الوقت_ في ظل العلاقات التي توصف بـ "الوثيقة والمستمرة" بين ألمانيا وكيان الاحتلال الإسرائيليّ العنصريّ، أعلن مقدم البرامج الألماني من أصل أفريقي ماتوندو كاسلو مؤخراً، تعرضه للطرد التعسفيّ من عمله، نتيجة مشاركته بمسيرة سلمية مناهضة للاستيطان والاحتلال الصهيونيّ في الضفة الغربية المحتلة، في نبأ ليس بجديد على برلين التي عودتنا وسائل إعلامها على "إسكات" كل من يعادي العدو الغاصب، فكم من صحفيّ أو صحفيّة –بالتحديد- فُصلوا من عملهم بسبب إدانته لانتهاكات الاحتلال، وكم من محكمة ألمانية معنية بتلك القضايا حققت في ملابسات دعاوى عقب عمليات فصل متكررة، تحت مزاعم "معاداة السامية" التي يتخذها العدو الملطخ بدماء الأبرياء شماعة زائفة لإبادة كل ما هو فلسطينيّ عبر طرق مختلفة في الداخل والخارج، وإنّ ما جرى مع الصحفيّ في الأيام الماضية يمكن تسميته الفضيحة الكبرى لألمانيا التي تدعي بشكل دائم "الديمقراطيّة والإنسانيّة" والحرص على حقوق البشر، ليس كل البشر.
بمجرد مشاركة مقدم البرامج الألماني في مسيرة سلمية في بلدة بيت دجن ضد مصادرة أراضي الفلسطينيين، ومساعدته في بناء مدرسة في المنطقة، حسب ما ذكر في تغريدة له نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، انكشف التحيز الألمانيّ القذر تجاه الفلسطينيين ومن يساندهم، وكعين الشمس بدت برلين تعمل لمصلحة سفاحي تل أبيب في عدوانهم على مختلف الساحات دون أيّ وجه حق، وهذه ليست المرة الأولى، فقد شاهد العالم طريقة تعاطي المسؤولين الألمان مع قضايا الفلسطينيين عشرات المرات، بل كانوا شريكاً في كل عدوان تنفذه الآلة العسكريّة للكيان الهمجيّ، ناهيك عن قرارات التضييق على الحركات الفلسطينيّة التي تقاوم الإجرام الإسرائيليّ بكل ما أوتيت من قوّة، إلى حد وصفها بـ "الإرهابية".
وإذا ما خضنا في قضيّة فصل الصحفيّ كاسلو الذي يعمل مقدماً لبرامج الأطفال في إحدى شبكات التلفزيون الألمانية، ويعتبر أوّل مقدم برامج من أصول افريقية، حسبما أشارت صحيفة "بليد" المحلية، لا بدّ –ككل مرة- أن نجد ذريعة "معاداة السامية" (مصطلح يعنى معاداة اليهود) سبباً رئيساً وغير قانونيّ لتلك المسائل، وإن لم نجد أبداً معاداة للسامية، وكأن السياسيين الألمان يرتكبون "مجزرة" كل مدّة بحق الإعلاميين المهنيين سواء كانوا من ألمانيا او فلسطينيين أو أجانب، باعتبار أن تلك القرارات تشكل دعماً واضحاً لكيان الاحتلال الذي بات يُعرف دوليّاً بصفات "الفاشية" و"الفصل العنصريّ"، وعلى الرغم من جرائم "إسرائيل" المتصاعدة بحق الفلسطينيين -أصحاب الأرض والمقدسات-، ومخالفة كل القوانين الأخلاقيّة والإنسانيّة والدوليّة من قبل العصابات الصهيونيّة، تُصر الحكومة الألمانيّة التي تربطها علاقات جيدة بتل أبيب أن تواصل الضغط على الفلسطينيين ومن يساندهم أينما وجدوا.
من ناحية أُخرى، لا ترغب ألمانيا –صاحبة الشعارات الحقوقيّة الزائفة- بتعكير صفو علاقتها مع مجرمي الحرب الصهاينة الذين ينزعجون بشدّة من أدنى انتقاد لهم حول جرائم سلب الأرض والمجازر التي يرتكبونها كل يوم بحق هذا الشعب الذي حاولت تل أبيب ومن يدعمها إبادته عن بكرة أبيه، وقد شهدنا مراراً مدى الاستماتة الإٍسرائيليّة لدفع برلين لاتخاذ خطوات لمحاربة الفلسطينيين ومن يدعم مقاومتهم، والذي لا يملون من مقاومة المستعمرين بكل الوسائل، لهذا كثيراً ما نشاهد إنهاء عقود عمل الفلسطينيين، بسبب حديثهم المتكرر عن انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية، ناهيك عن الموظفين العرب والأجانب، سواء شاركوا في فعالية مناصرة للشعب الفلسطينيّ أو تفوهوا بكلمة في هذا الإطار، أو حتى كتبوا منشورات على إحدى وسائل التواصل الاجتماعيّ باعتبارهم صحفيين –على الأقل-، في انتهاك صارخ لحرية الرأي والتعبير الذي تتشدق بها ألمانيا، والتي أثقبت مسامع العالم بها عبر كل مسؤوليها ووسائل إعلامها المتحيزة للقتلة.
وبدل أن تصطف الحكومة الألمانيّة مع كاستلو الذي بيّن أنّه تعرض مع المشاركين، لقمع عنيف خلال مشاركته في المسيرة ضد الاستيطان في الضفة الغربية، ووصف عملية فصله بالنفاق الألمانيّ المفضوح، اختارت أن تحارب موقفه الحقوقيّ العظيم، حيث بات موقف الدفاع عن المظلوم أو إحدى القضايا الأهم دوليّاً، جريمة وتهمة خطيرة بالنسبة لهذا البلد، في وقت تتخذ فيه العصابات الصهيونيّة قرار محاربة الفلسطينيين ومن يوالي قضيتهم المحقة في مختلف الميادين، وقد شاهدنا في هذه القضية ثمن التعبير عن الرأي على الأراضي الألمانية، فهل من المعقول في دول العالم "الأول" أن تطرد من عملك نتيجة لمواقفك السياسية والإنسانية والحقوقية والاجتماعية.
"هجوم صارخ على حرية التعبير وعلى الصحفيين وعلى الهوية الإنسانيّة"، هكذا يمكن وصف الموقف الألمانيّ من قضايا الصحفيين المناصرين لفلسطين، وخاصة أن أصحاب مزاعم "حرية الرأي والتعبير" تصيبهم نوبة هيستيريّة شديدة –نتيجة الضغط الإسرائيليّ-، مايدفعهم لمحاربة كل ما يشكل "رأس حربة" برأيهم في معركة الدفاع عن قضية فلسطين ضد العصابات الصهيونيّة الفاشيّة، إضافة إلى منع مساندة الفلسطينيين في ألمانيا لقوى وفصائل المقاومة الفلسطينيّة والأهالي المحاصرين بين فكي كماشة الاحتلال، بما يوصل رسالة لمن يناضل من أجل حقوق المرأة وحقوق الإنسان وحريات التعبير، مفادها "ألمانيا ليست مكانك المناسب".
وفي الوقت الذي تشهد فيه الأراضي الألمانيّة سلسلة تضييقات غير مسبوقة إزاء أيّ نشاط او سلوك متعلق بدعم القضية الفلسطينيّة داخل مؤسساتها العامة والخاصة، سواء ضد الفلسطينيين أم غيرهم المتضامنين مع القضية الفلسطينية، يزداد الدعم الألمانيّ المباشر للكيان الغاشم يوماً بعد آخر، حيث قررت ألمانيا الوقوف في صف العصابات الإرهابيّة التي باتت تؤرقها مواقف وكلمات وأشخاص ومنشورات مرتبطة وغير مرتبطة بها حتى، ما أثار موجهة سخط وقلق بالنسبة للصحفيين الألمان والفلسطينيين والعرب، من توجه مماثل لملاحقة من يوالي القضية الفلسطينية، وخاصة أنّ بعض الألمان يمزجون بين معاداة كيان الاحتلال والصهيونية ومعاداة "السامية" أي اليهود، وهذا ما تروجه بعض الأحزاب الألمانيّة الداعمة بقوّة للصهاينة كحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي الديمقراطي البافاري، اللّذين يستنفران على "دولة القانون" الألمانية للرد بحزم على المظاهرات التي تشهدها عادة شوارع العديد من المدن الألمانية عند كل عدوان وحشي إسرائيليّ على الفلسطينيين ومقدساتهم.
في الختام، بات واضحاً للقاضي والداني أنّ إظهار أيّ دعم علنيّ لفلسطين يعتبر تُهمة كافية للمحاربة في لقمة العيش والطرد من العمل ومخالفة كبرى للقانون الألمانيّ، في ظل تعامٍ قذر من تلك الدول عن جرائم الكيان الصهيونيّ -السرطان الذي زُرع لفصل شرق الوطن العربيّ عن مغربه وتنفيذ المصالح الأمريكيّة والغربيّة-، دون رقيب أو عتيد بسبب فشل الحكومات العربيّة والدوليّة في محاسبته على جرائمه العنصريّة البشعة بحق أصحاب الأرض، والتي لم ينج منها الأطفال ولا الشيوخ ولا النساء ولا الأسرى ولا المرضى حتى، فيما أظهرت الحكومة الألمانيّة نفسها كداعم أول للعصابات الصهيونيّة، وبدل أن تتخلى عن تاريخها النازيّ، باتت تطبقه على الفلسطينيين والداعمين لفلسطين، كما أنّ المؤسسات الإعلاميّة الألمانية -التي تدعي التحرر التام- وضعت نفسها في مأزق حرج نتيجة تلك القضايا.