الوقت_ يستمر الغضبٌ الشعبيّ في لبنان وخاصة في جنوب لبنان، بعد بث قناة “الجديد” اللبنانيّة المعروفة عربيّاً، مشهداً ساخراً ضمن برنامج “فشة خلق” رأى فيه البعض إهانة غير موصوفة وإساءة كبرى لأمهات ونساء الجنوب، حيث ورد في تلك الحلقة على لسان الممثلة جوانا كركي إساءات غير مسبوقة بحق أهالي الجنوب ونسائه، وعلى الرغم من محاولات القناة تخفيف السخط الشعبيّ عقب التوضيحات التي أوردتها عن اجتزاء واقتطاع المشهد بالكامل حول العلاقة مع قوات “اليونيفيل”، إلا أنّ الغضب الجماهيريّ كان أكبر بكثير وقد تصاعد في الساعات الأخيرة النبرة ضد “الجديد” فيما شنّ ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعيّ حملة ضدها للدفاع عن كرامة لبنان وشعبها.
تطورت الأحداث بشكل متسارع في لبنان، عقب الإساءة التي قامت بها "الجديد" بحق مكون لبنانيّ، وفي ذلك الإطار أقدم مجهولون مؤخراً على إلقاء قنبلة مولوتوف على مبنى الوسيلة الإعلاميّة، وقد وثقت كاميرات المراقبة الحادث، وفي التفاصيل، قام الفاعل بإشعال الزجاجة الحارقة ورميها إلا أنها انطفأت قبل اصطدامها بالمبنى، لتباشر القوى الأمنية تحقيقاتها لملاحقة الفاعلين، وقد تسبّب المقطع التمثيلي الساخر بحملة شرسة على القناة وعلى معدّته الإعلامية داليا أحمد والممثلة جوانا كركي بدور “بتول”، على خلفية مقتل الجندي الأيرلندي: “إجوا لعنّا عالجنوب، جوّزناهم من بناتنا، وأخدنا من بناتهم، وإسّى الواحد يحكي تلاتة ارباع أهالي الجنوب عيونن خضر وزرق وشعرهم أشقر، منّك عارفة الطليان فاتوا علينا والإنكليز فاتوا فينا ليش تالواحد يحكي".
وفي هذا الخصوص، استنكر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، “حملة الافتراء والتضليل وتشويه السمعة التي تستهدف الطائفة الإسلامية الشيعية ومعتقداتها والمقاومة وبيئتها الحاضنة تحت ستار برامج ساخرة أو غير ذلك، خدمة للمشروع الصهيوني بإخفاقاته وخيباته في المنطقة بفعل صمود وثبات المقاومة وشعبها”، بعد مضي أيام على الحلقة التي أثارت غضب الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً من أبناء الطائفة الشيعية الذين اعتبروا “السكتش” مهيناً بحق أمهات وأخوات الجنوب، وكانت لهم تعليقات قاسية ومسيئة بحق القناة ومعدّة البرنامج والممثلة ومدير القناة.
واعتبر المجلس أن الذين يتسترون وراء شعار حرية الكلمة والإعلام ليسيئوا لكرامات الناس وأعراضهم، إنما يعبّرون عن أنفسهم وثقافاتهم الهابطة والبذيئة ويسيئون للإعلام الملتزم الذي يحمل رسالة عنوانها لغة الشرف والكرامة، بعد يومين على حديث نجل أمين عام “حزب الله” جواد حسن نصر الله، في تعليق على المشهد الذي اعتبره البعض “مزحة”، كتب: “المشكل إنو نحن مزحنا تقيل، إذا صارت مزحة القصة”، وختم بهاشتاغ: “الموظفة السميكة"، ودخلت مديرة الأخبار مريم البسام على الخط، رداً على التعليقات المسيئة، وغرّدت: “معظم اللي عم يعترضوا على بتول بـ “فشة خلق” عم بيكبوا بذات الوقت حرام وقواص أخلاقي ما إلو دين. عم تشكي من بتول! ليش تتفوّق عليها؟”، ولم توفّر البسام نجلَ نصر الله من الرد، فكتبت: “متفقين معك إنو المزحة تقيلة، بس إنت يا مواطن يللي عم تحكي جد مش مزح! شو وضعك لمّن تتهم وتفتن بدل ما تكون محضر خير؟”، وأضافت: “كل عمره السيّد.. سيد بالميدان والكلام والموقف والتحدي الحق… بس الله ما أعطاه ورثة، لا بل ابتلاه يا جواد”.
بعدها، أطلّت الممثلة جوانا كركي عبر أخبار “الجديد” وأوضحت أن المشهد تمّ اجتزاؤه، وأنها تتقمّص شخصيات عديدة، ولا تقبل المزايدة عليها كفتاة شيعية، فيما أكدت القناة على “دور المرأة الجنوبية ونضالاتها وعدم وجود أي نية بالإساءة”، وعلّق “المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع” على ما حصل ببيان جاء فيه: “في هذه الظروف الصعبة والاستثنائية، وانقطاع الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري، ولمواكبة الأعياد والأيام الفضيلة، حدث التباس إعلامي، فيه خدش لحياء المرأة والأمومة الجنوبية من جانب امرأة جنوبية من أهل البيت كما يقال، أورث هذا الأمر فوضى وردود فعل على مواقع التواصل الاجتماعي، التي اعتبرت ذلك إساءة للمرأة الجنوبية، أدت إلى توتير الأجواء، وهذا ليس في صالح الوطن ولا اللبنانيين”.
إضافة إلى ذلك، أجرى المجلس الوطني للاعلام اللبناني “اتصالات بمختلف الأطراف، ولمَسَ تفهماً من قناة “الجديد”، واستجابة لمقام المرأة الجنوبية وخصوصيتها، كامرأة ساهمت في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي”، كما ورد في البيان الذي توجّه “لكل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية، للتحلّي بالوعي المجتمعي، الذي يجعلنا قادرين على وأد الفتنة وإنهاء النزاعات وإطفاء الحرائق، بما يحقق الأمن والأمان لكل اللبنانيين”.
كذلك، وصف نائب “حزب الله” إبراهيم الموسوي، الذي يشغل منصب رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، إسكتش الجديد بـ “المهين بحق أمهاتنا وأخواتنا في الجنوب وكل لبنان”، وقال: “بدل أن تبادر القناة المذكورة والقيّمون عليها إلى احتواء الموقف والمبادرة إلى الاعتراف بالخطأ، بل بالخطيئة الجسيمة التي أقدمت عليها، والاعتذار الصريح العلني والواضح من فعلتها الآثمة، فإنها انخرطت في السجال، مراكمةً المزيد من الشحن السلبي والتطاول المستمر، والذي أصاب مرة أخرى مقدساً آخر هو آيات القرآن الكريم، على طريقة بدل ما تكحلها أعمتها”.
واعتبر نائب حزب الله أن “ما اقترفته قناة الجديد هو فعلة شنيعة جداً، باطلة وظالمة، وهو بهتان مبين بحق أمهاتنا وأخواتنا، وإهانة موصوفة تطال المجتمع اللبناني، وكل صاحب كرامة وشرف ومروءة، لأن الجنوبيات أمهات وزوجات وأخوات تجسدن قيمة عالية غالية تساوي كرامتنا الأخلاقية والإنسانية جميعاً، هؤلاء النسوة اللواتي يمثلن بحق منظومة أخلاقية متكاملة في الجهاد والصبر والتضحية والشرف والوفاء”.
ومن الجدير بالذكر أن قناة “الجديد” في نشرتها الإخبارية، انتقدت البيانات والمواقف التي صدرت في حقها، واستهجنت قيام نائب حزب الله، حسن عز الدين “بتجييش كل المعنيين من القوى الروحيةِ والسياسية والأجهزة الأمنية والقضائية لإجراء المقتضى بحق “الجديد” لتكون عبرةً لغيرها من القنوات”، وقالت: “الأبعد خطراً من العبرة ما تضمنه بيان المجلسِ الإسلامي الشيعي الأعلى من ربط ِبرنامج تلفزيوني ساخر بخدمة ِالمشروع الصهيوني ودعوته لطرد من وصفهم بلصوص الإعلام من الهيكل الإعلامي.
وعلى هذا الأساس، لم توفّر القناة المحامية بشرى الخليل بقولها: “من بين التوترات الواردة خرجت محامية صدام حسين وهنيبعل القذافي إلى جبهة الدفاع وانضمت بشرى الخليل إلى الحملة المنظمة ضد “الجديد”، فأهدرت بدورها أصلَ أصحابِ المحطة والعاملين فيها ونالت من لايكات الإعجاب أصواتاً لو أخذتها في صندوق الانتخاب ومن البيئة نفسِها لكانت اليوم في عدادِ مجلس النواب “، مضيفة: “تخوض الخليل حملتَها الشعبوية على ظهر “الجديد” وهذا ما لن تسمح به المحطة… كما أنها ترفض أيضاً أن يمر من أبوابها الإعلامية مشروع فتنة للبلد لأننا لا نمتهن الا سلاح القلم والكلام الحر ولن نكون حمّالي الحطب، وإذا كان هناك من يبحث عن ممر عبور لهذه الفتنة فهو حكماً مقطوع الطريق من هذه القناة التي تجيّر صوتَها لقضايا الحق نساء ورجالاً.. لبنانيات من كل البلد وجنوبيات من نبض البلد”.
في الختام، من المؤسف الإساءة لأي مكّون أو طائفة أو مذهب أو قداسة تحت مسمى "حرية الإعلام" مهما يكن، حيث إنّ الجمل الفضفاضة تلك دمرت دولاً بعينها طائفيّاً وعرقيّاً ومذهبيّاً، وإنّ منطقتنا العامرة بالخيبات والحروب المختلفة لا ينقصها المزيد، كما أنّ على "قناة الجديد" العودة إلى الخط الممانع الذي سلكته في السابق، بدل تسخير إساءتها لجزء من اللبنانيين.