الوقت - الکيان الصهيوني الذي ترك سجلاً أسود ودمويًا بين المسلمين بقتل الفلسطينيين في العقود الثمانية الماضية، يسعى الآن إلى تنقية صورته المعادية للإنسان بطرق أخرى.
لهذا السبب، يحاول هذه المرة تمهيد الطريق لتطبيع العلاقات في العالم الإسلامي، عبر ما نسمى المساعدات الإنسانية للمتضررين من الزلزال في تركيا.
وفي هذا السياق، أرسل الکيان الصهيوني عددًا من عمال الإغاثة التابعين له إلى تركيا للمساعدة في إنقاذ المحاصرين تحت الأنقاض، وقد عكس هذه القضية على نطاق واسع في وسائل الإعلام من أجل إظهار وجه لطيف عن نفسه للعالم، لكن جرائم الصهاينة لن تمحى بمثل هذه الأعمال التي تقف خلفها أهداف سياسية.
للنظر في أهداف الكيان الصهيوني من الدخول علی خط المساعدات الإنسانية في تركيا، أجرى "الوقت" حواراً مع الدكتور جواد معصومي، الباحث في القضايا الدولية.
الوقت: بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، أرسل الکيان الصهيوني بعض قواته إلى تركيا باسم مساعدات إنسانية. ما هي الأهداف التي يسعى هذا الکيان لتحقيقها من خلال هذه الأعمال التي ترتدي رداء الإنسانية في تركيا؟
الدكتور جواد معصومي: في الأيام الأخيرة، تم نشر مقطع فيديو لجلسة برلمان الکيان الصهيوني، حاولت فيه نائبة عربية إرسال رسالة تعزية لشعب تركيا وسوريا بسبب الزلزال، لكن النواب المتشددين عارضوا ذلك بشدة، وإثر ذلك نشأ التوتر بين الجانبين وكان لهذا الفيلم انعكاس واسع في الشبكات الاجتماعية.
من المهم ذكر بعض الأمور حول هذا الفيلم. أولاً، الصهاينة ليس لديهم نظرة إنسانية تجاه العرب والأتراك وحتى شعوب العالم الأخرى. ويقول المسؤولون الصهاينة إنه لا علاقة لنا بالعرب وهم ليسوا جزءًا منا حتی نذهب لمساعدة الشعب السوري، ولديهم الفكرة نفسها عن تركيا ويعتبرونها عدوهم، وهذا يدل على عدم تعاطفهم مع الآخرين. ويتجلى هذا الشعور بالكراهية والعنف والعنصرية تجاه المسلمين بشكل أكثر وضوحاً، وتسبب ذلك في تصاعد التوترات في جلسة البرلمان.
والنقطة التالية هي أن الصهاينة يتجهون الآن نحو العنف، ولا يمكنهم حتى سماع رسالة تعزية لضحايا الزلزال ويتفاعلون معها بعنف، ويرجع ذلك إلى سياسات الصهاينة العدائية والمتطرفة. لذلك، فإن الخلاف الجاد بين النواب في الكنيست يعود إلى حدوث انقسام، وهو انقسام عميق ثنائي القطب موجود في الأراضي المحتلة، حيث يتفق البعض مع سلسلة من التيارات والبعض الآخر يختلف معها. وهذه الازدواجية القطبية تتسبب في اهتزاز نظام الکيان بالكامل، والأزمة الاجتماعية والسياسية ناتجة عن هذه الثغرات الموجودة في مجلس الوزراء والبرلمان.
لكن هناك أسباب عديدة لدخول الصهاينة في مفاوضات مع تركيا لتطبيع علاقاتهم. أولاً، الکيان الصهيوني لا يهتمّ بالشعب المسلم في تركيا ويعتبرهم أعداءً له، وبدخوله هذا البلد يسعى لإيذاء تركيا وزعزعة استقرارها، وليس المساعدة.
لهذا السبب، دخل الکيان تحت غطاء الإنسانية والمساعدات الاقتصادية والتكنولوجية، ولأنه يسعى للسيطرة على طرق الطاقة في العالم، فإنه يركز على تركيا، ويمكن أن تكون هذه الدولة مركز عبور الطاقة من غرب آسيا إلى أوروبا، لذلك تحاول تل أبيب تطوير علاقاتها مع أنقرة.
من ناحية أخرى، رحّب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوجود الصهاينة أيضًا. كان اقتصاد تركيا غير مستقر من قبل، وتفاقم الوضع بعد الزلزال، ويخطط أردوغان للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة مرةً أخرى، ويحتاج إلى دعم أمريكا والغرب، والکيان الصهيوني أيضًا شريك للغرب، وقوة الضغط والتأثير الصهيوني في هذه البلدان يمكن أن يساعد أردوغان كثيرًا للبقاء في السلطة مرةً أخرى.
يتأثر تطور علاقات تركيا مع الغرب حاليًا بالوضع الأمني في أوكرانيا، الذي طغى على العلاقات بين الجانبين. لذلك، إذا كان وضع الحرب في أوكرانيا لصالح روسيا، فستغير تركيا سياستها تجاه روسيا والكتلة الشرقية، وإذا انقلبت الطاولة لصالح الغرب، فإن السلطات التركية ستعطي الأولوية لمزيد من التوجه نحو الغرب.
لكن المؤكد أن الکيان الصهيوني لديه قاعدة استراتيجية في جمهورية أذربيجان، وأقام علاقات جيدة مع باكو، ويخطط لتنفيذ السيناريو نفسه في تركيا من أجل تنفيذ ممر "زانج زور" في جنوب القوقاز وجعل حدود إيران غير آمنة وغير مستقرة، وينتهج سياسة اللبننة، وفي غضون ذلك سيتضر الشعب التركي أكثر من غيره.
الوقت: بالنسبة إلی نوع النظرة التي لدى نواب الصهاينة الراديكاليين تجاه رسالة التعزية لضحايا الزلزال، هل هي موجودة فقط بين المسؤولين المتطرفين، أم إن مثل هذه الأفكار تسود على مستوى المجتمع الصهيوني؟
الدكتور جواد معصومي: نعم، للصهاينة نظرة دينية وأيديولوجية لهذه القضية، ويعتقدون أنه يجب تدمير الإسلام وكل مسلم في العالم. لذلك، سوف يستخدمون كل ما في وسعهم لتحقيق هذا الهدف، وكل كارثة تحدث بشكل طبيعي، سوف يفسرونها ويعبرون عن قضايا في هذا المجال.
لكن المهم هو أن الكيان الصهيوني لن يحتفل بعيد ميلاده الثمانين، وهذا مبني على خطاب النخب والمسؤولين السابقين في هذا الکيان، الذين يعتقدون أن الكيان الصهيوني يقف على برميل بارود سيفجره الصهاينة أنفسهم وليس جبهة المقاومة، رغم أن محور المقاومة لديه القدرة على الرد بالقوة على أي عدوان.
من ناحية أخرى، يسعى بنيامين نتنياهو حاليًا إلى إقامة دكتاتورية من خلال اقتراح إصلاحات في النظام القضائي، حتى يتمكن من تطبيق ما يشاء في النظام القضائي ووضعه تحت مظلة حكومته، ليتمكن من تنفيذ سياساته الفاشية، ومع التغييرات التي ينتهجها في القوانين الصهيونية، فإنه يبحث عن انقلاب لتحقيق ديكتاتوريته.
الوقت: ما هي جذور النظرة السلبية للصهاينة تجاه المسلمين؟ هل هي بسبب قضايا تاريخية واجتماعية أم بسبب أيديولوجيتهم العنصرية؟
الدكتور جواد معصومي: هناك نقاش تاريخي في هذا المجال وآخر عنصري. ما يتم تنفيذه الآن هو السياسات العنصرية وتعطيل النظام الجديد الناشئ في العالم. الآن أمريكا في حالة تدهور، وأوروبا في وضع تصبح فيه أضعف يومًا بعد يوم، ومع ضعف الغرب سيضعف الکيان الصهيوني أيضًا من تلقاء نفسه.
لذلك، فإن الخيار الأفضل للصهاينة هو المغامرة في الخارج، كما حدث قبل أيام حيث استهدفت سفينة صهيونية في الخليج الفارسي بسهم غير مرئي واتهمت إيران بهذا الهجوم، بينما لا توجد وثيقة أو دليل في هذا الصدد، ويحاول الصهاينة خلق توتر عبر افتعال هذه الأجواء لإدخال إيران في صراع في المنطقة.
الوقت: على الرغم من أن الکيان الصهيوني قد قام بتطبيع علاقاته مع الدول العربية وتركيا، إلا أن هذا المشروع لم يسر كما توقع الصهاينة وأصبح الآن مثيراً للتحدي. حالياً هناك نظرة سلبية لدى الرأي العام العربي تجاه عملية التطبيع، فما هو موقف الشعب التركي من عملية التطبيع؟ هل من الممكن أن يحدث الشيء نفسه الذي حدث في الدول العربية، حيث لم يقبل الناس التطبيع، في العلاقات بين تركيا وتل أبيب أيضًا؟
الدكتور جواد معصومي: حسب الاستطلاع الذي أجري، فإن 75٪ من سكان العالم لديهم وجهة نظر سلبية تجاه الكيان الصهيوني. كما أظهرت نتائج بحث أجرته إحدى منظمات الكيان الصهيوني، أن رضا المجتمع الصهيوني عن حكومته قد انخفض بشكل كبير.
كما يعيش شعب تركيا في مجتمع تتواجد فيه الأحزاب الإسلامية مثل "حزب السعادة الإسلامي"، وهي تمثل الشعب. كما سيردّ مواطنو تركيا ضد تطبيع العلاقات الحكومية مع الكيان الصهيوني ولن يسمحوا بإقامة عملية التطبيع هذه، لأن هذه العملية تضر بالشعب.
کذلك، أعلنت الأحزاب الإسلامية التركية معارضتها لهذا المشروع، وأشارت في وسائل الإعلام والصحف الخاصة بها إلى أنه من يقيم علاقات ودية مع الکيان الصهيوني، فلن تكون النتائج سوى تشويه سمعة تركيا.