء من الأراضي السيادية لكيان الاحتلال وتسمى "مناطق نفوذ الاستيطان"، ومن خلال بناء المستوطنات والبؤر الاستيطانية على ما هو معترف به جغرافيا كأرض فلسطينية، تقوض سلطات الكيان السيادة الفلسطينية وتقسم بشكل استباقي أي دولة فلسطينية مستقبلية من خلال الحد من تطورها الحضري، بهذا شدّدت الرياض على ضرورة ترسيخ قيم الحوار والتسامح والاحترام، ورفض كل ما من شأنه نشر الكراهية والتطرف والإقصاء.
وعلى هذا الأساس، وصفت منظمة التعاون الإسلامي سياسة الاستيطان الاستعماريّ بـ"غير الشرعية"، متحدثة أنّها تشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وخصوصاً قرار مجلس الأمن رقم (2334)، فيما جددت الأمانة العامة للمنظمة رفضها وإدانتها الشديدة لقرار الكنيست التابع للكيان إلغاء «قانون فك الارتباط» وشرعنة الأنشطة الاستيطانية الاستعمارية في الأرض الفلسطينية المحتلة، ودعت الأطراف الدولية الفاعلة إلى تحمل مسؤولياتها في إنفاذ قرارات الشرعية الدولية، والضغط بقوة على تل أبيب لوقف اعتداءاتها وانتهاكاتها المستمرة بحق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته.
ولا يخفى على أحد أنّ جدار الفصل الإسرائيلي الذي يحمي المستوطنات وشبكة طرقها في الضفة الغربية يقسم إلى ثلاث كتل سكانية فلسطينية رئيسية: الشمال الذي يشمل نابلس وجنين وطولكرم، المركز الذي يضم رام الله والبيرة، والجنوب الذي يشمل الخليل وبيت لحم، هذه الكتل الثلاث بدورها مقسمة إلى ستة كانتونات وكلها تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، تمنع هذه الانقسامات التواصل الحضري الجنوبي لمحافظة رام الله والبيرة والتواصل الشمالي لمحافظة بيت لحم، وهذا الوضع ينتهك السيادة الفلسطينية ويمنع قيام الدولة الفلسطينية.
إضافة إلى ذلك، يهدد الكيان السلم والأمن في المنطقة وفلسطين، ومع الوجود الأمني الإسرائيلي المتزايد في الضفة الغربية - المبرر بذريعة حماية المستوطنات - ومع استمرار استفزازات المستوطنين الإسرائيليين تجاه الفلسطينيين، والتي تؤدي دائمًا إلى حوادث إطلاق نار، سيكون من الصعب جدًا إقامة منطقة آمنة ومستقرة، أي الدولة الفلسطينية التي ينعم سكانها بالسلم الأهلي، حيث تشكل هجمات المستوطنين تهديدا خطيرا للسلم الأهلي الفلسطيني، وفي هذا العام نفذ المستوطنون عمليات هجومية كثيرة ضد القرى والبلدات الفلسطينية حيث قتلوا وأحرقوا وخربوا وكتبوا شعارات عنصرية ضد الفلسطينيين، ولأن المناطق المحيطة بالمستوطنات الإسرائيلية لا تخضع لسيطرة قوات الأمن الفلسطينية، فإن الشرطة الفلسطينية غير قادرة على ملاحقة المجرمين الذين يلجؤون إلى هذه المناطق حيث يمكنهم الاختباء بأمان، ويواصلون تهديد حالة السلم الأهلي، وتعريض أمن الدولة الفلسطينية المستقبلية للخطر، فهل يمكن تحقيق الأمن والاستقرار والسلم الأهلي في ظل وجود قوى أمنية احتلالية تنال من سيادة الدولة وتهاجم مواطنيها بشدة!.
تأثيرات خطيرة
نعلم جميعاً أنّ "إسرائيل" تسيطر على معظم المياه السطحية الفلسطينية، مثل نهر الأردن والبحر الميت، ولا تترك للفلسطينيين أي بديل سوى الاعتماد على المياه الجوفية، ومع ذلك ومع وجود حوالي 70 في المئة من المستوطنات الإسرائيلية الواقعة على حوض الخزان الشرقي في الضفة الغربية، و 45 في المئة من جميع المستوطنات الواقعة في مناطق حساسة لإعادة تغذية حوض الخزان الجوفي في الضفة الغربية، استولت المستوطنات الإسرائيلية على معظم المياه الجوفية الفلسطينية، ويصل عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية والقدس الشرقية الآن إلى ما يزيد على 750.000 شخص، وفي الضفة الغربية وحدها هناك ما لا يقل عن 500 ألف مستوطن يستهلكون حوالي 32٪ من المياه الجوفية، في حين أن 3.7 ملايين فلسطيني يتشاركون هذه الموارد يمكنهم الوصول إلى 18٪ فقط.
وطالما أن المستوطنات الإسرائيلية تسيطر على موارد المياه الجوفية في الضفة الغربية، فسيكون من المستحيل إقامة دولة فلسطينية ذات نفوذ ووسائل كافية لتلبية احتياجات الشرب والري لسكانها، ناهيك عن منع التنمية الزراعية، حيث يعتبر القطاع الزراعي أحد أهم الموارد الاقتصادية للفلسطينيين، لكن هذا المورد المربح المحتمل لا يمكن أن يزدهر في ظل الحملات العدوانية المستمرة التي تدمر وتقتلع الأراضي الزراعية في الضفة الغربية.
وخلال عام 2020، سُجّل نحو 75 اعتداءً من قبل المستوطنين على الأراضي الزراعية الفلسطينية، وأسفرت عن اقتلاع وإتلاف 6،507 شجرة زيتون وكرمة، وتسيطر المستوطنات الإسرائيلية على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخضراء في الضفة الغربية، وبسبب الطرق الالتفافية والجدار الفاصل الإسرائيلي، لا يستطيع عدد كبير من المزارعين الفلسطينيين الوصول إلى أراضيهم لزراعة المحاصيل وحصادها، وهذا يجعل أي دولة فلسطينية مستقبلية غير قادرة على تطوير اقتصادها الأخضر.
في النهاية، إن ما يسمى "حل الدولتين" الذي اقترحته اتفاقيات أوسلو لتحقيق المطلب الفلسطيني بالاستقلال والسيادة، والذي أيده قرار الأمم المتحدة رقم 242، يدعو إلى احترام سيادة وسلامة أراضي كل دولة في المنطقة، ويطالب بانسحاب الكيان الإسرائيلي إلى حدود عام 1967، وهذا الحل الذي يقترح إقامة دولة فلسطين المستقلة إلى جانب دولة الاحتلال، هو الحل الأكثر فاعلية وسلمية للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني ومعضلة السلام في الشرق الأوسط بالنسبة للبعض الذين يتناسون أنّ الكيان يحاول قضم أراضي الفلسطينيين دون رحمة، حيث تزعم مصادر في إحصاءات رسمية من الحكومة الإسرائيلية أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية وحدها يزيد على نصف مليون مستوطن، وحسب ما أوردته الجزيرة، يقدر معهد الأبحاث التطبيقية الفلسطيني أن العدد قد وصل بالفعل إلى مليون، في حين تشير منظمة السلام الآن إلى أن عدد المستوطنين في كل من الضفة الغربية والقدس الشرقية يبلغ حوالي 700 ألف مستوطن.