الوقت - كان تطور المقاومة في الضفة الغربية إحدى المشاكل الرئيسية للکيان الصهيوني في السنوات الأخيرة. وبمرور الوقت، ازدادت أهمية هذه القضية في قائمة تحديات الكيان الصهيوني، وهي اليوم إحدى الأولويتين الأساسيتين لهذا الكيان.
إن سبب وصول الضفة الغربية إلى هذه النقطة اليوم، يعود إلی العديد من العوامل والأسباب الداخلية والخارجية. وتداعيات عمليات المقاومة الأخيرة في مدينة القدس على الكيان الصهيوني، تكشف عن هذه القضية إلى حد ما، وتدل على أن إنجازات المقاومة كانت العامل الأهم في هذا المجال.
إنجازات المقاومة من عملية القدس
عمليات المقاومة الأخيرة في مدينة القدس، وخاصةً العمليتين اللتين تم تنفيذهما في أقل من 24 ساعة بعد الهجوم الوحشي للکيان الصهيوني على مخيم "جنين"، حققت إنجازات للشعب الفلسطيني في كل من المرحلتين القصيرة والطويلة الأجل وفي المجالين الداخلي والخارجي، ولا شك أن هذه الإنجازات - التي جاءت نتيجة دماء شهداء المقاومة - جلبت أيضًا عواقب وخيمة على الكيان الصهيوني.
ضربة لمنظومة أمن الكيان الصهيوني
الإنجاز الأول لعملية المقاومة في مدينة القدس، هو الضربة التي ألحقتها بالبنية الأمنية للکيان الصهيوني.
كان الجهد المستمر للصهاينة في مجال الرأي العام، هو تقديم صورة بارزة ولامعة للرأي العام عن هيكلهم العسكري والأمني. کما دأب الإعلام الغربي والصهيوني على اتباع هذه السياسة، حيث قدم الهيكل الأمني والعسكري للکيان الصهيوني على أنه حاجز لا يمكن اختراقه.
لكن العملية الدقيقة التي نفذها أبناء فلسطين بأقل الموارد وفي وقت قصير، دمرت الجهاز الأمني للکيان الصهيوني، وأظهرت أن ما يقال عن قدرات الهيكل الأمني للکيان الصهيوني من قبل الإعلام الغربي، ما هو إلا دعاية ومبالغة.
الرعب وانعدام الثقة في البنية الاجتماعية للکيان الصهيوني
كهيكل يقوم علی الأمن، حدد الکيان الصهيوني معظم رأس ماله الاجتماعي في مسألة الأمن.
لقد بنى مجتمع الكيان الصهيوني ثقته بهذا الکيان على الأمن الذي يؤكد عليه الکيان، وعندما يتضرر الأمن سوف تتضرر هذه الثقة.
الهزيمة التي لحقت بالبنية الأمنية للکيان الصهيوني في العمليتين الأخيرتين، وشعور أجهزة أمن الكيان الصهيوني بالعجز عن احتواء عمليات المقاومة، قوضت من جهة ثقة الصهاينة المقيمين في الأراضي المحتلة ومستوطني الضفة الغربية في جهاز الأمن، ومن جهة أخری وبسبب تضاؤل هذه الثقة، خلقت نوعاً من الرعب بينهم.
إثبات قدرة المقاومة وصدقها
إن القيام بعمليتين نوعيتين في قلب المناطق التي تسيطر عليها الأجهزة الأمنية التابعة للکيان الصهيوني بشکل خاص، إضافة إلى إظهار زيف الدعاية الإعلامية الغربية بشأن سيطرة الأجهزة الأمنية للکيان الصهيوني، أثبت قوة المقاومة وأبناء فلسطين.
الضفة الغربية، مثل جزيرة صغيرة في قلب فلسطين التاريخية، يحيط بها الجيش الصهيوني ويسيطر عليها. کما يقوم الکيان الصهيوني بتفتيش الفلسطينيين من خلال وضع نقاط تفتيش متعددة في هذه المنطقة.
ومن بين عمليات الإيقاف والتفتيش العديدة والمكثفة - التي تتزايد عامًا بعد عام - تتحكم أنظمة التحكم الذكية في جميع حركة المرور باستخدام الكاميرات الأمنية. إضافة إلى ذلك، فإن الصهاينة يسيطرون علی كاميرات المراقبة الشخصية للمواطنين والمستوطنين الفلسطينيين. وإضافة إلى كل هذه الهياكل وأدوات الرقابة، هناك العديد من الجواسيس الذين يقدمون المعلومات للأجهزة الأمنية.
ولكن على الرغم من كل أدوات التحكم هذه، وجيش مسلح بأحدث أجهزة المخابرات وامتلاكه للبيانات الاستخبارية لجميع أجهزة المخابرات في الغرب، فإن المقاومة الفلسطينية وأبناء فلسطين ينفذون العمليات في قلب الهياكل العسكرية والأمنية للکيان وعلى مسافة قصيرة منهم، ويوجهون ضربات مؤلمة للکيان، وكل حسابات الکيان تفشل في منع ذلك والعمليات تفاجئ الإسرائيليين وأجهزتهم الأمنية، وهذه علامة على قوة المقاومة وأبناء فلسطين التي ينكرها الکيان الإسرائيلي.
تطوير الردع ضد الكيان الصهيوني
إن الإنجاز الأهم الذي حققته عمليات القدس الأخيرة وتطور عمليات المقاومة في الضفة الغربية للفلسطينيين، هو تطوير الردع.
أثبتت العمليات الأخيرة أمرين للصهاينة جيداً: أولاً، قدرة المقاومة على مواجهة الأعمال العدوانية للکيان الصهيوني، والثاني، عدم قدرة الكيان الصهيوني على التنبؤ بقوة المقاومة ومفاجأة هذا الکيان.
والنتيجة الطبيعية لهاتين الحقيقتين هي خلق هذا التقدير في جهاز الأمن التابع للکيان الصهيوني، بأن أي عمل ضد الفلسطينيين يمكن أن يكون مصحوبًا برد غير متوقع ومفاجئ، يمكن أن يقود الصهاينة إلى أزمات لا يمكن إصلاحها.
لذلك، دفع هذا الموضوع الصهاينة إلى التفكير مليًا في أي عمل ضد الفلسطينيين من الآن فصاعدًا، وعدم الجرأة على القيام بأي عمل طائش، وهذا هو معنى الردع الذي يتطور من عام 2021 ومعركة "سيف القدس".
وهذا الإنجاز هو بداية انحدار الصهاينة، وخاصةً أنه ترافق مع تهديد فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، حيث أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، مثل معركة "سيف القدس"، أنه من الآن فصاعدًا فإن أي عمل ضد الفلسطينيين في أي مكان في فلسطين سيقابل برد من المقاومة.
تقوية روح المقاومة الشعبية والاقتراب من الانتفاضة
خلال 75 عامًا من احتلال فلسطين، لم ينفصل الشعب الفلسطيني أبدًا عن النضال والمقاومة ضد المحتلين، وبات النضال ضد الکيان الصهيوني جزءًا من حياة الفلسطينيين.
كان للعمليات الأخيرة، إلى جانب كل ما حققته من إنجازات داخلية وخارجية، وجه شعبي، وهو أنه من خلال جعل نظرة الناس إلی المقاومة أكثر تفاؤلاً، فقد قربت الضفة الغربية خطوةً أخرى من الانتفاضة.
إن كل عملية ناجحة في الضفة الغربية تشجع الشباب الفلسطيني على القيام بمزيد من العمليات ضد الصهاينة، وتجعل الآباء والأمهات الفلسطينيين أكثر حزماً على هذا الطريق.
ومعنويات الشعب هي الداعم الأساسي للنضال من أجل تحرير فلسطين، وتعزيز هذه المعنويات هو الذي يجعل المقاومة أقوى كل يوم من اليوم السابق. وقد عززت العمليات الأخيرة هذه الروح والمعنويات بين أبناء الشعب الفلسطيني. والآن، يمكن للشباب الفلسطيني أن يوجهوا ضربات للکيان الإسرائيلي تفوق خياله.
العمليات التي نفذت ضد الكيان الصهيوني بعد هجوم الکيان الوحشي على مخيم جنين، خلقت موجةً جديدةً من الأمل بين الفلسطينيين واليأس بين الصهاينة. وأثبتت هذه العمليات زيف الادعاءات الأمنية للکيان الصهيوني، وقدرة المقاومة رغم الإمکانات الضئيلة، وبتطوير الردع ضد الكيان الصهيوني، جعلت فلسطين خطوةً أقرب إلى الحرية، وكل هذه الانجازات هي نتيجة دماء شهداء درب المقاومة.