الوقت- إن النّاظر في تاريخ تونس الحديث يتبيّن أنّ المحاكمات السّياسيّة كانت وما زالت سيفا مسلطا على رقاب المعارضين وأصحاب الرّأي الآخر، المخالف للنّظام الحاكم. واليوم تتأكد مخاوف نقابة الصحفيين في تونس يوما بعد يوم، بشأن مستقبل الديمقراطية والحريات،حيث حذرت نقابة الصحفيين التونسيين، من خطورة المرسوم الرئاسي 54 على حرية التعبير والصحافة في ظل تحريك دعاوى قضائية ضد معارضين للسلطة التي يقودها الرئيس قيس سعيد منذ فرضه التدابير الاستثنائية في البلاد في 2021.
وقال نقيب الصحفيين المهدي الجلاصي، في مؤتمر صحفي لنقابة الصحفيين اليوم “نعيش في وضع سيء العنوان الأبرز فيه المرسوم عدد 54 لكن نبهنا الى هذا الوضع حتى قبل المرسوم، منذ بدء التدابير الاستثنائية”.
كان الرئيس التونسي قيس سعيد أصدر في أيلول/سبتمبر الماضي، مرسوما يتعلق بالجرائم المرتبطة بالاتصال وأنظمة المعلومات، يفرض عقوبات على مروجي الإشاعات والأخبار الكاذبة، في خطوة أثارت قلقا واسعا لدى الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وأشار الجلاصي إلى أن “المجتمع اليوم في حالة سراح مؤقت إلى ان يخضع لمرسوم ..54 والبلد يتحول شيئا فشيئا إلى سجن للرأي والأفكار والى محاكم تفتيش”.
وأكد نقيب الصحفيين في المؤتمر الصحفي “سنواصل النضال ضد المرسوم مع شركائنا في المجتمع المدني. وندرس الطعن في المرسوم أمام القضاء المحلي والدولي”.
وخضع الصحفي بموقع “بيزنس نيوز” نزار بهلول والمعارض السياسي العياشي الهمامي الى المساءلة القضائية وفقا للمرسوم ذاته.
حيث أحالت السلطات التونسية وزير حقوق الإنسان السابق العياشي الهمامي، وهو منسق هيئة الدفاع عن القضاة المعزولين، إلى التحقيق بتهمة "ترويج ونشر إشاعات كاذبة".
واعتبر الهمامي أن إحالته للتحقيق تندرج في إطار سياسة رئيس البلاد وحكومته في التعاطي مع المختلفين معه في الرأي، إضافة لمحاولة التغطية على ملف القضاة المعزولين، وفق تعبيره.
وفي مطلع يناير/كانون الثاني الجاري قال في تصريح إن وزيرة العدل ليلى جفال ظلمت القضاة المعفين من مهامهم وارتكبت جريمة عدم تنفيذ أحكام قضائية بإعادتهم إلى وظائفهم.
وخلال تجمع لقضاة ومحامين بتونس العاصمة أمس الثلاثاء، قال الهمامي إن المرسوم 54 خلق مناخا من الخوف لدى المواطنين والنشطاء.
وتابع الهمامي: "هو مرسوم فضيحة للسلطة الحالية يعاقب من يعبر عن رأيه بعشر سنوات سجن و100 ألف دينار (31 ألف دولار) غرامة مالية".
وأردف الهمامي: "نقف اليوم قضاة ومحامين جنبا إلى جنب وغايتنا ليست رفض المحاكمات وإنما احترام حقوق الإنسان وتحقيق المحاكمات العادلة".
واعتبر أن الرئيس سعيد "لم يعد له اليوم حلول لمشاكل تونس، وليس له إلا العصا الغليظة والإحالة على المحاكم".
كما اعتبر أن الرئيس التونسي "شارك في الفساد المالي لأنه صرف أجور 6 أشهر للقضاة المعفين، بينما يتهمهم بالفساد والإرهاب والتآمر".
كما شملت المحاكمات السّياسيّة أيضا مناضلين من حزب العمّال التّونسي، وزّعوا مناشير تضمّنت تنديدا بغلاء الأسعار. وجرى توجيه دعوات إلى سياسيين وحقوقيين (غازي الشّواشي، نجيب الشابي، منصف المرزوقي)، وغيرهم للمثول أمام القضاء. وذلك على خلفيّة نقدهم سياسات النّظام الحاكم. وتمّت محاكمة مواطن بسبب قصيدة، وأحيل غيْره على التّحقيق بسبب نقده أداء رئيسة الحكومة، فيما تمّ إيقاف آخرين على خلفيّة تدويناتٍ نشروها على شبكات التّواصل الاجتماعي. وتكون التّهم غالبا بعنوان "ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الجمهوريّة"، أو"نشر إشاعات كاذبة" بغرض 'التّطاول على رموز الدّولة'، أو "الإساءة إلى موظّف عمومي". وبناء على المرسوم 54 الذي فرض قيودا كثيرة على حريّة التّعبير. ومع أنّ التّشهير برئيس الجمهوريّة أو غيره من المواطنين فعل مدان، فإنّ الإشكال ماثلٌ في عبارة "التّطاول على رموز الدّولة" التّي تبدو ضبابيّة فضفاضة، وجرى تمطيطها أحيانا لتشمل تجريم الرّأي النّاقد للنّظام الحاكم. وهو ما يعدّ تقييدا لحريّة التّعبير.
وأصدرت 35 منظمة حقوقية في وقت سابق من بينها نقابة الصحفيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، بيانا مشتركا طالبت فيه بسحب المرسوم بسبب “خطورته” على حرية التعبير والحريات العامة والفردية.
وتتهم المعارضة السلطة باستخدام القضاء والمرسوم الرئاسي لتوجيه تهم ملفقة الى خصومها من معارضي الرئيس التونسي قيس سعيد.
وتعهد الرئيس قيس سعيد، منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 25تموز/يوليو عام 2021 بحماية حرية الصحافة لكن تواتر القضايا ضد الصحفيين والمدونين أثار انتقادات ومخاوف من ضرب المكسب الرئيسي من الثورة التي أطاحت بالحكم الاستبدادي للراحل زين العابدين بن علي في ٢٠١١.
يظن التّونسيون بعد الثّورة أنّهم ودّعوا إلى غير رجعة زمن المحاكمات السّياسيّة. ومع وصول الرئيس قيس سعيّد إلى الحكم (2019)، واعتبر كثيرون أنّ الرّجل ضامن لاحترام حقوق الإنسان، نظرا إلى خلفيّته القانونيّة، ووعده النّاس بالمحافظة على مكاسب الثّورة. كما صرّح مرارا بأنّ "المسّ بحريّة التّعبير خطّ أحمر"، وأنّ "العودة إلى مربّع الاستبداد أمر محال". لكنّ المتابع للشأن التّونسي منذ قيام ما يعرف بمسار 25/7/2021 يلحظ تواتر إحالة معارضين على القضاء، على خلفيّة مواقفهم السّياسيّة وتوجّهاتهم الحزبيّة وأنشطتهم الاحتجاجيّة.