الوقت - الحكومة الأمريكية التي فشلت في تركيع الحكومة السورية وعزل هذا البلد لأكثر من عقد من الزمن، من خلال إنشاء وتسليح ودعم الجماعات التكفيرية والإرهابية، تستهدف القوة الاقتصادية لهذا البلد من خلال تمرير القانون المناهض للإنسان المعروف باسم قانون قيصر.
في ديسمبر 2019، وافق نواب مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون قيصر، ووقع عليه الرئيس دونالد ترامب في 20 ديسمبر 2019، وتقرر العمل بهذا القانون اعتبارًا من يونيو 2020.
منذ عام 1979، عاقبت أمريكا سوريا عدة مرات لأسباب مثل دعم الإرهاب واحتلال لبنان والبرنامج الصاروخي وجمع أسلحة الدمار الشامل. ومنذ عام 2011، مع اندلاع الحرب الأهلية السورية، مدّد الرئيس الأمريكي باراك أوباما هذه العقوبات.
ومع ذلك، فإن عقوبات قانون قيصر أكثر صرامةً وشموليةً، وتطبق عقوبات ثانوية ضد حلفاء الحكومة السورية أيضًا.
ما هو قانون قيصر؟
يعاقب هذا القانون الحكومات والشركات والأفراد الذين يقدمون بشكل مباشر أو غير مباشر مساعدات مالية وعسكرية للحكومة السورية، أو يعملون في مجالات النفط والغاز الطبيعي والطائرات العسكرية والبناء في هذا البلد.
وإضافة إلى ممارسة الضغط على القطاعات الرئيسية للاقتصاد السوري، يستهدف قانون قيصر أيضًا التجارة الخارجية والبنك المركزي في البلاد.
وفيما وعدت أمريكا اللبنانيين العام الماضي بأنها ستوفر الظروف لنقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية إلى لبنان بهدف حل أزمة المحروقات في هذا البلد، ولكن ليس فقط لم تتخذ أي إجراء عملي في هذا الصدد، بل مع تعديل جديد لـ "قانون قيصر" (العقوبات الأمريكية على سوريا)، أغلقت عملياً الطريق أمام أي نقل للطاقة عبر الأراضي السورية إلى لبنان.
وأفادت مصادر مطلعة في هذا المجال، بأنه بينما يستمر قانون قيصر والعقوبات الأمريكية الجائرة على سوريا، فإن أهل هذا البلد يخضعون لحصار خانق، وتحاول أمريكا والغرب إجبار الشعب السوري على مغادرة بلدهم.
وفي هذا الصدد، اقترح بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي تعديل قانون قيصر ضد سوريا لعام 2023، ووفقًا لمسودة هذا التعديل، فإن أي صفقة تجارية تتعلق بالغاز الطبيعي أو الكهرباء أو مصادر الطاقة الأخرى ذات الفوائد المالية للحكومة السورية بأي شكل من الأشكال، تخضع للعقوبات.
وحسب هذا التعديل، الذي يجب أن يوافق عليه مجلس الشيوخ، فإن قانون قيصر ينص على معاقبة أي جهة تدعم الحكومة السورية بأي شكل من الأشكال، والرئيس الأمريكي ملزم بفرض عقوبات على جميع الدول المتحالفة مع سوريا.
تشمل هذه العقوبات جميع الأطراف التي تقدم الدعم المالي والعسكري والتقني وما إلى ذلك للحكومة السورية. وتشمل العقوبات المذكورة أيضًا الدول والأفراد والشركات التي تشارك في إعادة إعمار سوريا.
التعديل الجديد لقانون قيصر يقطع أيضًا مسار نقل الطاقة من مصر والأردن عبر الأراضي السورية إلى لبنان؛ بينما وعدت أمريكا، على لسان سفيرتها في بيروت، دوروثي شيا، العام الماضي بأنها ستنقذ شعب لبنان بنقل الطاقة من مصر والأردن. لذلك، فإن التعديل الجديد لقانون قيصر يثبت زيف وعود أمريكا بمساعدة اللبنانيين بعد أكثر من عام.
تشهد سوريا منذ عام 2011 توسعًا في الأنشطة الإرهابية التي تدعمها بعض الدول الغربية والعربية والکيان الصهيوني، وخلال هذه الفترة فقدت السياحة فيها كإحدى طرق الدخل في هذا البلد، کما خضعت موارد النفط والغاز لهذا البلد كمصدر آخر للدخل، لاحتلال الأمريكيين والإرهابيين في شرق وشمال شرق البلاد.
قبل أزمة 2011، كانت سوريا واحدةً من الدول العربية في المنطقة ذات الازدهار الاقتصادي المرتفع، وکان يتم تصدير العديد من السلع الزراعية، بما في ذلك القطن والجلود والصناعات الغذائية، بحصة 46٪ من اقتصاد البلاد، إلى دول مختلفة في العالم، بما في ذلك أوروبا.
كما تقدمت الصناعات الدوائية الضخمة في هذا البلد إلى درجة تصدير الأدوية المصنوعة في سوريا إلى 56 دولة، إضافة إلى تلبية الاحتياجات المحلية. ولكن في السنوات الأخيرة انخفضت هذه الأنشطة بشكل كبير، ودُمرت أجزاء منها تمامًا، أو إذا كانت نشطةً فإنها ليست مزدهرةً للغاية.
يهدف تعديل قانون قيصر إلى تكثيف الضغط والحصار على سوريا، ومعاقبة الشعب السوري على وقوفه في وجه الغطرسة الأمريكية. تسيطر الولايات المتحدة على حقول الغاز والنفط السورية شرق الفرات، وأقامت قواعد عسكرية هناك. کما تواصل واشنطن نهب نفط سوريا وحبوبها.
والمثير للدهشة أن الدول العربية ترافق أمريكا في هذا الحصار القاسي. فهم لا يعارضون رفع هذه العقوبات فحسب، بل يعرقلون أيضًا طريق عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
تواجه سوريا حالياً نقصاً حاداً في الكهرباء والغاز والطاقة. وبصرف النظر عن ذلك، فإن نقص الحبوب يزعج السوريين بشكل خطير، لأن معظم الأراضي الخصبة يحتلها الجيش الأمريكي.
کذلك، يواجه السوريون نقصًا في النفط والغاز عشية الشتاء. وهذا القرار القاسي واللاإنساني لا يطال السوريين فقط، بل يمتد إلى اللبنانيين أيضًا. هذا في حين أن أمريكا وعدت العام الماضي على لسان سفيرتها في بيروت دوروثي شيا، بأنها ستنقذ شعب لبنان بنقل الطاقة من مصر والأردن.
العامل الأول والأهم لتأثير قانون قيصر علی الاقتصاد السوري وبعض الدول المجاورة، هو الطبيعة العابرة للحدود الوطنية للقانون المذكور، والذي يشمل، إضافة إلى سوريا، دولًا تقدم مساعدات لدمشق أيضًا. ولهذا، فإن لبنان من البلدان التي أثّر هذا القانون على شؤونه الاقتصادية، بسبب وجود الرأسماليين السوريين في العقد الماضي وأنشطتهم التجارية في لبنان.
وهذا دليل آخر على نكث أمريكا بوعدها وعدم جدية وعودها. وذنب الشعب السوري وحکومته وجيشه أنهم صمدوا في وجه المؤامرة الأمريکية.
في الحرب العسكرية، تنخرط أجزاء معينة فقط من البلاد في مشاكل الحرب، ولكن في الحرب الاقتصادية، إضافة إلى الأجزاء العسكرية، ينخرط الشعب بأکمله، وتأثيرات ومشاكل مثل هذه الحرب تؤثر على جميع الناس تقريبًا، ولها تأثير سلبي على حياة كل فرد.
ومن وجهة نظر أمريكا، فإن اللجوء إلى مثل هذا الأسلوب يمكن أن يحقق بعض أهداف واشنطن بعد عقد من الجهود في مختلف المجالات، وخاصةً في المجال العسكري، وبعد إخفاقات أمريكية مختلفة في سوريا وإنفاق الكثير من المال، لإعادة مصداقية واشنطن المفقودة.
ما سبب كل هذا الضغط الأمريكي على سوريا؟
رداً على هذا السؤال، لا بد من الإشارة إلی موقف دمشق من الكيان الصهيوني ومعارضة أي تطبيع للعلاقات مع الكيان ودعم قضية فلسطين، وموقف الشعب السوري وقادته من المؤامرات والتحركات الغربية.
وفي مثل هذه الأجواء، اتخذت الولايات المتحدة قرارًا فيما يتعلق بأسباب فشلها في سوريا، والذي يشمل ويؤثر ليس فقط على سوريا ولكن أيضًا على جميع الأطراف المرتبطة بها بطريقة ما؛ ولكن يجب التأكيد على أن هذه الخطة الأمريكية ستفشل أيضًا.
بالنظر إلى نزوح قرابة ستة ملايين سوري في دول الجوار مثل لبنان، أكدت الحكومة السورية مرارًا استعدادها لعودتهم، بل إنها أعدّت ظروفاً وأرضيات داعمة في هذا الصدد.
لكن رعاة الإرهابيين يعتزمون استخدام هذه الأداة للضغط على الحكومة السورية، من خلال منع عودتهم التي تعتبر دليلاً على الاستقرار والأمن، لعلهم يتمكنون من الحصول على تنازلات في المشهد السياسي لبعض معارضي الحكومة السورية ودعمهم خلال المفاوضات، بالنظر إلی أن دمشق تمتلك اليد العليا بسبب الوضع الراهن.