الوقت- على الرغم من أن الفصائل الفلسطينية بحاجة إلى الوحدة والتماسك أكثر من أي وقت مضى، بسبب جرائم الحكومة الصهيونية الراديكالية في الضفة الغربية وغزة، من أجل التمكن من مواجهة الکيان الإسرائيلي، فقد اتخذ قادة السلطة الفلسطينية مسارًا منفصلاً عن المقاومة.
وفي هذا الصدد، عُقد الأحد الماضي اجتماع أمني بين السلطة الفلسطينية والکيان الصهيوني في مدينة العقبة الأردنية، بمشاركة مصر وبرعاية الولايات المتحدة.
يبدو أن هذا الاجتماع عقد بهدف زيادة التنسيق الأمني بين منظمة السلطة الفلسطينية والکيان الصهيوني، من أجل مزيد من قمع الفلسطينيين ومنع عمليات المقاومة المسلحة. وهو الاجتماع الذي نددت به فصائل المقاومة، وقالت إن حضور ممثل السلطة الفلسطينية خيانة لقضية القدس.
لمعرفة تفاصيل اللقاء في الأردن، تحدث "الوقت" مع السيد جعفر قنادباشي، الخبير في شؤون غرب آسيا.
الوقت: بالنظر إلى تصاعد التوترات في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة، ما الهدف من عقد هذا الاجتماع في ظل الوضع الراهن؟
السيد جعفر قنادباشي: تسعى أمريكا والکيان الصهيوني إلى تحقيق عدة أهداف في هذا الاجتماع. يحاول الإسرائيليون تغيير الرأي العام بأن الولايات المتحدة ضد حكومة بنيامين نتنياهو الراديكالية ونفي هذا الأمر، ويأتي وجود الأمريكيين في هذا الاجتماع في هذا السياق.
لكن الهدف الرئيسي هو أن السلطات الصهيونية وواشنطن قلقة من انتفاضة الشعب الفلسطيني، وجهود فصائل المقاومة للانتقام من الجريمة الأخيرة في نابلس. إنهم قلقون من أنه خلال شهر رمضان المبارك، ستقوم المقاومة الفلسطينية بعمل مسلح واسع النطاق، وستجد الضفة الغربية ظروفًا مستقلةً مثل الظروف السائدة في غزة.
لذلك، فهم يحاولون استقطاب قوى الأمن التابعة لمنظمة السلطة الفلسطينية إلى جانبهم، واستخدامها لقمع هذه الانتفاضة المحتملة في جميع أنحاء الضفة الغربية، من أجل نزع سلاح المقاومة وبدء حرب فلسطينية-فلسطينية. لأنهم يعرفون أنه في حال دخول القوات الصهيونية الخليل ونابلس، ستكون هناك اشتباكات عنيفة بين المقاومة والقوات الإسرائيلية، وهذا ليس في مصلحة تل أبيب وواشنطن.
الوقت: عارضت فصائل المقاومة هذا الاجتماع واعتبرته خطةً صهيونيةً لإحداث الانقسام بين الفلسطينيين، فيما اعتبر الأردن ومنظمة السلطة الفلسطينية هذا الاجتماع بأنه يأتي للحد من عدوان الکيان الإسرائيلي. ما هو برأيكم سبب تشاؤم فصائل المقاومة تجاه نوايا منظمة السلطة الفلسطينية؟
السيد جعفر قنادباشي: لطالما أعلنت فصائل المقاومة معارضتها لأي حل وسط، لكن في الوضع الراهن لهذه المعارضة مصاديق وظروف أخرى. تشعر مجموعات المقاومة أن منظمة السلطة الفلسطينية التزمت الصمت في الوقت الذي كان يجب أن تعارض فيه جرائم وخطط الحكومة الإسرائيلية المتطرفة.
دخل الفلسطينيون إلى ميدان الانتفاضة العامة منذ عامين، وانتشر هذا الموضوع في جميع أنحاء فلسطين ولم يسبق له مثيل حتى الآن. تحاول حكومة تل أبيب المتطرفة دمج الضفة الغربية في الأراضي المحتلة، وتعلن ذلك بوضوح. وفي مثل هذا الوضع، فإن جلوس ممثلي السلطة الفلسطينية مع الصهاينة حول الطاولة هو خيانة كبرى للشعب الفلسطيني، ولهذا السبب نظمت الفصائل الفلسطينية مظاهرةً ضد هذا الاجتماع.
هذه الأيام، كل الأنظار تتجه نحو الضفة الغربية، وهذه المنطقة المتوترة لها خصائص عديدة. أولاً، منظمة السلطة الفلسطينية لها تأثير أكبر فيها، وثانيًا، تشتعل نار الحملات المناهضة للصهيونية في هذه المنطقة. وثالثًا، يحاول الصهاينة السيطرة على الضفة الغربية.
لكن بالنظر إلی دخول الفصائل الفلسطينية إلى الساحة، فإن الکيان الصهيوني يشعر بالقلق من حقيقة أنه في شهر رمضان سينتفض الفلسطينيون انتفاضةً مسلحةً، ويطردون الصهاينة من هذه المنطقة. وفي هذه الظروف، فإن وجود ممثلين عن السلطة الفلسطينية في قمة العقبة يخدم الصهاينة، ويعتبر خيانةً لقضية القدس.
الوقت: لماذا تشارك منظمة السلطة الفلسطينية في لقاء العقبة خلافاً لاجتماع الجزائر، حيث تعهدت فيه بالتحالف مع الفصائل الفلسطينية في غزة؟ من ناحية أخرى، زعمت بعض المصادر أن الولايات المتحدة تحاول إعطاء إدارة قطاع غزة للسلطة الفلسطينية بمساعدة مصر. ما مدى صحة هذه القضية وهل يمكن تنفيذها؟
السيد جعفر قنادباشي: عقد هذا الاجتماع الطارئ بناءً على طلب الصهاينة، لأنهم يشعرون أنهم في وضع خطير للغاية وأن هناك إمكانية لانتفاضة ثالثة، وعقد هذا الاجتماع ليس عملاً ضد الاجتماع في الجزائر.
تشعر السلطات الإسرائيلية بقلق بالغ إزاء التطورات المحتملة في شهر رمضان، ومن ناحية أخرى تخشى الوحدة بين الفصائل الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، وتشعر بالتهديد من أن تتحول الضفة الغربية إلى جبهة شبيهة بغزة ضد المحتلين. على وجه الخصوص، كانت هناك تقارير تفيد بأن الجنود الإسرائيليين يفرون من الجيش ويهربون من تنفيذ الخطط الحكومية المتطرفة التي تؤدي إلى تصعيد التوترات مع الفلسطينيين، وهذا تهديد خطير لسلطات تل أبيب.
لذلك، إضافة إلى تهديدات المقاومة في الخارج، داخل الأراضي المحتلة فإن قوات الأمن الصهيونية المسؤولة عن قمع الانتفاضة الفلسطينية، غير مستعدة للانصياع لقادتها.
من الواضح أنه منذ عام 2006، فقدت السلطة الفلسطينية سيطرتها علی قطاع غزة، وفي هذه السنوات لم تكن هذه المنظمة قادرةً على كسب النفوذ في هذه المنطقة، لأن الناس الذين يعيشون في غزة لديهم سياسات وأفكار مختلفة عن السلطة الفلسطينية التي تسعى إلى التسوية.
لقد قاتلت السلطة الفلسطينية الكيان الصهيوني في الماضي، ولكن بمرور الوقت أصبح أعضاؤها فاسدين ويسعون إلی التسوية ويشككون في مقاومة الشعب الفلسطيني. وحقيقة أن بعض الناس يقولون إن إدارة غزة ستُعطى لمنظمة السلطة الفلسطينية، فهي خدعة سياسية وليست ممكنةً على الإطلاق.
قلق الکيان الإسرائيلي الرئيسي الآن هو أن سكان الضفة الغربية يتبعون فصائل المقاومة بغزة بدلاً من السلطة الفلسطينية، وقد أعلنوا تحالفهم مع هذه الجماعات واختاروا طريق الكفاح المسلح لمواجهة المحتلين. لهذا السبب، فإن سيطرة السلطة الفلسطينية على غزة هي نوع من الدعاية للتغطية على الحقائق القائمة.
هذا في حين أنه يوجد عكس هذا الوضع، وحتى إدارة الضفة الغربية خارج دائرة نفوذ السلطة الفلسطينية، وتأثير مقاومة غزة في هذه المنطقة يتزايد يوماً بعد يوم. لأن سجل التعاون الأمني والاستخباراتي للسلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني في قمع الفلسطينيين، قد دفع سكان الضفة الغربية إلى النأي بأنفسهم عن هذه المنظمة. لذلك، فإن الدول الحاضرة في اجتماع العقبة، تحاول تكليف السلطة الفلسطينية بمهمة قمع الفلسطينيين، من أجل وقف الكفاح المسلح للفلسطينيين.
الوقت: شدّد الکيان الصهيوني في الأيام الماضية إجراءاته الأمنية خوفاً من عمليات المقاومة عشية شهر رمضان. ما مدى تأثير اقتراب شهر رمضان في دخول الصهاينة إلى المفاوضات في الأردن؟ من ناحية أخرى، ادعت بعض المصادر العربية أنها ستتفق على اعتقال عناصر المقاومة في الضفة الغربية في اجتماع العقبة، ولهذا الغرض تخطط السلطة الفلسطينية توظيف 10 آلاف جندي جديد. إلى أي مدى تعتقدون أن هذا سيكون عمليًا؟
السيد جعفر قنادباشي: حقيقة ادعاء السلطات الصهيونية المتطرفة أنها لا تخاف من الفلسطينيين، تشير إلى أنهم قلقون للغاية. قبل تشكيل الحكومة، هتف اليمينيون المتطرفون بأنهم سينفذون خططهم المثيرة للجدل بمجرد وصولهم إلى السلطة، لكن مع تشكيل الحكومة، واجهوا رفضًا كبيرًا. والآن أوضاع العالم ليست في صالح الصهاينة، وحتى أمريكا نفسها اضطرت إلى إدانة خطة الاستيطان في الضفة الغربية، لأن تنفيذ هذه الخطة هو استمرار للاحتلال.
من ناحية أخرى، لا يتحمل الرأي العام في العالم العربي اضطهاد الفلسطينيين، والقادة الراديكاليين قلقون من هذه القضية. أرييل شارون، رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق والمتطرف، ادعى أن قطاع غزة يجب أن يكون منطقةً عازلةً، لكن الفلسطينيين طردوا الصهاينة من هذه المنطقة في عام 2006. والآن أيضًا، يتم تنفيذ مثل هذا السيناريو من قبل الصهاينة الراديكاليين.
كان شارون يركز على غزة، لكن أشخاصاً مثل إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، يركزون على الضفة الغربية لضمها إلى الأراضي المحتلة، لكن عندما يرون اتساع نطاق الانتفاضة الفلسطينية، فإنهم يخشون أن يتكرر ما حدث في غزة في الضفة الغربية، وهذا كابوس لسلطات تل أبيب.
هدف الكيان الصهيوني هو وقف فصائل المقاومة الفلسطينية عن طريق النضال، ولهذا السبب يحاول تحقيق ذلك من خلال وعود بالأرض والمال لمنظمة السلطة الفلسطينية، لكن فصائل المقاومة تقف أمام السلطة الفلسطينية وتدين حضورها في العقبة وتعتبره خيانةً لفلسطين.
لذلك، فإن الوحدة والتلاحم بين الفصائل الفلسطينية في أفضل حالاته، لکن أن تصبح قوى السلطة الفلسطينية قوة شرطة تقوم بقمع وسجن الفلسطينيين، فإن هذا العمل مدان ولا يمكن قبوله من قبل الفلسطينيين.
الوقت: هل يمكن للنتائج المحتملة للاجتماع، أن تخفف الأزمة الأمنية الإسرائيلية في الضفة الغربية؟
السيد جعفر قنادباشي: کلا. تقول دول المنطقة العربية ومنها مصر والأردن إن أمريكا لا تزال تدعم العرب بعقد مثل هذه اللقاءات، لكن ممثلي الولايات المتحدة حاضرون في اجتماع العقبة كوسطاء، ويحاولون التظاهر بأن عملية المصالحة التي بدأت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ما زالت قائمةً، لتكون مقدمةً لتسوية جديدة بين السلطة الفلسطينية ونوعا من محاولة إحياء عملية التسوية السابقة.
لذلك، يحاول الأمريكيون تحويل الوجه النضالي للفلسطينيين إلى عملية تفاوض وتسوية، ويتظاهرون بأن حل القضية الفلسطينية سياسي من أجل تنفيذ حل الدولتين، لكن فصائل المقاومة تقول إن السبيل الوحيد لتحرير الأراضي المحتلة هو الكفاح المسلح، وهناك رأيان متعارضان.