الوقت_ عاد ملف تبادل الأسرى بين الكيان الإسرائيليّ وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" إلى الواجهة من جديد، حيث كشف موقع “واي نت” العبري، مؤخراً، أن ما يسمى منسق شؤون الأسرى والمفقودين الصهاينة يارون بلوم، الذي أُعلن عن استقالته من منصبه، قاد تحركاً سريّاً الشهر الفائت لإتمام صفقة تبادل أسرى مع حماس، لكن الحركة رفضت المقترح بشكل تام، كما ورفض كبار المسؤولين في حكومة العدو المصادقة على المقترح بسبب اقتراب الانتخابات، في وقت ينتهك فيه العدو الصهيوني المجرم القانون الدولي ويغض الطرف عن تنفيذ مطالب الفلسطينيين المحقة، إضافة إلى استمرار التعنت الإسرائيلي في ربط القضايا ببعضها لعرقلة حل ملف الأسرى الفلسطينيين بتسوية قضية أسرى الجنود الصهاينة الأربعة لدى حماس التي أكّدت مراراً أن الأسرى الإسرائيليين لن يروا النور إلا بعدما يرى الأسرى الفلسطينيون الحرية.
صفقة فاشلة
تتحدث المعلومات أنّ الصفقة الإسرائيليّة كانت تشمل جلب جثامين الجنديين هدار غولدن وأورون شاؤول، وإطلاق سراح إفراهام منغستو، وهشام السيد، وهذا كان مُجرد اقتراح لإنهاء المفاوضات بشكل ناجح، لكنّه رُفض على المستويين الفلسطينيّ وحتى من جهة الاحتلال، على الرغم من أنّ حماس كانت دوماً جاهزة لصفقة تبادل الأسرى بعكس تل أبيب وحكوماتها المخادعة، حيث ترفض القيادة الصهيونيّة منذ سنوات حل تلك المسألة رغم مزاعهما المتناقضة، ولم تمانع المقاومة الفلسطينية منذ الأساس في السير ضمن خط الصفقة تلك والإفراج عن الأسرى، أسلوب الخداع الإسرائيليّ مستمر لهذ اللحطة.
وتشير الأنباء إلى أنّ المباحثات جرت بوساطة مصريّة وأطراف أخرى، على افتراض أن حماس في الوقت الحالي لها مصلحة في إنهاء قضية الأسرى والمفقودين، وأنّ المفاوضات بدأت قبل أقل من 6 أسابيع، وشاركت عدة أطراف بإقناع الحركة، لكن زعيم حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار ، أصر على مطالبته بأن تفرج سلطات العدو عن مئات الأسرى الفلسطينيين ولم يكن على استعداد لتغيير موقفه، فيما تزعم تل أبيب أنّهم من “الملطخة أيديهم بالدماء”، ويعلم الجميع حجم المعاناة التي يعيشها آلاف من الأسرى الفلسطينيين داخل سجون العدو الغاشم، بدءاً من ظروف الاعتقال الصعبة والحياة المقيتة داخل الزنازين المكتظة بالأسرى، إضافة إلى الانتهاكات الجسيمة بحقهم.
ومن الجدير بالذكر أنّ قيادات استخباريّة وعسكريّة صهيونيّة تعتبر السنوار "خطراً حقيقياً على مستقبل إسرائيل"، وأن إطلاق سراح هذا الرجل من السجون الإسرائيلية تسبب في تغييرات جذرية على الساحتين الفلسطينية والإقليمية بطريقة ليست في صالح الكيان، وذلك بعد أن وصف العدو الصهيونيّ المجرم رئيس المكتب السياسيّ لحماس في القطاع بالذكيّ والمر الذي حقق للحركة إنجازات غير مسبوقة باستخدام أبسط الأدوات، كما أنّ الإسرائيليين يعتبرون أنّ السنوار يتلاعب بهم، ويشددون على ضرورة اغتِياله حتّى لو جاء ذلك على حساب خوض حرب، وفي تقارير أخرى أشار الإعلام العبريّ إلى أنّ ما فعله رئيس حركة "حماس" من إنجازات في غزة، يُشكل صفعة قاسية على وجه كيان الاحتلال، ما يعني أنّ خيار السنوار الحاليّ هو بلا شك في مصلحة الأسرى الفلسطينيين.
وقد نوّه الموقع العبريّ إلى أنّ هذه الجولة لمنسق شؤون الأسرى والمفقودين الصهاينة يارون بلوم، كانت مجرد واحدة من عدة جولات من المفاوضات والمبادرات السرية التي قادها، أو كان جزءًا منها، وخلال فترة عمله التي امتدت لحوالي خمس سنوات، ولكن المبادرة الأخيرة أصابته بخيبة أمل كبيرة للغاية ما دفعه لتقديم استقالته، وخاصة مع قرب انتهاء عقد عمله نهاية الشهر الجاري، وذلك لمنع الدخول في عملية قانونيّة تسمح بتمديد ولايته.
خداع إسرائيليّ
على أساس ما ذُكر، يُظهر الكيان الصهيونيّ المُخادع عدم جديّتة في التعاطي مع هذه القضايا الحساسة وعدم اهتمامه بجنوده ورفات قتلاه، ناهيك عن حجم المعاناة التي يعيشها الكيان المتخبط والذي يولي مسؤولوه اهتماماً كبيراً لمصالحهم الحزبية على مصلحة كيانهم المتهالك، حيث يمنعون اتخاذ قرار كهذا خوفاً على مصالحهم الشخصيّة والحزبية، ليرموا المهمة إلى الحكومات المتعاقبة، ولا يخفى هذا الأمر على الفلسطينيين الذي يدركون طريقة تفكير عدوهم جيداً، وقد شاهدنا موقفهم الثابت مقابل لغة التهديد والوعيد الإسرائيلية التي استمرت لسنوات، ولم تنفع مع المقاومة والفلسطينيين الذين يعلمون حجم المساعي الصهيونية لتدمير حياتهم، لكن الإسرائيليين كانوا وما زالوا يضعون العصي في دواليب سير ذلك الملف إضافة إلى عقبات وشروط طويلة ومقعدة لشل الصفقة ومنع التوصل لأرضية مشتركة تبنى عليها أي مفاوضات جادة وحقيقية، وهذا ما تثبته تسريبات المفاوضات السريّة.
وبالتالي، إنّ تعنت الحكومة الإسرائيليّة وعدم رغبتها في الاتفاق لحل هذا الملف الشائك، بشكل واضح وجليّ أن الصهاينة لا يرغبون بحصول صفقة لتبادل الأسرى باعتبارها ستؤدي إلى حلحلة في باقي الملفات، ولهذا قررت حكومات العدو العنصري المتعاقبة تجميد ملف الأسرى كي لا تدفع ثمن تنازلاتها أمام مطالب حماس وفصائل المقاومة، رغم تحريك هذا الملف في السنوات الماضية من قبل الوسطاء وبالأخص مصر عبر إجراء اتصالات ولقاءات من أجل ذلك، ناهيك عن تسليط الضوء على هذا الملف عقب الفضيحة الأخيرة التي جرت مع انتزاع الأسرى الستة حريتهم من سجن "جلبوع" الأمنيّ وإلقاء القبض عليهم بعد أيام من البحث والمطاردة.
خلاصة القول، إنّ مطالب حركة حماس مُحقة وواضحة للغاية، فقد شدّدت مراراً على أن إبرام صفقة تبادل للأسرى بين الجانبين، لا بد أن يؤدي إلى رفع الحصار بشكل كامل عن غزة وربطها بأوضاع القدس والضفة، والسماح بعملية إعادة الإعمار، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين المطروحة أسماؤهم، لكن خداع تل أبيب في تعهداتها ووضعها العقبات تلو الأخرى، يجعل من غير المتوقع أن تتم الصفقة في بشكل قريب، حيث إن السياسة الإسرائيلية كانت وما تزال تدور حول شرط واحد "إما الرضوخ لمطالبنا أو عيشوا تحت رحمتنا"، وحماس تدرك جيداً أن العدو لم يكن في يوم من الأيام واضحاً في نواياها، ففي بعض الأوقات تتقدم تل أبيب خطوة أو خطوتين للأمام وتتراجع للخلف خطوات عدة، وتهدف من ذلك الأسلوب القذر ربما إلى خداع الصهاينة وتحقيق المصالح الحزبيّة أو محاولة الوصول لمعلومات حول جنودها في غزة دون الاضطرار لدفع أي ثمن، بينما تعج سجون العدو بآلاف الأسرى الفلسطينيين بينهم عشرات الأسيرات ومئات القاصرات والمعتقلين الإداريين الذين يعيشون أسوأ وضع إنسانيّ.