الوقت_ عدد القتلى الصهاينة في الأراضي الفلسطينية المحتلة على يد المقاومة لم يسبق له مثيل منذ عام 2005، هذا ما يركّز عليه الإعلام العبريّ في ظل الزيادة الواضحة في معدل عمليات المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، وتأكيد مختلف الأوساط التابعة للعدو، أنّ تلك المنطقة التي شهدت تفعيل وسائل المقاومة والمواجهة باتت خطرة للغاية على الكيان الذي تعيش أجهزته الأمنيّة ارتباكاً كبيراً بعثر كل أوراق المسؤولين الأمنيين، نظرًا لكثافة العمليات ونجاحها في إنجاز ضرباتها الموجعة، وقد تعرضت حكومة العدو لانتقادات لاذعة نتيجة لجرائمها وجاهزيتها القتالية في الضفة الغربية، وحذّر ضباط صهاينة من فقدان السيطرة، على الرغم من أن الكيان يتحدث غالبا أن الأوضاع "تحت السيطرة"، وأن ما يجري من عمليات مقاومة رغم خطورتها، إلا أنها "حالة فردية" يمكن تجاوزها، لكن الوضع مُغاير لما يروج له الكيان، فالضفة لم تعد كالسابق والمقاومة تتطور كماً ونوعاً، مع ارتفاع احتمالات أن تنفجر الأوضاع أكثر وأكثر في الضفة الغربية بسبب التمادي الإسرائيليّ الصادم.
صدمة إسرائيليّة كبيرة
في الفترة الماضية أكّدت صحيفة “هآرتس” العبرية، أن الحكومة الإسرائيلية حققّت رقما قياسيا من ناحية قتل الفلسطينيين في هذا العام، وعلى هذا الأساس اعترفت "إسرائيل" بجرائمها الكبرى في الضفة الغربية، الشيء الذي أدى لإجراءات من عمليات المقاومة الفلسطينيّة، نتيجة جرائم قوات الاحتلال الإسرائيليّ ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وارتكابه أبشع الجنايات الإرهابيّة في قتلهم وإعدامهم، حيث إن الإسرائيليين يعترفون على مضض بمواجهة انتفاضة ذات صفات مختلفة ونتائج مذهلة، كما أن الدوائر الأمنية الإسرائيلية مصدومة من العمليات الاستشهادية للفلسطينيين، والتي وصلت إلى عمق الأراضي المحتلة.
ووفقاً للقناة الـ14 الصهيونية، فقد بلغ عدد القتلى الصهاينة في هذا العام 29، وهو رقم قياسي منذ 2005، ما يؤكّد الفشل الإسرائيليّ الذريع في فلسطين وبالأخص الضفة الغربية ونجاح تكتيكات المقاومة هناك وعلى كل الصعد، حيث فقدت "إسرائيل" السيطرة في الضفة الغربية، كما أن القوات الإسرائيليّة بوضعها اللوجستي الحاليّ، غير مستعدة للقتال في الضفة الغربية، فعقب سنوات من التحذيرات التي لم تصغ لها حكومة العدو على المستويين الداخليّ والخارجيّ، يتحدث الإسرائيليون أنّهم باتوا جميعًا "تحت الحصار"، أي انتقال عمليات إطلاق النار من شمال الضفة إلى داخل “الخط الأخضر”، وإقدام خلايا المقاومة التي تنشط في جنين ونابلس، بتنفيذ عمليات داخل المدن التي تعج بالمستوطنين، وخاصة في ظل اعترافات مصادر أمنية بأن المسؤولين الصهاينة لا يملكون حلولا كبيرة لمواجهة هذا التهديد الذي يتم التعامل معه كما يجري التعامل مع تهديد عمليات الطعن والدهس، والدليل أن جيش العدو في الأسابيع الأخيرة بدا بالفعل غير قادر على السيطرة على الوضع مع انتشار موجة المقاومة في جميع أنحاء فلسطين المحتلة.
كذلك، أكّدت إذاعة الجيش الصهيوني هذه المعلومات في تقرير منفصل وأعلنت أن عدد الصهاينة الذين قتلوا نتيجة العمليات الفلسطينية وصل إلى أعلى رقم منذ عام 17 عاماً، باعتبار أن المقاومة الفلسطينيّة بالضفة المحتلة أخذت منحى تصاعديّاً مختلف عن كل ما شهدته المنطقة وبوسائل مختلفة وصادمة للقيادة الأمنية والعسكريّة للكيان الإسرائيليّ، مع تصاعد المخاوف الإسرائيلية أكثر فأكثر من تدحرج كرة اللهب، في ظل زيادة التحذيرات للكيان من قبل ضباطه وخبرائه العسكريين ذوي الخبرة، من عدم جهوزيته لمعركة محتملة متعددة الجبهات، وضعف جهوزية الجيش الإسرائيلي للقتال.
وبالتزامن مع الوضع السيء لجيش الاحتلال الإسرائيليّ وبالأخص من الناحية اللوجستية، ومن ناحية ظروف الخدمة العسكرية، إضافة إلى الوضع المزري لسلاح الاحتياطيين، ثمة خلل جوهريّ من ناحية عدم المحافظة على الدافعية في جيش الاحتياط، والاستجابة الضعيفة في مجال الطب العسكريّ، وقوائم الغذاء الفقيرة والكميات القليلة وغير الكافية، والأوقات المخصصة للتدريب لا تكفي المقاتلين الموجودين على جبهة النشاطات العملانية، وهذا كله غيض من فيض الوضع الراهن للجيش الإسرائيلي، وهذا ما توثقه الكثير من الإحصاءات التي تعج بها تقارير موثقة.
خطوة إسرائيليّة فاشلة
دليل آخر على فشل القيادات الأمنيّة والعسكريّة الإسرائيليّة في احتواء الأوضاع، يكمن في قرار الكيان الصهيوني بناء جدار بطول 100 كيلومتر شمال الضفة الغربية، ما يعني أن "إسرائيل" لم تفهم حتى اللحظة أنّه كلما زادت من اعتداءاتها وتدنيسها للمقدسات كلما زادت المقاومة في الضفة الغربية، والحل لا يتوقف على بناء جدار هنا أو هناك، حيث إنّ تصاعد المقاومة المسلحة في الضفة الغربية وصل إلى هذا الحد بعد أن شعر الأهالي بأنّ العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن لا يمكن أن تتغير، وواهمٌ من يظنّ أنّ الفلسطينيّ يمكن أن يرفع أمام الصهاينة الراية البيضاء، مهما بلغت التضحيات، كما تقول الوقائع.
وبالاستناد إلى ذلك، يعيش المجتمع الإسرائيليّ حالة غير مسبوقة من الانقسام والضياع بسبب الثقة المفقودة بحكوماته الفاشلة في إدارة أيّ أزمة على الصعيدين الداخليّ والخارجيّ، فيما يعيش العدو الصهيونيّ الغاصب مرحلة من الهزائم المتتاليّة، وبالأخص بعد الحرب الهمجيّة الأخيرة التي شنّتها الآلة العسكريّة للكيان على الضفة الغربيّة، والتي تركت تل أبيب وقياداتها على كل المستويات في صدمة من نتائج تلك المعركة الصعبة بعد الرد الحازم لأبطال المقاومة الفلسطينيّة الجدد والتي تتصدر مجموعة "عرين الأسود" اسمهم في الوقت الحاليّ، وتأتي تلك الأنباء الإسرائيليّة لتعبر بوضوح عن حجم الغضب والرعب الصهيونيّ من الانتصارات الفلسطينيّة والتي كان شبان المقاومة اليافعين أبطالها بامتياز.
وإنّ أكثر ما يجب على "إسرائيل" التي خسرت جمهورها الذي جلبته من أصقاع الأرض بنسبة كبيرة، والتي حُصرت في دائرة النار التي أشعلتها على التراب الفلسطينيّ، أنّه كلما عمدت قوات العدو على استخدام القوة المفرطة للقضاء على حالة المقاومة بالضفة الغربية، كلما قلب السحر على الساحر وانعكس ذلك بشكل مباشر على حالة المقاومة، فالكيان الإسرائيليّ ومن يدعمه ويقف معه من عصابات صهيونيّة أو دول أو حكومات عولوا دائماً على دمويّته المفرطة، لتبقى الضفة عنوان المرحلة القادمة التي ستغير كل المعادلات على الساحة الفلسطينيّة المستعمرة من العصابات الصهيونيّة وبعض المتخاذلين، وإنّ تطور أساليب المواجهة والمقاومة في الضفة الغربية، وتأكيد الوقائع أنّ الاحتلال بدأ يفقد السيطرة باعتراف وسائل الإعلام العبرية، لا يعني فقط أنّ إسرائيل فشلت في ضبط إيقاع الساحة الفلسطينيّة فقط، بل يعيش مجتمعها ترنحاً لم يشهده في وقت سابق في مواجهة المقاومة، فالعمليات المسلحة في المنطقة تطورت وتصاعدت بشكل كبير وبصور متعددة، ولا مجال للعودة خطوة للوراء.
إذاً، وبينما أصدر جيش الكيان الصهيوني أمراً برفع مستوى اليقظة في صفوف قواته في الضفة الغربية، يرتفع احتمال حدوث عملية جديدة، ما يعني أنّ الإجراءات الأمنيّة بدافع قلق ورعب كبيرين، حيث يبدو الإنزعاج الإسرائيليّ واضحاً من تغير المعادلات بشدّة في الساحة الفلسطينيّة، رغم أنّهم لا يشيرون إلى أنّ مجموعة قوامها نحو عشرات الفدائيين الشباب في الضفة، استطاعت احتجاز "إسرائيل" ومستوطنيها كرهائن، لكن الخوف الأكبر بالنسبة لهم في هذا المرحلة، هو ما سيأتي بعد، والخشية الأكبر تتجسد في مواجهة جديدة لا تجيدها عصابات الاحتلال التي تسعى لإبادة شعب بأكمله وسلب أرضه أمام أعين العالم.