الوقت - منذ بداية تأسيس الکيان الصهيوني، كانت أنشطة التجسس والاغتيال والتخريب في أراضي العديد من الدول، وخاصةً الدول المجاورة، من أهم وسائل الحفاظ على أمن واستمرار وجود الکيان. في غضون ذلك، كان لبنان مستهدفًا من قبل الصهاينة أكثر من دول أخرى.
على الرغم من أنه حتى سنوات قليلة مضت، وبسبب ضعف المخابرات اللبنانية، كان بإمكان جواسيس الموساد التسلل بسهولة إلى هذا البلد، إلا أن اللبنانيين عززوا استخباراتهم مؤخرًا ولم يمر أسبوع دون أنباء عن اعتقال جواسيس الموساد في هذا البلد. وفي هذا الصدد، أعلنت مصادر إعلامية، السبت الماضي، اعتقال جاسوس للموساد من قبل قوات الأمن اللبنانية.
وكتبت صحيفة الأخبار اللبنانية عن هوية هذا الجاسوس، بأن "حسن.ع" تعاون مع جهاز التجسس الصهيوني في مقابل 15 ألف دولار، وقدم معلومات عن زملائه للصهاينة.
بدأ تعاون هذا الجاسوس مع الكيان الصهيوني في حزيران/يونيو 2020 عبر تطبيق واتس آب، وأخيرًا اعتقلته قوات فرع المخابرات في جهاز الأمن اللبناني.
وحسب المعلومات التي نشرها جهاز الأمن اللبناني بشأن اعترافات جاسوس الموساد هذا، فقد أعطى الموساد إحداثيات فيلا مهجورة ومزرعة دجاج في منطقة عيتا الشعب، وكذلك أسماء بعض عناصر حزب الله الذين كانوا من قانا.
نشاط الجواسيس في خضم الأزمة اللبنانية
القبض على جاسوس الموساد هذا هو واحد من مئات الجواسيس المعتقلين الذين قبضت عليهم قوات الأمن اللبنانية في السنوات الأخيرة. ومنذ دخول لبنان في أزمة اقتصادية وعدم استقرار سياسي، أصبحت شبكات التجسس هذه أكثر نشاطًا.
أعلنت المصادر الأمنية اللبنانية مؤخرًا عن اعتقال 185جاسوسا صهيونيا في البلاد منذ بداية الأزمة الاقتصادية اللبنانية عام 2019، وهذا يدل على أن تل أبيب استفادت من هذه الفرصة، وتحاول جذب اللبنانيين إلى جانبها والحصول على معلومات من داخل هذا البلد. والاحتياجات المالية للبنانيين، والتي اعترف الجاسوس المعتقل مؤخراً أنه أجبر على ذلك بسبب مشاكل مالية، سهلت الطريق للتسلل إلى اللبنانيين.
إن الطريقة الأسهل والأكثر شيوعًا لاصطياد الأشخاص، وخاصةً جيل الشباب، هي الفضاء الإلكتروني. حيث إن عملاء الموساد الذين لهم نفوذ بين المستخدمين اللبنانيين، يتعرفون على اهتماماتهم وأذواقهم ويختارون عدداً من هؤلاء الأشخاص، ثم يتواصلون معهم.
في اعترافات الجواسيس الشباب، قالوا إنهم لم يکونوا يعرفون أنهم يتعاونون مع الموساد، ومقابل الحصول على مبلغ من المال، قدموا معلومات من داخل لبنان إلى طرف لا يعرفونه. وهکذا، فإن التسلل عبر الشبكات الافتراضية، خدعة جديدة للکيان الصهيوني يمكنه من خلالها جذب الكثير من الناس والحصول على مزيد من المعلومات من لبنان.
في الماضي، تسلل الموساد إلى لبنان بطرق مختلفة، بما في ذلك رجل أعمال، وعنصر کبير في المقاومة، وموظف حكومي، من أجل جمع معلومات عن حزب الله وقضايا البلاد السياسية والاقتصادية. على سبيل المثال، في عام 2009 ألقي القبض على رجل أعمال لبناني بتهمة التجسس لصالح الموساد، والذي أقام علاقات مع بعض الشخصيات البارزة في المقاومة على شكل أنشطة اقتصادية.
وفي يوليو 2010، اعتقل حزب الله جاسوسًا إسرائيليًا في مركز الهاتف المحمول اللبناني المعروف باسم "ألفا"، وحسب مسؤولين في حزب الله، فإن هذا الجاسوس عرّض حياة المواطنين اللبنانيين للخطر من خلال تزويد الکيان الإسرائيلي بمعلومات حساسة، ومثل هؤلاء الذين يتجسسون لصالح الموساد في لبنان والدول العربية كثيرون.
كما دمرت قوات الأمن اللبنانية، في شباط من العام الماضي، 15 عصابة من جهاز التجسس الصهيوني والتي كانت تعتبر أكبر عصابة في لبنان، وكانت أهدافهم، إضافةً إلى جمع المعلومات عن المقاومة ومراكزها، عمليات استخباراتية ضد فصائل المقاومة الفلسطينية في لبنان، وخاصةً حركة حماس.
حتى أن جواسيس الموساد قد تسللوا إلى قوات حزب الله أيضًا. ففي كانون الثاني(يناير) 2014، أعلنت قوات حزب الله أن رئيس الحرس الأمني للسيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، وقائد الفرع الأجنبي لهذا التنظيم، من جواسيس الموساد. وقيل إن هذا الشخص مسؤول عن إفشال العديد من المخططات التي خطط لها حزب الله ضد مصالح الكيان الصهيوني في العالم.
تعاون عبري-عربي لاغتيال عماد مغنية
بعد خمسة عشر عامًا من اغتيال قائد حزب الله الکبير عماد مغنية، الذي استشهد في دمشق، تم الآن الكشف عن أبعاد جديدة لهذه الجريمة.
على الرغم من اعتقاد مجموعات المقاومة في هذه السنوات أن الكيان الصهيوني نفذ هذا الاغتيال بمفرده، إلا أن المعلومات التي تم الكشف عنها حديثًا، تظهر أن هذا الإجراء تم بالتعاون المشترك بين بعض الدول العربية والغربية مع الكيان الصهيوني.
هذه الوثائق التي نشرها مؤخرًا المحلل الصهيوني يوسي ميلمان، تظهر أن عماد مغنية لم يكن شخصًا يمكن لدولة بمفردها أن تواجهه، وكانت هناك حاجة إلى مساعدة بعض الأطراف الإقليمية والدولية لاغتيال هذا القائد بعملية واسعة النطاق.
وحسب ما ورد في هذا الكتاب، فقد سمح رئيسا وزراء الکيان الصهيوني السابقان، أرييل شارون وإيهود أولمرت، للموساد باغتيال عماد مغنية. إضافة إلى ذلك، شاركت أجهزة استخبارات عدة دول، منها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأردن ومصر والسعودية، في جمع وتبادل المعلومات لتنفيذ اغتيال عماد مغنية.
وقال هذا الخبير الإسرائيلي إن مغنية كان الهدف الأول لاغتيال تل أبيب، بل أكثر أهميةً من نصرالله، لأن عماد مغنية كان مسؤولاً عن تنفيذ عمليات استشهادية أثارت قلق الکيان الصهيوني وأربكته.
كما ذکر هذا الخبير الصهيوني في كتابه، أن عماد مغنية كان شخصًا شديد الحذر، ولديه قدرة عالية على الاختباء والهروب من أجهزة المخابرات.
كان الصهاينة يعرفون اسم مغنية لكن لم تكن لديهم صورة له لاغتياله، لكن مع زيادة رحلاته إلى سوريا بعد الحرب التي استمرت 33 يومًا، كانت مهمة الموساد ووكالة المخابرات المركزية أسهل في جمع المعلومات عنه.
كان عماد مغنية أحد قادة حزب الله الأقوياء، ولعب دورًا مهمًا في انتصار المقاومة في حرب الـ 33 يومًا، وأثار هذا الأمر غضب الصهاينة، وبعد انتهاء الحرب تابعوا خطة اغتياله بجدية.
كانت الخطة الأولی للصهاينة لاغتيال عماد مغنية في حرب عام 2006 في عملية صاروخية فشلت، وحاولوا عدة مرات إزاحته عن الطريق، لكن هذه العمليات فشلت، وأخيراً في فبراير 2008 في دمشق، تم تنفيذ هذه الجريمة.
اعتقد الصهاينة أنه باغتياله يمكن أن يوجهوا ضربةً قويةً إلى حزب الله، لأنه حسب ادعائهم، في ذلك الوقت، لم يكن هناك قائد من طراز مغنية يمكن استبداله في الحزب قريبًا.
لكن في غضون ذلك، فإن النقطة الجديدة والمهمة في الوثائق الجديدة حول هذا الاغتيال، هي تواطؤ بعض الدول الخليجية مع الكيان الصهيوني، ما يدل على أن هذا التعاون كان قائماً بشكل كامل قبل عملية تطبيع العلاقات في المجال الأمني.
في السنوات الأخيرة، حاولت المشيخات العربية في الخليج الفارسي تعزيز عملية تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني وجمع كل العرب في هذا المحور، وأقيم تعاون سياسي واستخباراتي وأمني واقتصادي بين بعض هذه المشيخات، وخاصةً السعودية والإمارات والبحرين، مع الصهاينة.
يعوّل الکيان الصهيوني على الدول العربية للتعامل مع محور المقاومة في المنطقة، وبالنظر إلى أن للسعوديين نفوذاً واسعاً في الطبقات السياسية والأمنية في لبنان، يحاول الصهاينة التسلل إلى لبنان عبر السعودية ودفع خططهم إلى الأمام.
وفي السنوات الثلاث الماضية، وبمساعدة الولايات المتحدة والکيان الصهيوني، فرضت السعودية عقوبات على لبنان من أجل الضغط على حزب الله وتأليب الرأي العام ضده. ولذلك، تم تشكيل جبهة موحدة من شيوخ الخليج الفارسي والصهاينة لإضعاف لبنان.
كما حذر وزير خارجية لبنان مؤخرًا من تحركات بعض الأطراف لإثارة حرب أهلية، وقال إن مثل هذه الإجراءات لن تكون فعالةً. ويبدو أن المثلث العبري - العربي - الغربي يحاول استغلال أزمات لبنان الداخلية لمصلحته الخاصة، وإدخال هذا البلد في مرحلة جديدة من الحرب الأهلية.
حتى وقت قريب، كان الهدف الأساسي للصهاينة في لبنان هو مهاجمة المقاومة واغتيال قادتها وعناصرها، لكن الخطة الآن أوسع من ذي قبل، وأمن لبنان الداخلي بات علی جدول الأعمال. لكن قوات المقاومة، بصفتها ضامنة لأمن البلاد، حذرت مرارًا وتكرارًا من أنها لن تسمح للأعداء بإثارة الحرب.
يظهر اكتشاف شبكات التجسس التابعة للموساد وتدميرها في لبنان، أنه لن يتمكن الکيان الإسرائيلي بعد الآن من التسلل بسهولة إلی هذا البلد، وأي تحركات مرتزقة تل أبيب تحت مجهر قوى المقاومة.