الوقت- استخدمت الصحف ووسائل الإعلام الدولية مرة أخرى كلمة "غسيل رياضي" للسعودية وعلقت على انتقال اللاعب البرتغالي "كريستيانو رونالدو" إلى نادي النصر السعودي في صفقة تجاوزت قيمتها 200 مليون يورو (214.04 مليون دولار). وفي هذا الصدد كتبت صحيفة "الجارديان" أن استخدام أدوات الغسيل الرياضية في السعودية زاد بشكل ملحوظ. وربطت هذه الصحيفة زيادة الإعدامات في السعودية مع انضمام "رونالدو" إلى نادي النصر وقالت إن السعودية كشفت عن هذه الصفقة نهاية العام، عندما تم إعدام ما لا يقل عن 147 شخصًا وفقًا لإحصاءات المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان.
وحسب صحيفة الجارديان، اشترى السعوديون أحد أبرز الشخصيات في العالم، وما يهم أكثر من تسجيل الأهداف في المباريات هو غسل الرياضة التي تمارسها السعودية. بدورها ردت رويترز على صورة وصول رونالدو إلى الرياض ولافتات الترحيب الكبيرة في الشوارع والصفقة التي تجاوزت حاجز 214 مليون دولار ، فكتبت: "كل ما يحدث سيوجه أصابع الاتهام مرة أخرى للسعودية. تنتهك السعودية الرياضة لتغطية قضايا حقوقية مثل الإعدام". كما كشفت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن توقيع العقد بين نادي النصر السعودي وكريستيانو رونالدو، يأتي في إطار استخدام غسل الأموال الرياضية.
وأكدت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن تصريحات وزير الرياضة السعودي تؤكد أن حكومة هذا البلد لها علاقة مباشرة بهذا العقد وغيره من العقود المماثلة التي ستوقع في المستقبل. وحسب هذا التقرير فإن العقد مع رونالدو هو أكبر خطوة اتخذتها السلطات السعودية في سياق تحسين أوضاعها المالية من خلال الرياضة، والتي بذلت الكثير من الجهد في هذا المجال في السنوات الأخيرة وأنفقت مبالغ ضخمة في هذا الميدان.
كما كشفت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن العقد مع رونالدو والإجراءات السابقة مثل شراء نادي نيوكاسل وإقامة الأحداث الرياضية الكبرى، أصبح عملية رسمية للتغطية على الانتهاكات والجرائم التي يقودها رسميًا محمد بن سلمان. وأفادت وكالة فرانس برس، يوم الثلاثاء الماضي، أن المملكة العربية السعودية تستثمر ملايين الدولارات في تنظيم أحداث رياضية دولية لتحسين صورتها المحافظة في العالم. واستعرضت وكالة الأنباء هذه أهم تصرفات المملكة العربية السعودية لتصبح لاعباً رئيسياً في الرياضة، وكتبت: "في أكتوبر الماضي، تم اختيار المملكة العربية السعودية لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029. وبعد خمس سنوات، ستستضيف الرياض دورة الألعاب الآسيوية 2034."
وأكد وزير الرياضة السعودي عبد العزيز بن تركي الفيصل، في مقابلة مع فرانس برس في أغسطس الماضي، أن استضافة الألعاب الأولمبية "هدف" للرياض. وفي عام 2021، استضافت المملكة العربية السعودية بطولة العالم للفورمولا 1 للمرة الأولى في مدينة جدة الساحلية. وفي أكتوبر 2021، اشترى تحالف تجاري مدعوم من السعودية نادي نيوكاسل الإنجليزي، في خطوة أثارت احتفالات صاخبة من المشجعين، الذين لوح بعضهم بالأعلام السعودية أمام سانت جيمس بارك في إنجلترا.
وستستضيف السعودية كأس آسيا 2027 وتأمل في استضافة كأس آسيا للسيدات عام 2026. وتجري الدولة حاليًا محادثات مع مصر واليونان لمحاولة تقديم عرض مشترك لاستضافة كأس العالم 2030. وتأثرت لعبة الجولف المحترفة بصعود LIV Golf، وهو دوري انفصالي تموله السعودية لاستقطاب النجوم من جولة PGA الأمريكية بجوائز مذهلة قدرها 25 مليون دولار لكل بطولة.
وفي أغسطس الماضي، استضافت المملكة العربية السعودية بطولة العالم للوزن الثقيل في الملاكمة بين أولكسندر أوسيك من أوكرانيا وأنتوني جوشوا من إنجلترا. وانطلق "رالي دكار" في 31 ديسمبر للمرة الرابعة من السعودية وأقيم في هذا البلد عام 2020. كما اتفقت شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو مع الاتحاد على رعاية عدد من بطولات الكريكيت الكبرى حول العالم.
كما أدت الصفقة الرياضية الأخيرة التي أبرمتها المملكة العربية السعودية إلى انتقادات محلية. وفي هذا الصدد، انتقد الناشط الإعلامي السعودي سعيد بن ناصر الغامدي نادي النصر في تغريدة واعترض على رواتب رونالدو الباهظة. ومن جانبه كتب ناشط إعلامي: "هل تعطي 800 مليون 5 سيارات ومتاجر وبرك سباحة للاعب؟ فماذا سيحدث للفقراء والمشردات وضحايا فيضان جدة والعاطلين عن العمل؟". وكتبت "تركيا الشلهوب" على تويتر: "محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ينفق ملايين الدولارات على العقد مع رونالدو لتحسين صورته، بينما يغرق المواطنون في جدة في الدمار والفيضانات".
ولقد وقع العقد الفلكي السعودي مع رونالدو فيما يعاني الشعب السعودي من قمع غير مسبوق لآل سعود في مختلف المجالات. هذا بينما في ظل صمت الدوائر المحلية الرسمية للمملكة العربية السعودية، يمكن للإحصاءات والتقارير الدولية أن تظهر الوضع الاقتصادي المعقد لعامة الناس في هذا البلد إلى حد ما. ويريد محمد بن سلمان تحسين صورة الرياض على المستوى العالمي، وبالتالي يستخدم الأحداث الرياضية في السعودية والرياضة كأداة لهذا الغرض.
وفي السنوات الأخيرة، أنفقت السعودية مبالغ طائلة لتحسين صورتها دوليًا، مثل رعاية بطولة دولية جديدة للجولف، واستقطاب نجوم كبار للمشاركة، من بينهم فيل ميكلسون، وكذلك شراء نادي نيوكاسل. ويعد استخدام الرياضة لتحسين الصورة والمصداقية عنصرًا أساسيًا للرياض لأنها تهدف إلى صرف الانتباه عن انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة، وإساءة معاملة المرأة، وعدم التسامح مع المعارضين السياسيين، والعقوبات الوحشية. ومع ذلك، في مارس من هذا العام، قُتل 81 شخصًا، معظمهم من الأقلية الشيعية وتعرضوا لاضطهاد واسع النطاق، في عمليات إعدام جماعية.
وحسب تقرير منظمات حقوقية عام 2022، كان محمد بن سلمان مسؤولاً عن الواقع المؤلم لانتهاكات حقوق الإنسان في السعودية. ولقد أظهر في السنوات الماضية عداءً شديدًا تجاه أبسط مبادئ حقوق الإنسان. وازداد حجم القمع في السعودية عام 2022 بسبب حكم محمد بن سلمان. ونفذت هذه الدولة أكبر عملية إعدام جماعي ولا يزال عشرات الأشخاص ينتظرون الإعدام بعضهم مراهقون وبعضهم ليس لديه تهم خطيرة.
في العام الماضي، أنفقت الحكومة السعودية ما لا يقل عن مليار ونصف المليار دولار على الأحداث الرياضية المهمة. وتعرضت هذه القضية لانتقادات من قبل نشطاء ومنظمات حقوقية، الذين يعتبرونها مثالاً على "الغسيل" الذي تم من أجل تنظيف وجه هذا النظام. وبالطبع، فقد تم استخدام مصطلح "غسيل" مؤخرًا، حيث تمت صياغته وفقًا لمفاهيم مثل "غسيل الأموال". وبهذا المعنى، تسعى المنظمات والحكومات والمؤسسات إلى تحقيق أهدافها السياسية والثقافية والاستراتيجية من خلال الاستفادة من القدرات الرياضية. ويمكن أيضًا رؤية مثال على هذا المفهوم في الرياضة، وخاصة كرة القدم، حيث تنشغل دول الخليج الفارسي وتنفق أموالًا كبيرة. كما قام السعوديون وولي العهد الشاب لهذا البلد في السنوات الماضية بعدة أنشطة للاستثمار في مجال الرياضة، مثل شراء أسهم بعض أندية كرة القدم الأوروبية مثل نيوكاسل وإنتر ميلان، وكذلك استضافة بعض المسابقات الرياضية العالمية بما في ذلك النهائيات. وتأتي الألعاب العالمية للملاكمة ضمن جهود السعوديين لإزالة الغبار عن وجوههم من خلال الرياضة.
ينتهج النظام السعودي اللجوء إلى الغسيل الرياضي بهدف التغطية على الانتهاكات وتلميع الصورة في ظل سجله الحقوقي الأسود. وتكثف اللجوء إلى هذا الأسلوب في عهد ولي العهد محمد بن سلمان الذي دفع المليارات بغرض الحصول على المصداقية والشرعية الدولية. ومؤخرا عرضت السلطات السعودية على لاعبَي الملاكمة الرياضي “أنتوني جوشوا” و “تايسون فيوري” 100 مليون جنيه إسترليني للمشاركة في نزال رياضي. ووجهت خديجة جنكيز خطيبة الصحفي الراحل “جمال خاشقجي” نداء عاجلاً لهما كي لا يقبلا بعرض مالي بقيمة نحو 100 مليون جنيه إسترليني.
ويحاول النظام السعودي الحصول على سمعة ومصداقية دولية، عبر شراء صدى إعلامي واسع مهما كان الثمن، ودفع مبالغ فلكية لذلك. إذ أنفق النظام السعودي ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار على الأقل في الأحداث الرياضية الدولية البارزة في محاولة لتعزيز سمعته وتبيض جرائم ولي عهدها. ومليارات الدولارات كانت المملكة غنية عن إنفاقها لو لم يرتكب الحاكم الطائش جرائمه البشعة بحق الشعب السعودي والمعارضين منه.