الوقت - في تحليلٍ للوضع الراهن للاتفاق النووي وتحركات آلية الزناد في لندن، قال بيتر فورد، السفير البريطاني السابق في سوريا: “إن أوروبا لم تفشل فقط في الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، بل فقدت أيضاً حيادها المزعوم من خلال وقوفها العلني إلى جانب المعتدين، أي إسرائيل والولايات المتحدة، خلال الحرب الأخيرة التي استمرت اثني عشر يوماً".
وأضاف فورد: “في السابق، كان دعم أوروبا للولايات المتحدة وإسرائيل يتم بشكلٍ خفيّ إلى حد كبير، كانت ألمانيا تُعبّر عن مواقفها بشكلٍ علني، أما بريطانيا وفرنسا فكانتا أكثر حذراً في إظهار دعمهما، لكن الآن، أصبح هذا الدعم واضحاً ومنسقاً، رغم أن أوروبا لم تلتزم بتعهداتها حيال رفع العقوبات وضمان المصالح الاقتصادية لإيران بموجب الاتفاق النووي".
وأكد فورد أن الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) لا تمتلك صلاحيةً لتقديم طلبات أو إصدار تهديدات ضد إيران، مشيراً إلى أن ادعاء الأوروبيين بأنهم ملتزمون بتطبيق الاتفاق النووي بينما يتهمون إيران بانتهاكه، يُعد قمة النفاق.
وأضاف: “هذا النفاق يصبح أكثر وضوحاً عندما نرى أن إسرائيل، التي تمتلك أسلحةً نوويةً بشكلٍ علني، لا تخضع لأي رقابة دولية على الإطلاق".
وأشار فورد إلى أن استمرار هذا النهج الأوروبي قد يُسفر عن تداعيات خطيرة على مستقبل التعاون الدولي، وحثّ إيران على استعراض خياراتها الأخرى، مثل تعزيز التعاون مع روسيا والصين، أو حتى التفكير في الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT) إذا استمرت السلوكيات الغربية غير البناءة.
تأتي تهديدات الترويكا الأوروبية بعد فشلها المتكرر، على مدار العقد الماضي، في تنفيذ التزاماتها ضمن الاتفاق النووي، وفي مواجهة الخطوات الإيرانية التعويضية والمشروعة داخل إطار الاتفاق، أطلقت هذه الدول تهديدات بتفعيل آلية الزناد، التي تتيح إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران.
وكان جان نويل بارو، وزير الخارجية الفرنسي، قد صرّح الأسبوع الماضي على هامش اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، بأنه إذا لم يتحقق أي تقدم في المفاوضات النووية، فإن باريس، بالتنسيق مع لندن وبرلين، ستلجأ إلى تفعيل آلية الزناد، وذلك بحلول نهاية شهر أغسطس، هذه الآلية تُعرف بأنها الإجراء الذي يُعيد العقوبات الدولية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2231.
ودون أن يلتفت إلى الانتهاكات الجسيمة التي دأبت أوروبا على ارتكابها بحق تعهداتها في الاتفاق النووي، ودون أن يشير إلى الهجمات العدائية التي شنتها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على المنشآت النووية الإيرانية، ادعى المسؤول الأوروبي قائلاً: “إن إيران قد أخلّت بالتزاماتها، ولدى فرنسا وشركائها الحق في إعادة فرض العقوبات الدولية في مجالات التسليح والمصارف والنووي، والتي جرى رفعها قبل عقد من الزمن".
تمضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تأكيدها بأن أي محاولة لإعادة تفعيل قرارات مجلس الأمن الدولي التي أُلغيت مسبقاً تُعد، من منظور القانون الدولي، لاغيةً وباطلةً.
وفي هذا السياق، وجّه وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، رسائل رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وأعضاء المجلس، أعلن فيها بعبارات حاسمة: “إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أثبتت قدرتها الراسخة على التصدي لكل محاولة للعبث أو المؤامرة، لكنها، في الوقت نفسه، متمسكة بمبدأ الرد بالمثل على أي دبلوماسية جادة ومشفوعة بحسن النوايا".
لقد أجمع خبراء القانون الدولي على أن تهديدات أوروبا بتفعيل آلية الزناد قد فقدت شرعيتها وأصبحت عديمة الأثر، إذ إن هذه الآلية صُممت أصلاً للحفاظ على اتفاق قائم، لا لتُستخدم كوسيلة عقابية عقب اعتداءات غير قانونية طالت البنية التحتية النووية الإيرانية، ويرى هؤلاء الخبراء أن اللجوء الانتقائي إلى هذه الآلية في الظروف الراهنة، لا يعدو كونه عقوبةً جماعيةً تستهدف الشعب الإيراني بأسره، ما يثير اضطراباً قانونياً وعملياً في النظام الدولي ويهدد بانهيار أسس التوازن فيه.
کذلك، وصف بيتر جنكينز، السفير البريطاني السابق لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مساعي أوروبا لتفعيل آلية الزناد بأنها خطوة “عمياء وجائرة”، مؤكداً: “إن هذا التصرف لا يستند إلى أي مبرر قانوني أو أخلاقي، فضلاً عن أنه لن يُحدث أثراً يُذكر، إذ إن الغالبية العظمى من أعضاء الأمم المتحدة سترفض الانصياع له".
وفي سياق متصل، حذّر دبلوماسي بريطاني متقاعد، طلب عدم الكشف عن اسمه، من أن التنسيق الأحادي بين الترويكا الأوروبية وسياسة الضغط الأقصى التي تنتهجها الولايات المتحدة، لن يؤدي إلا إلى تعميق فجوة عدم الثقة ويدفع المشهد الدبلوماسي نحو طريق مسدود.
وأضاف في تصريحاته: “إن إعادة بناء الثقة تتطلب عودةً صادقةً إلى مسار الدبلوماسية، لا التهديدات ولا محاولات التهرب من المسؤولية".
جددت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في مناسبات عدة، تأكيدها على التزامها بالدبلوماسية كسبيل وحيد للوصول إلى اتفاق عادل ومستدام وقابل للاعتماد، يحقّق رفعاً حقيقياً للعقوبات المفروضة، وأعلنت استعدادها للمشاركة في مفاوضات تقوم على قاعدة الاحترام المتبادل، ساعيةً نحو اتفاق يضمن مصالح جميع الأطراف دون تفريط أو مساومة.