الوقت - شهدت تونس يوم السبت 17 ديسمبر انتخابات تشريعية مبكرة طرحها الرئيس التونسي قيس سعيد بعد أن حل البرلمان السابق وأغلقه يوم 25 يوليو/ تموز 2021، ثم ألغى دستور ٢٠١٤ ووضع دستوراً جديداً، كما وضع قانوناً انتخابياً جديداً.
وتأتي هذه الانتخابات، وهي الرابعة منذ الثورة، في ظل مقاطعة حزبية واسعة من أهم الأحزاب المشكلة للمشهد السياسي في البلاد، فقد كانت الحملة الانتخابية ضعيفة وباهتة حسب مراقبين من المنظمات المعنية بمراقبة الشأن الانتخابي. وهذا ما يطرح سؤالاً مهماً حول نسبة المشاركة اليوم، ما يُعتبر اختباراً حقيقياً لشعبية سعيّد الذي ما انفك يؤكد أن قراراته نابعة من إرادة شعبية.
وتتزامن هذه الانتخابات مع ذكرى اندلاع الثورة في سيدي بوزيد في 17 ديسمبر 2010.
فبنسبة مشاركة ضعيفة للغاية ، أغلقت مراكز الاقتراع في انتخابات البرلمان التونسي أبوابها، وكانت هذه الانتخابات النيابية مثيرة للجدل، مع سعي الرئيس قيس سعيد لاحتكار السلطات منذ صيف 2021.
وسجلت مراكز الاقتراع المنتشرة في عموم الجمهورية مشاركة متواضعة للغاية، إذ لم تتجاوز النسبة قبل إغلاق الصناديق بنحو ساعتين الـ8 في المئة، وفق بيانات رسمية.
حيث أكد الناطق الرسمي باسم الهيئة المستقلة العليا للانتخابات، أن عدد من أدلوا بأصواتهم قبل ربع ساعة من غلق المراكز والمكاتب بلغ 804 الاف ناخب.
وعاد المتحدث نفسه ليصرح لاحقا أن نسبة المشاركة بلغت بلغت 8.8 بالمئة، وهي النسبة الأضعف بين كل الاستحقاقات الانتخابية التي تلت الثورة في تونس عام 2011.
بدورها طالبت جبهة الخلاص، أكبر مكونات المعارضة حاليا في تونس، بعزل الرئيس قيس سعيد عن منصبه، وتعيين أحد القضاة كرئيس انتقالي إلى حين إجراء انتخابات مبكرة.
وقال زعيم الجبهة نجيب الشابي في تصريحات إن نسبة المشاركة قد لا تتجاوز 2 بالمئة، بخلاف المعلن.
وأضاف "أسدل الستار اليوم على الفصل الأخير من أجندة قيس سعيد الذي فقد كل شرعية ولم يعد رئيسا لتونس".
وتابع الشابي في تصريحات صحفية "هذه لحظة الوحدة لتخليص تونس، وسنحقق في القريب العاجل سقوط قيس سعيد".
وأردف "نطالب بإلغاء الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية حتى يتوقف إهدار المال العام".
من جانبه، يؤكد القيادي في جبهة الخلاص الوطني رضا بلحاج، أن "انتخابات اليوم تُمثل الحلقة الأخيرة في خريطة طريق الانقلاب بعد 25 يوليو 2021، وإغلاق البرلمان بدبابة، ثم الاستشارة والاستفتاء". ويلفت إلى أننا "نشهد اليوم الحلقة الأخيرة من هذا المشروع في محاولة من سعيّد لتركيز الأمر الواقع بشكل نهائي كما يظن، ولكن الحقائق تؤكد أن المسار الانقلابي فاشل في مختلف حلقاته".
ويوضح بلحاج أن "البرلمان (الذي حله سعيّد) لا يزال متمسكاً بشرعيته والمشاركة الشعبية المحدودة في مختلف المحطات المذكورة لا تسمح بخلق أمر واقع، وهذه المحطة (الانتخابات) ستفشل بمشاركة ضعيفة ومقاطعة واسعة وستجعل الانقلاب أكثر فأكثر في مأزق، وبعده سيكون الحل النهائي بنهاية قوس الانقلاب".
كما يشدد على أن "سعيّد فشل في فرض سياسة الأمر الواقع لأن البلد يشهد انقساماً حاداً، فأغلبية واسعة تعتقد أن البلاد في مأزق وشعبية سعيّد في انهيار". ولفت إلى أن "سعيّد لم يخلق أمراً واقعاً، بل خلق وعياً شعبياً بأن وهم الانقلاب زاد البلاد أزمة وعمّق الأزمة الاقتصادية وخلق عزلة دولية وداخلية".
ولم تقتصر المقاطعة على الأحزاب، وإنما توسعت للمنظمات المدنية التي أقصاها سعيّد تماماً من أي مشاركة ممكنة في أي مرحلة من مراحل الانتخابات أو وضع القوانين. فقد أعلنت منظمة "البوصلة"، في بيان الأربعاء الماضي، أنها ستُقاطع البرلمان المقبل لأنها ترفض أن تكون شاهد زُور على مسار انفرادي ومجلس كرتوني.
ويلفت البيان إلى أن سعيّد "منذ إعلانه عن تفعيل الفصل 80 من دستور 2014 (الخاص بالإجراءات الاستثنائية)، وإعلان حالة الاستثناء ليلة 25 يوليو 2021، توجّه لتعزيز انتهاجه لمسار أحادي يستثني فيه جلّ القوى الوطنية، السياسيّة منها والمدنيّة، وانطلق في تنفيذه لبرنامجه الفردي".
ويشدد البيان على أن "صدور القانون المُنظّم لانتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب مثّل ترجمة حقيقية لنوايا رئيس الجمهورية التي أعلن البعض منها في نصوص دستوره الجديد"، مضيفاً إن "هذا القانون أسّس لانتخاب مفرّغ من محتواه لمجلس نيابي يغيب فيه التناصف ويتصدّره ذوي الوجاهة القبلية والمالية".
من جانبه، اعتبر حزب العمال أن حجم المشاركة " الهزيل جدا مهزلة " ينزع الشرعية عن المجلس النيابي الصوري، و ينزع الشرعية كذلك عن مجمل منظومة 25 تموز/يوليو الانقلابية وما اتخذته من خطوات معادية للشعب والوطن والديمقراطية .
ودعا الحزب، في بيان، الشعب التونسي وقواه التقدمية السياسية والاجتماعية والمدنية إلى اعتبار نظام قيس سعيد خارج الشرعية ومنتهيا لذلك وجب رحيله وبالأحرى ترحيله فورا باعتباره خطرا على تونس وشعبها لاحتكامه لنفس خيارات التبعية والتفقير والاستبداد التي ثار ضدها الشعب في مثل هذا اليوم من سنة 2010.
وقال الحزب، إن على كل القوى التقدمية السياسية والاجتماعية والمدنية التشاور في أفق توحيد الجهود من أجل فرض بديل شعبي وطني .
و رأى العديد من المحللين والمراقبين ان هذه الانتخابات الضعيفة تشير الى أنه ينظر إلى انتخابات اليوم على أنها استكمال المسار الذي يتبعه سعيد قيس و محطة جديدة لتثبيت استفراد سعيّد بالحكم. وهو ما دفع العديد من الاحزاب لمقاطعة الاستحقاق على غرار مكونات جبهة الخلاص الوطني.