الوقت - في حين كان من المتوقع أنه مع تشكيل حكومة طالبان في أفغانستان، سيتم تعزيز العلاقات بين هذا البلد وباكستان، ولكن بعد عام ونصف العام على تشكيل الحكومة المؤقتة، ألقت التوترات السياسية والأمنية بظلالها على العلاقات بين البلدين.
لهذا الغرض، وصل وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف إلى كابول في زيارة غير متوقعة يوم الثلاثاء الماضي على رأس وفد رفيع المستوى، والتقی مع الملا عبد الغني برادر، النائب الاقتصادي لرئيس وزراء طالبان. وحسب المصادر، فإن الهدف من زيارة وزير الدفاع الباكستاني، كان محاربة تهديدات حركة طالبان باكستان وتخفيف التوترات.
وشدد عبد الغني برادر في هذا الاجتماع، على أن القضايا الاقتصادية والتجارية يجب ألا تكون فريسةً للقضايا السياسية، وطالب بالإفراج عن المواطنين الأفغان من السجون الباكستانية.
كما أكد عبد الغني برادر على تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين الجارين، ودعا إلى تسهيل مرور الركاب عبر معبري تورخام وسبين بولداك، وخاصةً أولئك الذين يسعون للحصول على الرعاية الطبية.
وأصدرت وزارة الخارجية الباكستانية بياناً أعلنت فيه أنه تمت خلال هذا الاجتماع مناقشة القضايا المتعلقة بتنامي خطر الإرهاب في المنطقة، ولا سيما حركة طالبان باكستان وداعش خراسان، واتفق الجانبان على تعزيز التعاون البناء بين مختلف مؤسسات البلدين، من أجل التعامل الفعال مع تهديد الإرهاب.
وتعدّ هذه الزيارة الأولى لوزير الدفاع الباكستاني والجنرال نديم أنجم كرئيس لجهاز المخابرات الباكستاني "آي إس آي" إلى أفغانستان، بعد عودة طالبان إلى السلطة.
وتأتي زيارة وزير الدفاع الباكستاني في حين اندلع صراع عسكري عنيف بين طالبان وحرس الحدود الباكستاني يوم الأحد الماضي، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من جنود البلدين.
ورداً على هذا الإجراء، أغلقت حركة طالبان معبر "تورخام" بين البلدين، وأعلنت إغلاق هذه البوابة الحدودية بعد شكاوى من عدم التزام باكستان بالتعهدات، وأرادت سلطات إسلام آباد إعادة فتحها.
تشكو باكستان بشدة من نهج حكومة طالبان في ضبط الحدود المشتركة مع أفغانستان، وتتهم أفغانستان بعدم التعاون في مكافحة الإرهاب والتعامل مع العناصر المعادية لباكستان.
وأدت الاشتباكات بين قوات الأمن الأفغانية والباكستانية من حين لآخر، إلى إغلاق المعبر الحدودي الثاني بين البلدين "شامان". وفي الأشهر الأخيرة، اشتبكت قوات طالبان وباكستان عدة مرات في المناطق الحدودية، وزادت هذه القضية من حدة التوترات بين كابول وإسلام أباد. ولهذا السبب، تحاول السلطات الباكستانية الحد من هذه التوترات، من خلال زيادة العلاقات الثنائية والتعاون الأمني.
وبما أن اقتصاد أفغانستان وباكستان ليس في حالة جيدة في الوضع الحالي، فإن استمرار النزاعات الحدودية يمكن أن يعمق هذه الأزمات، وهذه القضية ليست في مصلحة أي من الطرفين.
منذ وصول طالبان إلى السلطة في أفغانستان، ازدادت المخاوف من انتشار عدم الاستقرار وانعدام الأمن من هذا البلد إلى المنطقة، وباكستان هي الأكثر قلقًا بشأن هذه القضية، وتحاول منع انتشار انعدام الأمن إلى حدودها.
التعامل مع حرکة طالبان باكستان
زيارة وزير الدفاع الباكستاني، بالإضافة إلى التوترات الحدودية، مرتبطة أيضًا بقضية مهمة أخرى، وهي تهديدات جماعة طالبان باكستان الإرهابية(TTP)، التي وجهت ضربات شديدة لإسلام أباد في العقدين الماضيين، وفي آخر عمل إرهابي لهذه المجموعة والذي تم تنفيذه في العاشر من فبراير في مسجد بيشاور، قتل وجرح عشرات الأشخاص.
سلطات إسلام أباد اتهمت مراراً حركة طالبان الأفغانية بإيواء حركة طالبان باكستان، وطالبت بإنهاء هذا الدعم، لكن الحكومة المؤقتة في كابول رفضت هذه الاتهامات، وادعت حكومة طالبان أنه لا توجد جماعة إرهابية في الوقت الحالي تنشط في أفغانستان. ولإثبات أنه لا علاقة لها بهذه المجموعة داخل باكستان، فقد أدانت العملية الإرهابية في بيشاور.
وعلى الرغم من أن مدى ارتباط طالبان بحركة طالبان باكستان غير واضح، ولکن بعد السيطرة على كابول، أطلقت طالبان سراح العديد من قادة هذه المجموعة من السجون الأفغانية.
تعتبر باكستان وجود الجماعات الإرهابية في أفغانستان تهديدًا لأمنها، وتوقعت أن يتم كبح الجماعات الإرهابية عند وصول طالبان إلى السلطة. لكن من الناحية العملية لم يحدث هذا، وحتى بسبب دعم طالبان، اكتسبت حركة طالبان باكستان المزيد من القوة في حدود البلدين.
كما اكتسبت حركة طالبان باكستان حافزًا أكبر لمواجهة الحكومة الباكستانية مع سيطرة طالبان على السلطة في كابول، حتى تتمكن يومًا ما من تحقيق هدفها المتمثل في إقامة الإمارة الإسلامية المنشودة.
زيارة لتخفيف التوترات السياسية
جاءت زيارة مسؤولي إسلام أباد إلى كابول، بعد أيام قليلة من إعلان وزير الخارجية الباكستاني بوضوح في اجتماع ميونيخ الأمني، أن استخدام المتشددين للأراضي الأفغانية يمكن أن يشكل تهديدًا لباكستان، الذي حذر من أنه إذا لم يكن لدى طالبان الإرادة والقدرة على التعامل مع هذه الجماعات، فإن الإرهاب سينتشر إلى مناطق أخرى خارج باكستان.
وقال بيلاوال بوتو زرداري إن طالبان ليس لديها جيش دائم ولا قوة لمكافحة الإرهاب وأمن حدودي مناسب، وهذا تهديد خطير لدول المنطقة، وطالب الحكومة المؤقتة بالتعاون اللازم في هذا الصدد.
ونفى مسؤولو طالبان هذا الادعاء، وطلبوا من إسلام أباد مناقشة القضية الأمنية معهم بشکل خاص. وأكدت طالبان أن أمن أفغانستان في الوقت الراهن أفضل من معظم دول العالم، وطالبت إسلام آباد بإنهاء هذه التصريحات المثيرة للتوتر.
من أجل تعزيز علاقاتها مع الحكومة المؤقتة لطالبان، عززت باكستان علاقاتها الاقتصادية مع هذا البلد في العام الماضي، من أجل حل جزء من المشاكل الاقتصادية للأفغان. لأنه وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، يعيش 90٪ من الأفغان تحت خط الفقر، وإذا لم يتم إرسال مساعدات عالمية إليهم، فستظهر أزمة جديدة في العالم.
قد يؤدي استمرار الأزمة الاقتصادية إلى زيادة أزمة الهجرة من أفغانستان، وهذا تهديد خطير لدول المنطقة، وخاصةً باكستان، لأنها لا تستطيع استضافة مهاجرين جدد بسبب مشاكل داخلية، وحتى بعد أن استولت طالبان على السلطة، عاد آلاف الأفغان إلى بلادهم.
إيصال رسالة أمريكا إلى طالبان
يبدو أن زيارة الوفد الباكستاني إلى كابول تحمل رسالةً من الولايات المتحدة، حيث زار ممثلو هذا البلد إسلام أباد الأسبوع الماضي.
واشنطن التي فقدت قدرتها على التأثير على التطورات السياسية في هذا البلد بعد مغادرة أفغانستان، تحاول تنفيذ خططها في أفغانستان بمساعدة باكستان.
أمريكا التي هي المسؤول الرئيسي في خلق حالة من انعدام الأمن والأزمة الاقتصادية في أفغانستان، وقد استولت على أكثر من 7 مليارات دولار من أصول هذا البلد كرهائن بذريعة سياسية، اعتبرت الحكومة المؤقتة طالبان أنها سبب هذه الاضطرابات.
وفي الآونة الأخيرة، ادعى مسؤولون في واشنطن أن طالبان تخطط لنقل أحد الإرهابيين المشهورين إلى آسيا الوسطى لجعل هذه المنطقة غير آمنة، وهو ادعاء نفته طالبان. وبمثل هذه المزاعم، تحاول واشنطن زيادة الضغط الدولي على الحكومة الأفغانية المؤقتة، وتخليص نفسها من ضغوط المنتقدين.
من ناحية أخرى، فإن باكستان التي كانت دائمًا داعمًا قويًا لطالبان في العقدين الماضيين، لا تعتبر الخلافات داخل جماعة طالبان في مصلحتها. وبالنظر إلى أنه كانت هناك أنباء في الأسابيع الأخيرة حول تصاعد الخلافات بين قادة هذه المجموعة، فإن إسلام أباد تحاول التوسط والقدرة على إنشاء تحالف بين هذه الجماعات.
كما أنه في سبتمبر 2021 وفي أسابيع الاستيلاء على كابول، نُشرت تقارير عن الصراع بين قادة طالبان، وذهب رئيس وكالة المخابرات الباكستانية على الفور إلى كابول لحل هذه الأزمة.
وبالنظر إلى أن بعض الجماعات المحسوبة على طالبان مدرجة على قائمة الجماعات الإرهابية في الغرب، فإذا أصبحت الخلافات أكثر خطورةً، فقد يؤدي ذلك إلى تفاقم حالة انعدام الأمن وعدم الاستقرار السياسي في أفغانستان، وهذا مقلق للغاية بالنسبة لباكستان.
وعلى الرغم من أن طالبان أظهرت أنها لا تستمع لباكستان كما اعتادت، فلا يزال هناك أشخاص في الحكومة المؤقتة موالون لإسلام أباد.