الوقت- أثار قرار حكومة رئيس الوزراء الأردني "بشار الخصاونة" زيادة سعر البنزين للمرة السادسة عشرة في العامين الماضيين اضطرابات في الأردن، أسفرت عن 4 وفيات، ولقد وصفت العديد من وسائل الإعلام العربية هذه الاضطرابات بكلمة أزمة. وبدأت القصة عندما أكد رئيس الوزراء، قبل أسبوعين، في اجتماع مثير للجدل، الشائعات حول إلغاء دعم الوقود، وأعلن أنه بسبب عدم قدرة الحكومة على تقديم دعم الوقود البالغ 680 مليون دولار، قام بإزالة البند ذي الصلة من موازنة 2023. وكان ذلك قبل أيام، أعلن ديوان المحاسبة الأردني أنه تماشيًا مع سياسات التقشف، قرر رفع سن التقاعد في هذا البلد، الأمر الذي أشعل أجواء الشبكات الاجتماعية والشؤون العامة.
ورداً على هذا القرار، أضرب سائقو المركبات الثقيلة في مدينة "معان" جنوب الأردن، فيما عارضت نقابة سائقي الشاحنات (ومقرها عمان) هذا الإضراب، لكن رغم هذه المعارضة، فإن سائقي المركبات الثقيلة في مدن أخرى ومنها "الزرقاء" و "الكراك" انضموا أيضا إلى الإضراب. كما بدأت الإضرابات في مدن أخرى (باستثناء العاصمة) وحتى سائقي سيارات الأجرة توقفوا عن العمل في بعض المناطق. وأصبحت المشكلة خطيرة لدرجة أن العمل في ميناء العقبة (ميناء الأردن الوحيد والشريان الحيوي للبلاد) توقف لمدة يومين.
ومن أجل كبح الأزمة، وافقت الحكومة على مطالبة سائقي المركبات الثقيلة بزيادة 40٪ في الأجرة، وهو ما اقترحته النقابة العام السابق، لكن الإضراب لم يتوقف. وأشار معارضو الحكومة إلى أن عذر الحكومة أن ارتفاع الأسعار هو نتيجة الحرب في أوكرانيا، وأكدوا أن عملية زيادة سعر البنزين (في 16 مرحلة على مدى عامين) قد بدأت قبل الحرب. وفي إشارة إلى الاستلام اليومي لعشرة آلاف برميل من النفط العراقي بخصم 6 دولارات للبرميل، اعتقدوا أن الحكومة تعتزم تعويض عجز الموازنة بفرض ضريبة على البنزين.
حالياً، تعاني الحكومة الأردنية من عجز في الموازنة يقارب 5 مليارات دولار، ويؤكد منتقدو الحكومة أنه بدلاً من تطبيق سياسات تقشفية حقيقية، يجب مثلا تقليص هدر العائلة المالكة، وخفض رواتب المديرين التي تصل إلى ( أكثر من 10 آلاف دولار) لأن سياسات التقشف استهدفت بتهور أضعف شرائح المجتمع. ومن ناحية أخرى، يدعي بعض النقاد الآخرين أن الحكومة تنفذ سياسات البنك الدولي من أجل الحصول على قروض جديدة، لأنه حسب المفاوضات الأخيرة لممثلي البنك الدولي مع حكومة عمان، فإن الحصول على قرض جديد، يخضع لخفض الدعم وتحديد مكان سداده.
وبما أن الحكومة كانت قلقة من فرض ضرائب جديدة أو زيادة الضرائب، فقد قررت إيقاف دعم الوقود، بل إنه انتشرت شائعات بأن الحكومة قد توقف دعم الخبز أيضًا. وهذه السياسات الاقتصادية للحكومة في الوضع الذي أدى في رمضان 2018، إثر قرار حكومة عبد الله نصور، رئيس الوزراء الأسبق، بفرض ضريبة القيمة المضافة، إلى إثارة غضب الأهالي في عمان، الأمر الذي أدى إلى انتشار واسع النطاق للاحتجاجات ولكن تلك الاحتجاجات انتهت في يوليو من ذلك العام والتي أدت في النهاية إلى عزل الناصور. وبالطبع أدت تلك الاحتجاجات إلى تشكيل حركة تسمى "ميناش" في الأردن، واستمرت في الوجود لعدة أشهر وشاركت في قليل من الاحتجاجات.
لكن هذه المرة، خلافا للاحتجاجات التي اندلعت قبل 4 سنوات في عمان، والتي كانت سلمية تماما ودون وقوع إصابات، تظاهر آلاف الأشخاص في الشارع المؤدي إلى مكتب رئيس الوزراء منذ البداية. وبعد ذلك بيومين استشهد 3 من حراس الأمن. ويرجع ذلك في الغالب إلى السياق القبلي والمتطرف لمدينة معان، التي لطالما كانت مركز الجماعات السلفية. وعلى الرغم من أن الاحتجاجات في الأردن قد تراجعت إلى حد ما في الأيام الأخيرة مع اجتماع البحر الميت (بغداد 2)، إلا أن الأزمة الاقتصادية في الأردن وعدم الرضا عن الوضع المعيشي أعمق من أن يهدأ لفترة طويلة.
ويرجع سبب هذا الادعاء إلى أن معدل البطالة في الأردن يزيد على 24٪ وعجز الميزان التجاري البالغ 4 مليارات دولار وعجز الموازنة البالغ 5 مليارات دولار في العامين الماضيين تسبب في أضرار جسيمة لاقتصاد هذا البلد. وأزمة كورونا، والإفلاس النسبي لصناعة السياحة باعتبارها العمود الفقري للاقتصاد الأردني، عمقت المشاكل، والحكومة الاردنية لم تلجأ إلا إلى الاقتراض أو فرض ضرائب جديدة لحل هذه المشاكل. ويبدو أنه حتى تتخذ الحكومة الأردنية خطة جادة لإصلاحات حقيقية لموازنة الميزانية وتجنب الاقتراض الخارجي، فلن يكون هناك أمل في التحسن. ومن المتوقع أن هذه المرة، كما في 2018، مع تنحية "بشار الخصاونة"، رئيس الوزراء الحالي، وربما بمساعدة الحلفاء العرب والغربيين، سيهدأ الوضع إلى حد ما، لكن لا يوجد شيء يضمن نجاح هذا الحل دائمًا.
ولقد أكدت وكالة الأمن العام الأردنية، يوم السبت الماضي، خلال إصدار بيان لها أنها تعاملت مع أعمال شغب في عدة مناطق بالأردن، والآن تم تكثيف الإجراءات الأمنية في هذه المناطق لضمان تنفيذ القانون وسلامة المواطنين. وأعلنت الأجهزة الأمنية الأردنية عن اعتقال 44 شخصًا في الاحتجاجات الأخيرة، وقالت إنه تم تكثيف الإجراءات الأمنية في بعض المناطق. وجاء هذا الإجراء من قبل الأجهزة الأمنية بعد أن أكد الملك عبد الله الثاني ملك الأردن في كلمته أن التخريب عمل خطير ضد الأمن القومي الأردني ولن يسمح باستمرار مثل هذه الأعمال. وقال الملك عبد الله إن الناس يمرون بظروف اقتصادية صعبة ولهم الحق في إبداء الرأي في إطار القانون وبطرق سلمية، لكن الجهات الحكومية ستتعامل مع أي مخالفة للقانون. كما قال وزير الداخلية الأردني إن على الشعب الانفصال عن المشاغبين خلال الاحتجاجات السلمية. كما قال شهود عيان إن الحكومة الأردنية جلبت الدبابات والعربات المدرعة إلى الشوارع لقمع الاحتجاجات.
ولقد أدت الزيادة في أسعار الوقود إلى الضغط على دخل الأسر وتسببت في أضرار جسيمة للفئات ذات الدخل المنخفض. ووعدت الحكومة بالنظر في مطالب سائقي الشاحنات، لكنها دفعت بالفعل أكثر من 500 مليون دينار (700 مليون دولار) لخفض أسعار الوقود هذا العام ولا يمكنها القيام بذلك إذا أرادت تجنب انتهاك الاتفاق التي وقعته مع صندوق النقد الدولي. وفي 2018، اندلعت احتجاجات مماثلة في مدن أردنية مختلفة، خفت حدتها بعد أسابيع قليلة بوعود الحكومة بحل المشاكل الاقتصادية. وكانت الاحتجاجات في السنوات الأخيرة سلمية في الغالب، ودعت إلى إصلاحات ديمقراطية وكبح الفساد، لكن يبدو أن المشاكل ظلت دون حل، ما دفع المعارضة إلى النزول إلى الشوارع مرة أخرى.
على الرغم من أن الاحتجاجات الأخيرة في الأردن لها أبعاد اقتصادية، إلا أن الشعارات التي رفعتها المعارضة تظهر أنها اتخذت أيضًا نكهة سياسية وطالبت المعارضة بإسقاط النظام الملكي. وكان المحتجون يأملون في أن تتحقق الإصلاحات التي وعدت بها الحكومة في السنوات الماضية، لكن يبدو أنه لم يتم تنفيذ أي إصلاحات في البلاد. وفي بداية ما سمي الربيع العربي، وعد الملك الأردني الشعب أن يتم انتخاب رئيس الوزراء من قبل الشعب، ولكن بعد أكثر من عقد من هذا الوعد، لا يزال رئيس الوزراء يعينه الملك نفسه. وتعارض أنظمة المملكة العربية بشدة أي انتخابات لها مظاهر ديمقراطية يلعب فيها الشعب دورًا، وعلى الرغم من الاحتجاجات إلا أنها غير مستعدة لإعطاء نقاط ايجابية للشعب.