الوقت -لاتزال الساحة الداخلية الإسرائيلية تنشغل بمضمون وشكل المكالمة الهاتفية التي أجراها رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الاسرائيلي أفيف كوخافي مع رئيس الحكومة الجديد بنيامين نتنياهو، يوم الخميس الماضي، وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية جوانب عدة من تفاصيل الاتصال والتعليقات عليه.
ونقل موقع "والاه" الإسرائيلي عن مصدر مطلع، تفاصيل بشأن هذه المكالمة، ذكرت أنّ "كوخافي هو الذي بادر إلى إجراء المكالمة الهاتفية، حيث أعرب لنتنياهو عن قلقه العميق من التطاول على "الجيش الإسرائيلي" ومن المسّ بعناصره". وعصفت الخلافات بين كوخافي ونتنياهو، خلال هذا الاتصالٍ الهاتفي النادر بينهما.
ووبّخ كوخافي نتنياهو بسبب نقل صلاحيات من وزارة الأمن والجيش إلى تيار الصهيونية الدينية، المتمثل بزعيمي حزبي الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش، والقوة اليهودية إيتمار بن غفير.
ويُعَدّ الاتصال، الذي بادر إليه كوخافي، نادراً، لأنّه جرى العرف في كيان الاحتلال ألّا يتواصل رئيس أركان “الجيش” والمسؤولون في المؤسسة العسكرية مع السياسيين، أو مع رئيس حكومة مكلّف، قبل أن تصبح حكومته نافذة.
وطالب كوخافي نتنياهو بالاستماع إلى موقف القيادات الأمنية والمسؤولين في الجيش قبل اتخاذ أي قرارات ذات صلة. وعبّر كوخافي عن “قلقه العميق” من الهجمات التي شنّها سياسيون في معسكر نتنياهو على ضباط جيش الاحتلال.
وأكدت مصادر عسكرية في تل أبيب أن هذه المحادثة الهاتفية لم تكن مجرد تسجيل موقف، بل هي مظهر من عدة مظاهر تململ داخل المؤسسة العسكرية الأمنية ضد الاتفاقيات الائتلافية.
وحسب الاتفاقات الائتلافية، ستُنقل المسؤولية عن “وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية، في المناطق” المحتلة و”الإدارة المدنية” للاحتلال في الضفة الغربية، إلى وزير في وزارة الأمن يعيّن من جانب “الصهيونية الدينية”، في حين ستنقل قوات حرس الحدود في الضفة الغربية من قيادة “الجيش” إلى قيادة وزارة الأمن القومي.
وقبل أيام، أشعل مقترح قانون ضمن الاتفاقات الائتلافية بين الكتل، التي ستُشكّل حكومة الاحتلال المرتقبة، سجالاً في “الجيش” الإسرائيلي، من شأنه أن يؤجج ما وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بـ “ثورة” داخل المؤسسة العسكرية.
وكشف معلق الشؤون العسكرية في القناة 13، أور هيلر، أنّ "المكالمة لم تكن لطيفة"، لافتاً إلى أن رئيس الأركان "كان متوتراً، وسأل نتنياهو عن سبب امتناعه عن دعم "الجيش الإسرائيلي"، وطلب منه "عدم اتخاذ أيّ قرار أو تشريع يتعلق بـ"الجيش الإسرائيلي" وصلاحياته قبل الاستماع الى الموقف المهني للجيش".
وخلال المكالمة، قال كوخافي لنتنياهو، وفقاً لمعلق الشؤون السياسية في القناة 12 يارون أبراهام، إنّ "التغييرات التي تمّ الاتفاق عليها تحطّم تسلسل القيادة وتلحق ضرراً بسيادة قائد المنطقة الوسطى وبمسؤولية "الجيش الإسرائيلي" على مناطق الضفة الغربية".
ورأى أبراهام أنّ كوخافي "كان يقصد مسألتي تعيين منسّق أنشطة الحكومة في (المناطق الفلسطينية المحتلة)، وصلاحيات رئيس حزب "قوة يهودية"، وزير الأمن القومي المقبل إيتمار بن غفير، على سرايا حرس الحدود".
وحسب محلّل الشؤون العسكرية في صحيفة يديعوت أحرونوت يوسي يهوشع، طلب كوخافي من نتنياهو "الحصول على توضيحات تتعلق بصلاحيات أُخذت من "الجيش الإسرائيلي"، وأُعطيت لابن غفير وسموتريتش"، كما طلب منه أيضاً "تصريحاً علنياً بشأن هذا الموضوع".
وأشار يهوشع إلى أنّ كوخافي "حصل على موافقة رئيس الحكومة الحالية، يائير لابيد، ووزير الأمن، بني غانتس، قبل إجراء المكالمة مع نتنياهو".
وأضاف إنّ المكالمة "لم تكن للتهدئة، بل كانت استثنائية، بعد أن بادر إليها كوخافي، ورسم خلالها خطاً أحمرَ واضحاً أمام نتنياهو"، مذكراً بأنّ "كوخافي، الذي لم يتبقّ له إلا 3 أسابيع فقط كي يتسرّح، قرر ألا يسكت بعد أن رأى بن غفير وسموتريتش يحاولان، خطوة تلو أخرى، أخذ أجزاء من الجيش الذي يرأسه".
ولفت يهوشع إلى أنّ "كوخافي كان بإمكانه أن يترك لخلفه، هرتسي هاليفي، مهمة التعامل مع حكومة جديدة، تسعى لتغيير علاقات "الجيش الإسرائيلي" مع المستوى السياسي، والقضمَ من صلاحياته، والسيطرة على نقاطٍ استراتيجية فيه، منها إخضاع الإدارة المدنية لسموتريتش، وسرايا حرس الحدود لابن غفير". وأضاف يهوشع أنّ "كلّ هذه الخطوات تمّت من دون أن يتكلم أحد مع قيادة الجيش".
ونقل موقع “القناة السابعة” عن رئيس الأركان السابق، غادي آيزنكوت، قوله إن “تعيين بتسلئيل سموتريتش وزيراً للأمن وإيتمار بن غفير وزيراً للأمن الداخلي مقامرة”.
وأضاف آيزنكوت إنّها “مقامرة ليس فقط لأنه خدم خدمة جزئية، بل لأنه (سموتريتش) يفتقد الخبرة أيضاً”، موضحاً أن سموتريتش “ليس لديه المعرفة الأساسية للتعامل مع التحديات الهائلة التي تواجهها المنظومة” العسكرية.
من جهته، قال موقع إخباري عبري، الثلاثاء، إن منظمات يهودية في الولايات المتحدة الأمريكية حذرت الحكومة الإسرائيلية المقبلة من أنه في حال اتخاذها أي خطوات “عنصرية أو متطرفة” فسينعكس ذلك سلبا على دعم هذه المنظمات لإسرائيل.
وبعد الإعلان عن المكالمة، كتبت صحيفة "إسرائيل هَيوم"، المقربة من نتنياهو، أنّ الأخير ألمحٍ إلى كوخافي أنّ "ليس كل ما وُقّع في الاتفاقات الائتلافية سيُطبّق"، الأمر الذي كان عضو الكنيست من الليكود، دافيد بيتان، قد أشار إليه علانية، قبل الإعلان عن المكالمة الهاتفية.
وقال بيتان إنه "لن يتمّ الوفاء بجميع الاتفاقات"، ومن ضمنها مسألة أراضي الضفة الغربية، مضيفاً إنّ "سموتريتش ليس قادراً على تغيير الوضع بشأن البناء في المستوطنات".
بدوره، هاجم رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلائيل سموتريتش، كوخافي عبر تغريدة له في موقع "تويتر"، وقال إنّ كوخافي يدخل "التسييس الصارخ" إلى "الجيش الإسرائيلي".
ولفت إلى أنّ "من يريد الحفاظ على الجيش موحداً كجيش للشعب، خارج السياسة، عليه أن يسنّ "قانون تجميد" لـ 10 سنوات على الأقل لرؤساء الأركان، قبل انخراطهم في العمل السياسي".
مراسل الشؤون العسكرية في القناة الـ 12، نير دفوري، أفاد من جهته، أنّهم "في "الجيش الإسرائيلي" قلقون جداً من محاولة نقل صلاحية تعيين الحاخام العسكري من يد رئيس الأركان، كون هذا الأمر فيه مسّ بأداء رئيس الأركان".
وبدوره، رأى محلل الشؤون العسكرية في "هآرتس"، عاموس هرئيل، أنّ "التعديلات المطروح إدخالها على "الجيش الإسرائيلي"، ستقوّض السلسلة القيادية في "الجيش الإسرائيلي""، كما أنّ "التنازلات التي يقدمها نتنياهو لسموتريتش وبن غفير ستلحق الضرر بأداء "الجيش الإسرائيلي" في المناطق الفلسطينية المحتلة".
كوخافي حظي بتأييد عدد كبير من الجنرالات السابقين، في مقدمتهم وزير الدفاع غانتس الذي رد في «تويتر» على سموتريتش، أن «من يريد الحفاظ على الجيش الإسرائيلي موحداً، لا يسن قانون التهرب من الخدمة العسكرية، ولا يفكك وزارة الأمن والجيش الإسرائيلي لهيئات ثانوية، ولا يتدخل في تعيين ضباط الجيش». وقد أيده في ذلك الجنرال السابق عوزي ديان، الذي يعتبر من قادة الليكود المقربين من نتنياهو.
يذكر أن 1198 ضابطاً كبيراً سابقاً في سلاح الجو الإسرائيلي، وقعوا على رسالة موجهة إلى رئيسة محكمة العدل العليا، إستر حيوت، يطالبونها فيها بحماية الديمقراطية من الحكومة الجديدة.
وقبل نحو أسبوعين استضافت السفارة الإسرائيلية في واشنطن اجتماعا لمسؤولين كبار من منظمات يهودية أمريكية وصفه موقع “واللا” بـ”الصعب”. هؤلاء المسؤولون حذروا من أن أي خطوات عنصرية أو متطرفة تتخذها الحكومة المقبلة برئاسة بنيامين نتنياهو سوف “تلحق ضررا كبيرا بالدعم الذي تحظى به إسرائيل بين يهود أمريكا”.
ونقلا عن ستة مصادر شاركت في الاجتماع أو تم إبلاغها بمحتواه، أوضح الموقع أن ممثلي المنظمات اليهودية تمت دعوتهم إلى لقاء مع رئيسة شعبة الشتات في وزارة الخارجية الإسرائيلية شولي دافيدوفيتش لاستطلاع آرائهم بشأن “الحالة المزاجية” في المجتمع اليهودي الأمريكي حيال التطورات السياسية في إسرائيل.
وقال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى لم يسمه الموقع إن الاجتماع “يعكس القلق الشديد بين المنظمات اليهودية الرئيسية في الولايات المتحدة بشأن الخلاف المحتمل مع إسرائيل في ظل سياسة الحكومة المقبلة تجاه يهود العالم والقيم الديمقراطية”.
ويؤيد معظم أعضاء الائتلاف الحكومي الذي يعكف نتنياهو على تشكيله تضييق “قانون العودة” حيث لا يُسمح لأحفاد اليهود وأزواجهم بالحصول على الجنسية الإسرائيلية.
وخلال اجتماع واشنطن، هدد بعض ممثلي المنظمات اليهودية بأن “السياسات العنصرية والإجراءات التي من شأنها الإضرار بمجتمع المثليين يمكن أن تُضر بالتبرعات لإسرائيل من الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، وأن تتسبب في إبعاد الشباب اليهود الأمريكيين عن إسرائيل وعدم الإعراب عن دعمهم لها”.
بل إن بعض المشاركين حذروا من سيناريو ينظم فيه يهود أمريكيون مظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن احتجاجا على سياسة الحكومة الإسرائيلية المقبلة، حسب الموقع.
والخميس 29 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، يصوّت الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي على منح الثقة لحكومة نتنياهو (73 عاما). وتضم الحكومة في عضويتها وزراء من أحزاب يمينية متشددة ودينية هي “الصهيونية الدينية” و”نوعام” و”القوة اليهودية” و”شاس” و”يهودوت هتوراه” إضافة إلى حزب “الليكود” اليميني بقيادة نتنياهو.