الوقت - سلوك السعوديين تجاه تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، هو مثل سمكة تدور حول طُعم صنارة صيد لكنها لا تزال تخشى ابتلاعها، كما يقوم الصهاينة بدور صياد يحاول إقناع الرياض بابتلاع الطعم.
بعد عشرين عامًا على اقتراح السعودية مبادرة السلام العربية لحل الصراع الفلسطيني الصهيوني، في مقابلة غير مسبوقة مع قناة العربية السعودية، طرح بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء المقبل للکيان، مؤخرًا اقتراحًا جديدًا على الطاولة بهدف جلب الرياض إلى التطبيع.
حيث أعلن نتنياهو الخميس الماضي، في حديث مع قناة العربية، أنه يعتزم تقديم مبادرة جديدة لما أسماه السلام مع السعوديين، والتي ستؤدي في النهاية إلى حل القضية الفلسطينية.
إعادة بناء أجواء التطبيع
نتنياهو، الذي حقق فوزاً غير مسبوق في انتخابات الكنيست، وضمن لنفسه ولايةً أخرى كرئيس للوزراء وتخلص من خطر الملاحقة القضائية، سيشكل الحكومة الأكثر راديكاليةً ويمينيةً في العقدين الماضيين. حكومةٌ تظهر سياساتها المتطرفة والمعادية للفلسطينيين لأعضاء بارزين مثل بن غفير وسموتريش وارييه درعي وإلخ، أن آفاق التطورات في فلسطين أكثر توتراً من ذي قبل.
والآن، بالنظر إلى حقيقة أن توقعات المستقبل القريب تؤكد على تزايد الأزمة في الأراضي المحتلة، ونتيجةً لذلك تقليل فرص التفاوض والتسوية والتطبيع، فإن محاولة نتنياهو إظهار عكس هذا الاتجاه هي مسألة يجب التفكير فيها.
النقطة المهمة في التعرف على طبيعة اقتراح نتنياهو، والتي لم يذكر تفاصيل عنها، تكمن في تصريحه الذي قال فيه: "أعتقد أن السلام مع السعودية يخدم غرضين، إذ سيكون نقلةً نوعيةً لسلام شامل بين إسرائيل والعالم العربي، وسيغير منطقتنا بطرق لا يمكن تصورها".
على الرغم من حقيقة أنه قبل سنوات من اتفاقية التطبيع لعام 2020 بين الکيان الصهيوني والإمارات والبحرين، کان الجميع يعلم وجود العلاقات الخفية وغير الرسمية بين شيوخ الخليج والصهاينة، لكن نتنياهو يعتبر نفسه دائماً مهندس التطبيع في الساحة الداخلية للأراضي المحتلة.
هذا في حين أن قطار التطبيع ليس فقط لم يتحرك للأمام منذ فترة طويلة، بل مع اشتداد الأزمة في الضفة الغربية واتضاح النظرة السلبية للغاية للرأي العام للعالم الإسلامي تجاه الکيان الصهيوني أثناء إقامة المونديال في قطر، فإن الإنجازات التي تحققت في الماضي هي أيضاً عرضة للتدمير.
لذلك، يبدو أن هدف نتنياهو الأول والأهم، هو استغلال الجو الدعائي والإعلامي لاتجاه الرياض بقيادة محمد بن سلمان نحو التطبيع والتراجع عن مبادرة السلام العربية، التي تغطي الحد الأدنى من مطالب الشعب الفلسطيني والرأي العام للأمة الإسلامية، وذلك لتغيير الأجواء السامة التي نشأت ضد أنصار التطبيع.
وفي هذا الصدد، يعتقد محمود الحلمي الكاتب والباحث السياسي، أن "نتنياهو يعرف جيداً أنه بدون توقيع السعودية اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، فإن هذا الاتفاق لن ينجح ولن يخترق العالم الإسلامي."
ولذلك، بطبيعة الحال، يدرك نتنياهو أنه إذا نجح في جلب السعودية، التي تدعي أصل الإسلام وقيادة العالم العربي، إلى اتفاق التطبيع، فسيكون قد حقق انتصارًا سياسيًا كبيرًا على الساحة الداخلية، وسجَّل لنفسه رقماً قياسياً في سوق التطبيع.
محاولة الترويج لفکرة تجاوز مبادرة السلام العربية
لعدة سنوات، وحتى في الوقت الذي أبدت فيه الرياض موقفها المتعاطف تجاه التطبيع، من خلال أفعال مثل فتح أجوائها أمام طائرات ركاب الکيان، والتزام الصمت في وجه جرائمه في الضفة الغربية، في البيانات الرسمية للسلطات السعودية حول المفتاح الأخير لحل القضية الفلسطينية وإقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، کانت مبادرة السلام العربية لعام 2002 للملك عبد الله، يمكن اعتبارها على أنها الحل الوحيد والسياسة الرسمية للسعودية.
ومن أهم بنود هذه المبادرة، التي لم يسمح الصهاينة بتنفيذها قط، قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
هذا على الرغم من أن الصهاينة أثبتوا عمليًا أنهم لا يرتضون بأقل من احتلال جميع الأراضي الفلسطينية وطرد الفلسطينيين وتهجيرهم قسريًا من وطنهم، وتدمير الطبيعة العربية والإسلامية لفلسطين.
حتى أن نتنياهو وفي مقابلته الأخيرة مع قناة العربية، أعلن ضمنيًا عن انتهاء مبادرة السلام العربية وتجاوزها، ليظهر أنه حسب الصهاينة، فإن التطبيع طريق أحادي الاتجاه لتغيير الخريطة الأمنية للمنطقة على أساس التهديدات المشتركة للتطورات الإقليمية، ولا سيما زيادة قوة محور المقاومة، والسعوديون مجبرون على قبول انتهاء مبادرة السلام العربية لتشكيل تحالف إقليمي مزعوم.
في الواقع، فإن تحليل الصهاينة هو أن القادة السعوديين، وخاصةً ابن سلمان، قبلوا مبدأ الصفقة، والمسألة الوحيدة المتبقية هي مقدار الصفقة، وهو ما لا ترغب الرياض في القيام به بثمن بخس.
وفي الواقع، بمثل هذه المبادرة، يخفض نتنياهو عملياً مكانة السعودية من الموقع الذي حددته لنفسه في قضية فلسطين والعالم العربي، إلى مستوى دولة صغيرة وغير فعالة مثل البحرين. ويبقى أن نرى ما إذا كان السعوديون سيبتلعون طعم نتنياهو أم لا.