الوقت- تسونامي اقتصادي يضرب مصر بعد هبوط الجنيه إلى مستويات قياسية عند حوالي 32 جنيها مقابل الدولار الأمريكي أي بنسبة أكثر من 100%، وهذا يعني زيادة معاناة بلاد يبلغ عدد سكانها 106 ملايين وتعاني من نسب تضخم كبيرة.
وكان صندوق النقد الدولي قد وضع الشروط، ومصر استجابت والنتيجة انهيار العملة المحلية وفقدانها اكثر من 100% من قيمتها خلال 10 شهور، وهنا اتجهت الأنظار إلى مقارنة التجربة المصرية بتجارب دول أخرى وقعت في فخ صندوق النقد منها الأرجنتين.
وصندوق النقد الدولي في آخر تقاريره، كشف أن مصر التزمت بمرونة العملة ودور أكبر للقطاع الخاص ومجموعة من الإصلاحات النقدية والمالية، عندما توصلت إلى اتفاق على حزمة دعم مالي بقيمة 3 مليارات دولار مع الصندوق.
مع العلم أن مصر تعتمد على الخارج في استيراد احتياجاتها الأساسية، وزيادة سعر الدولار سينعكس على الفور على أسعار السلع، في الوقت الذي يباع فيه الدولار في السوق السوداء بـ35 جنيهًا وفقًا لبنك “غولدمان ساكس”.
تعليقات البنوك الاستثمارية الكبرى والمؤسسات الدولية حول تدهور الجنيه إلى مستويات قياسية:
بنك غولدمن ساكس
أفاد بنك غولدمن ساكس أن الحالة التي وصل إليها الجنيه المصري تتطلب التحرك الفوري من السلطات المصرية ،للتأكد من تلبية الطلب على العملات الأجنبية في السوق الرسمية وبالتالي توحيد سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية .
بنك ستاندرد تشارترد
في المقابل يرى بنك ستاندرد تشارترد استمرار معاناة الجنيه المصري وبقاءه تحت الضغط لحين تحقيق المزيد من التدفقات الدولارية ما سيوازن بين العرض والطلب على النقد الأجنبي ولحين إغلاق الفجوة مع السوق الموازية.
بنك أبوظبي التجاري
وبنك أبوظبي التجاري يتوقع مزيداً من التراجع للجنيه المصري مشيرا إلى أن السياسة الأخيرة لمصر قد لا تكون كافية لجذب رؤوس الأموال الخاصة لحين تراجع التكدس المتراكم على طلب العملات الأجنبية وهو ما سيتطلب سيولة دولارية من غير الواضح حاليا من أين ستأتي.
بنك “إتش إس بي سي”
وكان بنك “إتش إس بي سي قد توقع أن يبقى الجنيه المصري عند مستوى يتراوح بين 30 و35 مقابل الدولار على المدى القصير، مشيرا إلى أن أسعار الفائدة قد ترتفع مع توقع ارتفاع التضخم إلى ما بعد ذلك عند 25% في الربع الأول من عام 2023.
مهمة صندوق النقد الدولي في مصر
في السابق، لم يكن التوجيه المكثف لسعر الصرف يعود بالنفع على مصر بشكل جيد. فقد أدى إلى فترات من تراكم الاختلالات، وهو ما أفضى بدوره إلى تراجع الأصول بالنقد الأجنبي لدى البنك المركزي والبنوك التجارية، وترشيد النقد الأجنبي، ودفع البنك المركزي إلى تخفيض قيمة الجنيه المصري فجأة مقابل العملات الأخرى. وأدت عمليات تخفيض سعر الصرف هذه إلى ارتفاعات حادة في معدل التضخم وأضعفت النشاط الاقتصادي مع فقدان المستهلكين والمستثمرين ثقتهم في سلامة أوضاع الاقتصاد المصري.
وبالتالي، فإن هدف السياسات في ظل البرنامج الذي يدعمه الصندوق هو تحديد قيمة الجنيه المصري على أساس حر أمام العملات الأخرى (أي إرساء نظام سعر صرف مرن)، الأمر الذي من شأنه تجنب تراكم اختلالات مزمنة في عرض العملات الأجنبية والطلب عليها في مصر ويحافظ على احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي. وفي ظل هذا الإطار، سنلاحظ تحرك سعر الصرف صعودا وهبوطا، حيث يرتفع أو ينخفض تماشيا مع الأوضاع الاقتصادية. وسوف تعود مرونة سعر الصرف بمنافع عديدة، وستساعد الاقتصاد المحلي في مصر على التكيف بسلاسة أكبر في مواجهة الصدمات الخارجية، وتدعم قدرة مؤسسات الأعمال المصرية على بيع سلعها وخدماتها في الخارج، وتشجع على المزيد من الاستثمار وذلك بالحد من احتمالات حدوث تغيرات مفاجئة كبيرة في سعر الصرف. وإضافة إلى ذلك، فسوف تساعد على الحفاظ على هوامش الأمان المالية لدى البنك المركزي.
تمثل الفجوة في التمويل الخارجي الفرق بين الحجم المتوقع لعرض التمويل بالنقد الأجنبي والطلب عليه، بما فيه الطلب على النقد الأجنبي لإعادة بناء احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي. وسوف يساعد الدعم المالي الذي يقدمه صندوق النقد الدولي في ظل البرنامج على سد جزء من الفجوة التمويلية. وإضافة إلى ذلك، فإن أحد الأهداف المهمة للبرنامج الذي يدعمه الصندوق هو تشجيع الشركاء الدوليين والثنائيين، وكذلك المستثمرين من القطاع الخاص، على تقديم الدعم المالي على نطاق أوسع. وبينما تواجه الأسواق المالية الدولية الخاصة أوضاعا صعبة عند هذا المنعطف على مستوى مجموعة كبيرة من الأسواق الصاعدة، ومنها مصر، يحظى البرنامج بدعم مالي دولي وإقليمي كافٍ. والأهم من ذلك، استطاعت مصر أن تحصل على تمويل جديد تبلغ قيمته نحو 5 مليارات دولار في السنة المالية 2022/2023 (السنة المالية الأولى للبرنامج)، ستحصل على ملياري دولار منها من خلال بيع أسهم في رأس مال شركات من القطاع العام، بما فيها عمليات بيع كجزء من استراتيجية السلطات بشأن الخصخصة، والتي ينفذها صندوق مصر السيادي. وذلك إضافة إلى تمديد ودائع دول مجلس التعاون الخليجي لدى البنك المركزي. وسوف يأتي المبلغ المتبقي بقيمة 3 مليارات دولار من دعم متعدد الأطراف.
إن حماية الاستقرار الاقتصادي الكلي ومكافحة التضخم مطلب ضروري لضمان تحقيق الرخاء لجميع المصريين، ولا سيما أضعف الفئات. وفي هذا الصدد، سوف تركز السياسة النقدية في ظل البرنامج على مكافحة التضخم والحد من تآكل القوى الشرائية الذي يقع تأثيره الأكبر على الأسر الفقيرة والأسر من الطبقة المتوسطة. وعلاوة على ذلك، تخطط السلطات لتوسيع نطاق الإنفاق الاجتماعي في ظل البرنامج لمساعدة أضعف الفئات. ومن المقرر اتخاذ عدد من التدابير التي تتضمن: (1) توسيع نطاق التحويلات النقدية في ظل برنامج تكافل وكرامة لتغطي خمسة ملايين أسرة إضافية، و(2) تعميم نظام التأمين الصحي الشامل واستمرار برنامج التطعيم ضد فيروسكوفيد-19، و(3) تقديم الدعم الطارئ لحملة بطاقات التموين والتوسع في اتخاذ تدابير لحماية القوة الشرائية للعاملين بأجور محدودة وأصحاب المعاشات، و(4) التوسع المقرر في السجل الاجتماعي الذي سيمكن السلطات من توجيه برامج الحماية الاجتماعية لمستحقيها على نحو أدق.
الأمر الذي يبعث على التفاؤل هو وجود حوار مستمر في مصر حول دور الدولة في الاقتصاد. وسياسات الإصلاح الهيكلي في ظل البرنامج ستدعم خطة السلطات لتقليص بصمة الدولة، وتعزز الشفافية والحوكمة في الشركات المملوكة للدولة، وتحقق تكافؤ الفرص أمام جميع الوكلاء الاقتصاديين (وذلك على سبيل المثال من خلال إلغاء المعاملة التفضيلية للشركات المملوكة للدولة)، وتحسين سبل تيسير التجارة. وتشكل سياسة ملكية الدولة خطوة أولى حاسمة على مسار هذا الإصلاح، حيث يتمثل هدفها الأساسي في بناء إطار واضح ينظم العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص عبر الأنشطة الاقتصادية المختلفة. ومن شأن هذا الإصلاح وغيره من الإصلاحات الهيكلية، مثل تعزيز سياسة المنافسة وتحسين العمليات المرتبطة بالتجارة، أن تعزز قدرة القطاع الخاص على المساهمة بشكل أفضل في النمو الاقتصادي في مصر والمساعدة على توفير فرص اقتصادية أمام الأعداد الكبيرة والمتزايدة من السكان في سن العمل في مصر.
إن البرنامج الذي يدعمه الصندوق يتضمن عددا من التدابير الرامية إلى التشجيع على زيادة شفافية المالية العامة. فالشفافية تساعد الحكومات في الحصول على صورة دقيقة عن مواردها المالية عندما تصنع قراراتها الاقتصادية، بما فيها التكاليف والمنافع الناشئة عن تغيير السياسات والمخاطر المحتملة على مواردها العامة. وكذلك تتيح شفافية المالية العامة للهيئات التشريعية والأسواق والجمهور المعلومات اللازمة لمساءلة الحكومات. ويمكن لزيادة شفافية المالية العامة أن تساعد أيضا في تعزيز مصداقية الخطط المالية للبلاد كما يمكن أن تساعد في تدعيم ثقة السوق وتصورات الأسواق لملاءة المالية العامة.
مصر إلى أين؟
تعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم ، وتأتي معظم واردات البلاد من القمح من روسيا وأوكرانيا ؛ لكن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا منذ 24 فبراير أدت إلى زيادة الأسعار الدولية للقمح. كما أعلنت مصر في يونيو الماضي أنها ستتلقى 500 مليون دولار كمساعدات مالية من البنك الدولي بسبب الضغوط المتزايدة على الأمن الغذائي للبلاد. وإضافة إلى القرض الجديد من صندوق النقد الدولي، وصل الدين الخارجي لمصر الآن إلى ما يقرب من 90٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتعهدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بـ "دعم فوري بقيمة 100 مليون يورو" لدعم الأمن الغذائي في مصر خلال زيارة إلى القاهرة في يونيو الماضي. كما أودعت السعودية 5 مليارات دولار نهاية مارس الماضي للمساعدة في زيادة احتياطيات البنك المركزي المصري. تعد مصر أكبر دولة في الوطن العربي، حيث يعيش ما يقرب من ثلث سكانها تحت خط الفقر الرسمي، وحسب الإحصاءات الرسمية يبلغ معدل التضخم حوالي 15٪.
ومع هبوط أسعار العملة المحلية واعتماد البلاد على الواردات ربما يشهد السوق المصري موجة غلاء شديدة قد تهدد الأمن الغذائي للكثير من السكان.