الوقت - دخلت الأزمة في سورية مرحلةً جديدةً في الأشهر الأخيرة، وتركيا باعتبارها واحدةً من داعمي الجماعات الإرهابية بعد عقد من الحرب في سوريا، غيرت الآن نهجها وتسعى إلى تطبيع العلاقات مع دمشق، وتماشياً مع هذا الهدف عُقدت عدة اجتماعات بين مسؤولي المخابرات ووزيري دفاع البلدين.
ونوقش في هذه اللقاءات موضوع تطبيع العلاقات والتحضير للقاء رئيسي البلدين، ومسألة محاربة الإرهاب وضمان الاستقرار في سوريا والحفاظ عليه، ومسألة عودة اللاجئين.
في غضون ذلك، لعبت إيران، باعتبارها أهم لاعب أجنبي في مجال التطورات السورية، دورًا رئيسيًا في هذا المجال على مدار العقد الماضي، على الرغم من أن لعب الدور هذا لم يكن في شكل حضور مباشر في اللقاءات التركية السورية.
موقف إيران الإيجابي من تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا
رغم أن الحكومة السورية أظهرت حتى الآن أنها لا تثق بشكل كامل بنوايا وصدق الجانب التركي لتعويض أخطائه الماضية، ولهذا السبب وضعت شروطًا لقياس جدية أنقرة في هذا الاتجاه، ومع ذلك لا تزال تواصل فتح القنوات الدبلوماسية.
في غضون ذلك، تدعم إيران، إلى جانب روسيا، التي تلعب دور الوسيط الرئيسي في عملية تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، هذه الإجراءات السياسية الهادفة إلى إعادة الاستقرار إلى سوريا.
لطالما أعلنت إيران، بصفتها أحد الضامنين لاتفاقيات أستانا، أن الخطاب السياسي هو الحل الوحيد للأزمة في سوريا منذ بداية الأزمة، وترحب بتخلي تركيا في الآونة الأخيرة عن مواقفها المعادية والتوجه نحو دمشق.
إن قضية أزمة إدلب التي لم يتم حلها، والوجود الكبير لجبهة الإرهابيين في هذه المحافظة المهمة من سوريا، هي قضية لا تزال تشغل أذهان الجهات الفاعلة لمسار أستانا، وبطبيعة الحال بمساعدة تركيا يمكن حلها بتكلفة أقل بكثير.
من ناحية أخرى، فإن أحد شروط سوريا لتطبيع العلاقات مع تركيا هو انسحاب قواتها العسكرية من المناطق المحتلة، وتحاول إيران حل التحدي الأمني الأخير لدمشق من خلال دعم عملية التطبيع.
تم الإعلان عن موقف طهران المبدئي هذا للأطراف عدة مرات خلال محادثات أنقرة ودمشق، وفي 8 كانون الأول(ديسمبر) أشار وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى تفهم إيران للمخاوف الأمنية لتركيا وضرورة معالجة هذه المخاوف، وأكد أن تحقيق ذلك يتطلب استمرار المحادثات الأمنية بين البلدين، واللجوء إلى العمليات العسكرية البرية لن يساعد في حل المشاكل فحسب، بدل سوف يسبب الضرر ويعقد الوضع.
كما أعلن أمير عبد اللهيان في هذه الدعوة عن استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتقديم أي مساعدة لحل المشاكل السياسية بين البلدين.
من وجهة نظر طهران، على الرغم من الإنجازات الكبيرة التي حققتها الحكومة السورية وحلفاؤها في محور المقاومة في القضايا العسكرية والأمنية، فإن الاجتياز الكامل للأزمة وعودة السلام إلى سوريا يتطلب حل القضايا الإنسانية، مثل اللاجئين والإسراع في عملية إعادة دمشق إلى المجتمع الدولي وحل المشاكل الاقتصادية.
موقع طهران في التطورات السياسية في سوريا
رغم أن البعض يعتبر تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا تهديدًا لنفوذ إيران، ويزعمون أن هذا البلد قد تم استبعاده من المفاوضات بين البلدين، لكن زيارات وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان إلى أنقرة في تموز/ يوليو والأسبوع الماضي، والتي أجريت بهدف دراسة الملف السوري، تشير إلى أن طهران تلعب دورًا مهمًا في التطورات في سوريا، والسلطات التركية نفسها على علم بهذه المسألة.
تعدّ زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى أنقرة فور لقاء الرئيس السوري بشار الأسد، مؤشرًا جيدًا على أن سلطات أنقرة تدرك موقع طهران الحاسم في عملية التطورات في سوريا، وإمكانية إحراز تقدم أفضل في المفاوضات مع الوساطة الإيرانية.
في الواقع، حيث يبدو أن الأتراك ينظرون إلى طريق المفاوضات لترتيب اجتماع بين أردوغان والأسد قبل انتخابات العام المقبل طريقًا مسدودًا، فقد وجدوا أن إيران هي السبيل الوحيد لفتح هذا الطريق المسدود.
لطالما اتبعت إيران سياسةً ثابتةً تجاه سوريا وستدعم أي آلية في هذا الإطار. والحفاظ على وحدة أراضي سوريا، والتسوية السياسية للأزمة، والحفاظ على السلام والاستقرار في هذا البلد، من بين المبادئ التي تؤكدها إيران بشدة، ويمكن أن يحقق تطبيع أنقرة أيضًا هذه الأهداف، وبالتالي فإن سياسة تركيا الجديدة متوافقة مع خطط إيران.
تعتبر إيران استئناف العلاقات بين تركيا وسوريا سبيلًا لإعادة الاستقرار إلى سوريا، وفصل تركيا عن صفوف الحكومات المناهضة للنظام الحالي في سوريا، هو أحد أهداف إيران الاستراتيجية للتطورات في هذا البلد.
كما تشير عملية التطبيع إلى أن تركيا تحولت إلى مراجعة سياساتها تجاه سوريا، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تقليص الدعم للإرهابيين والحفاظ على وحدة أراضي سوريا.
تدرك سلطات أنقرة جيدًا أن الأزمة في سورية ستنتهي قريبًا، وأن إيران التي كانت مع الحكومة السورية منذ البداية ستكون لها مكانة مهمة في التطورات المستقبلية لهذا البلد، ولهذا السبب تريد ترکيا الاستفادة القصوى من قوة ونفوذ طهران في هذا المجال.
كما أن طلب مسؤولي أنقرة من طهران التوسط في عملية التطبيع، يعني أيضًا تأكيد دور إيران المؤثر في التطورات في سوريا. وقد قال بشار الأسد مرارًا وتكرارًا إنه في إعادة إعمار سوريا، تعطى الأولوية للدول التي وقفت إلى جانب حكومة وشعب سوريا، وأن روسيا وإيران ستكون لهما مكانة خاصة في هذا المجال.
تجدر الإشارة إلى أن الموقف التركي تجاه سوريا قد تغير بعد اجتماع أستانا في طهران، وهو يظهر نفوذ طهران وموسكو في عملية التطورات السياسية في سوريا.
أظهرت تجربة أحد عشر عاماً من الأزمة في سوريا، أن أي تغيير سياسي في هذا البلد لن يحقق أي نتيجة دون التنسيق مع إيران، والخطة التركية لتطبيع العلاقات ليست استثناءً من هذه القاعدة، وإذا وافقت أنقرة على شروط دمشق، فيمكن لطهران أن تلعب دورًا مهمًا في تکثيف هذه العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين.