الوقت - يعتبر "مأمول العمر"، أو بتعبير أدق، "متوسط العمر المتوقع" أحد المؤشرات لقياس تقدم أو تخلف البلدان، والتي لها علاقة مباشرة بالظروف المعيشية لأفراد المجتمع، وخاصةً في مجال الصحة والعلاج، وقد انخفض هذا المؤشر في السنوات الماضية في أمريكا.
حيث إن "المركز الوطني للإحصاءات الصحية" التابع لـ "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" التابع للحكومة الأمريكية، وفي تقرير نشر في أغسطس من العام الماضي(2022) بعنوان "تقديرات مؤقتة لمتوسط العمر المتوقع لعام 2021"، اعترف أن عام 2021 كان العام الثاني على التوالي الذي يشهد فيه متوسط العمر المتوقع في الولايات المتحدة انخفاضًا كبيرًا.
وحسب إحصائيات هذا التقرير، انخفض متوسط العمر المتوقع في أمريكا بمقدار 1.8 عام بين عامي 2019 و 2020، ووصل إلى 77 عامًا من 78.8 عامًا. وانخفض هذا الرقم بمقدار 0.6 سنة أخرى على الأقل، ووصل إلى 76.4 سنة في عام 2021.
وهذا الانخفاض من عام 2019 إلى عام 2021، هو أكبر انخفاض في متوسط العمر المتوقع في الولايات المتحدة منذ الفترة نفسها بين عامي 1921 و 1923، أي قبل حوالي قرن من الزمان. ونتيجةً لهذا الانخفاض، عاد متوسط العمر المتوقع في الولايات المتحدة الآن إلى المستوى نفسه الذي كان عليه في عام 1996.
يعتقد الخبراء أن أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض متوسط العمر المتوقع للأمريكيين منذ عام 2019، هو جائحة كوفيد -19. إن 74٪ (حوالي ثلاثة أرباع) من الانخفاض في متوسط العمر المتوقع بين عامي 2019 و 2020، و 50٪ من الانخفاض في متوسط العمر المتوقع للأمريكيين بين عامي 2020 و 2021، كان نتيجة الانتشار الواسع لفيروس كورونا والوفيات الناجمة عنه في الولايات المتحدة.
الولايات المتحدة التي كانت أول دولة تكشف النقاب عن لقاح كوفيد -19، وحتى كتابة هذا التقرير، كان هناك أكثر من 103 ملايين مصاب بهذا المرض، وأكثر من مليون (1،120،804) حالة وفاة بسبب كوفيد -19 في هذا البلد.
وفي هذا الصدد، كتب مركز "مجلس العلاقات الخارجية" الأمريكي للأبحاث: "على الرغم من أن الولايات المتحدة هي واحدة من أكثر الدول إنفاقًا في مجال العلاج، إلا أنها تتخلف كثيرًا عن نظيراتها من حيث متوسط العمر المتوقع. هذا البلد يقع في النصف السفلي من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تتكون من عشرات البلدان ذات الدخل المرتفع في الغالب."
مع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 63،028 دولارًا، تحتل الولايات المتحدة، بمتوسط عمر متوقع 77 عامًا، المرتبة المماثلة لسلوفاكيا، التي يبلغ نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي 19267 دولارًا فقط.
هذا في حين أن العديد من البلدان، من كوستاريكا (التي يبلغ نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي أقل من 12.5 ألف دولار)، و تشيلي (أقل من 13.5 ألف دولار)، إلى إستونيا (حوالي 23 ألف دولار) وسلوفينيا (أقل من 25.5 ألف دولار)، على الرغم من انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيها عن الولايات المتحدة، إلا أنها جميعًا تحتل مرتبةً أعلى من هذا البلد في مخطط العمر المتوقع.
من بين أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن البلدين اللذين لديهما نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قريباً من الولايات المتحدة، هما الدنمارك (حوالي 61000 دولار) والنرويج (أقل من 67500 دولار)، ويبلغ متوسط العمر المتوقع لمواطنيهما 81.6 سنة و 83.3 سنة على التوالي.
وتجدر الإشارة إلى أنه من بين أعضاء هذه المنظمة، فإن أعلى متوسط عمر متوقع والذي يبلغ 84.7 سنة هو لليابان، التي يبلغ نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي 39918 دولارًا.
إضافة إلى ذلك، كتب معهد الفكر التابع لمجلس العلاقات الخارجية نقلاً عن البحوث التي تم إجراؤها: "بينما يتعلم العالم كيفية مكافحة كوفيد -19 بشكل أفضل، على عكس الولايات المتحدة، بدأت البلدان الأخرى ذات الدخل المرتفع في تعويض انخفاض معدلات متوسط العمر المتوقع. والبلدان التي حققت نجاحًا كبيرًا في مجال التطعيم، ولديها رغبة عامة أكبر في تبني تدابير وقائية أخرى، كان أداؤها أفضل بشكل عام في هذا المجال. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة طورت العديد من اللقاحات المتطورة لـ كوفيد -19 ووفرت إمدادات كبيرة منها، من حيث نسبة الأشخاص الذين تم تطعيمهم بالكامل ضد هذا المرض، فإن الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأدنى بين أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية".
على الرغم من أن الانخفاض في متوسط العمر المتوقع في السنوات الأخيرة في أمريكا يمكن أن يُعزى بسهولة إلى كوفيد -19، والأرقام تثبت هذه النظرية بشكل أو بآخر (يوجد في أمريكا حتى الآن أكبر عدد من الوفيات الناجمة عن كوفيد -19 في العالم، مع أكثر من مليون حالة وفاة)، لكن معهد الفكر التابع لمجلس العلاقات الخارجية يذكر أن انخفاض متوسط العمر المتوقع في الولايات المتحدة لا يقتصر علی العامين الماضيين، ولا يرجع فقط إلى انتشار كورونا، بل في الواقع بدأ في عام 2015، و"الأسباب الرئيسية هي انتشار الأدوية ومن ثم وباء كوفيد -19".
ويشير مركز الأبحاث هذا، مستشهداً بتقرير المركز الوطني للإحصاءات الصحية، إلى أن الزيادة في الوفيات في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، إضافة إلى كوفيد -19، كانت نتيجةً لزيادة "الموت غير المرغوب فيه"(مقابل القتل والانتحار) وأمراض القلب والسمنة ومرض السكري؛ على الرغم من أن كوفيد -19 قد أدى إلى تفاقم هذه العوامل.
على سبيل المثال، تكثف استخدام المخدرات في الولايات المتحدة نتيجةً لتفشي كوفيد -19. كما تسببت الأمراض المزمنة مثل مرض السكري، إضافة إلى مشاكل البنية التحتية في نظام الصحة والعلاج الأمريكي، في تسبب كوفيد -19 في وقوع المزيد من الضحايا بين المواطنين الأمريكيين أكثر من أي دولة أخرى.
کما تعتبر الجرعة الزائدة من المخدرات، السبب الرئيسي لزيادة "الموت غير المرغوب فيه" في أمريكا. وتظهر أحدث الإحصاءات من المركز الوطني للإحصاءات الصحية، أن أكثر من 109 آلاف شخص في الولايات المتحدة ماتوا بسبب جرعات زائدة من المخدرات في فترة عام واحد تنتهي في مايو 2022. ويجب إضافة الزيادة في حالات الانتحار وأمراض الكبد الناتجة عن استهلاك الكحول، إلى هذه العوامل أيضًا.
ومع ذلك، هناك عوامل أخرى تساهم في انخفاض متوسط العمر المتوقع للأمريكيين. وبطبيعة الحال، فإن أحد عوامل انخفاض هذا المؤشر هو وفاة الأمريكيين في أعمار أقل بكثير من العمر الطبيعي، وحتى متوسط العمر المتوقع في هذا البلد.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2020، أصبح إطلاق النار هو السبب الأول لوفاة الأطفال في الولايات المتحدة، متجاوزاً حوادث السيارات.
وبين عامي 2019 و 2020، زاد عدد الوفيات بالأسلحة النارية في الولايات المتحدة بمعدل 13.5٪؛ بينما كانت هذه الزيادة 30٪ للفئة العمرية من 1 إلى 19 سنة. وفي عام 2022 فقط، مات ما يزيد قليلاً على ستة آلاف طفل تحت سن السابعة عشر نتيجةً للعنف المسلح في الولايات المتحدة.