الوقت- في الوقت الذي يناور فيه الصهاينة في قضية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، أعلن إلياس بوصعب نائب رئيس مجلس النواب اللبناني أن القادة اللبنانيين تلقوا رسالة من الجانب الأمريكي تتضمن مواقف إسرائيلية من التعديلات اللبنانية المقترحة على مسودة الاتفاقية. كما أعلن "نبيه بري"، رئيس مجلس النواب اللبناني، أن تحديات الإسرائيليين ومناقشاتهم حول انتخاباتهم لا علاقة لها بلبنان.
وأكد مصدر لبناني رسمي أن هذا البلد لن يقدم أي تنازلات للطرف الآخر في قضية الترسيم. وقال مسؤولون لبنانيون اجتمعوا مع الرئيس اللبناني ميشال عون أمس: "لبنان متمسك بموقفه الوحيد في قضية الترسيم، وهذا الموضوع ظهر بجلاء في رد فعل اللبنانيين على اقتراح المبعوث الأمريكي. كل الأطراف، وأمريكا على رأسهم، تعلم أنه من المستحيل المماطلة أكثر في قضية الترسيم، وهم يعلمون أيضا أن لبنان لا يهتم بتهديدات القادة السياسيين والعسكريين للعدو وأن معادلة لبنان في هذه الحالة ثابتة ونريد كل حقوقنا".
وفي حديث له، اطلع مصدر لبناني رسمي على الجهود الأمريكية للعمل على بعض بنود مسودة اتفاقية الترسيم وأكد أن أي محاولة لرفض طلب لبنان بإجراء بعض التعديلات على هذه المسودة ستفشل، وخاصة فيما يتعلق بـ " خط عائم "؛ لأن هذا الخط ليس له أي سمات قانونية، لا الآن ولا لاحقًا، وما يحدث الآن يتعلق فقط برسم حدود المناطق الاقتصادية وليس حدود الجانبين، كما أن للبنان الحق الكامل في قانا ومناطق اقتصادية أخرى وأنه لا ينتظر موافقة إسرائيل.
كما أفادت مصادر لبنانية بارزة، بأنه بعد المواقف الإسرائيلية الجديدة بشأن رفض التعديلات التي طلبها لبنان في مسودة اتفاق ترسيم الحدود، دخل الفرنسيون مباشرة إلى القضية. ووجّه المسؤولون الفرنسيون رسالة إلى نجيب ميقاتي، رئيس وزراء الحكومة اللبنانية المؤقتة، مفادها بأن إسرائيل لا تنوي تصعيد التوترات، لكن الأمريكيين يدعمون الإسرائيليين في موقف إسرائيل في التأكيد على دفع تعويضات مالية لتل أبيب. في الواقع، الولايات المتحدة وراء فكرة دفع التعويضات. ولقد وقفت مع إسرائيل حتى تتمكن حكومة يائير لابيد من استخدام هذا التعويض المالي في حملتها قبل انتخابات الكنيست، وإصرار الإسرائيليين على كلمة "التعويض" تؤكد أنهم يريدون التظاهر للرأي العام الإسرائيلي بأنهم نجحوا في الوصول إلى ساحة قانا.
من جهة أخرى، استعرضت بعض المصادر الاخبارية في تقرير كتبه الصحفي يحيى دابوق، تطورات ما يحدث وراء الكواليس في قضية ترسيم الحدود وجهود المؤسسات الأمنية الإسرائيلية لإنهاء هذه القضية. ومن جهة أخرى، فإن المناورات التي قام بها مؤخرًا مسئولون في هذا النظام، مثل رئيس الوزراء يائير لبيد، وحكومة إسرائيل المؤقتة ووزير الحرب في هذا النظام، بيني غانتس، ما هي إلا محاولات لاستقطاب الرأي العام للصهاينة، حيث كتبوا: "استغرق استكمال مسودة الاتفاق الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة عدة أسابيع، واضطر المبعوث الأمريكي عاموس هوكستين إلى التوجه إلى الجانب اللبناني لمنع تصعيد التوترات، والتأكيد على الاتفاق عن طريق التفاوض".
ووفقًا لهذا التقرير؛ فإن مشكلة يائير لابيد الكبيرة الآن هي أنه تم التوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود عشية انتخابات الكنيست الإسرائيلي، ما دفع خصومه، بمن فيهم بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل السابق ورئيس حزب الليكود، إلى استخدام اتفاقية ترسيم الحدود مع لبنان كرافعة للضغط ضد لبيد. واتهم نتنياهو يائير لابيد وحلفائه بالخيانة والاستسلام لحزب الله وتجاهل المصالح الاقتصادية والأمنية لإسرائيل، وحرض الرأي العام الصهيوني ضد حكومة لبيد. وفي هذا الوضع انقسم الإسرائيليون إلى مجموعتين في حالة رسم الحدود مع لبنان، مجموعة واحدة تؤيد مواقف نتنياهو ومجموعة أخرى تؤيد يائير لبيد.
وفي غضون ذلك، أصبح وضع لبيد وحكومته سيء للغاية. يشار إلى أن يائير لبيد خضع لأمر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي أرادت منع تصعيد التوترات مع حزب الله. ومن ناحية أخرى، حاول عاموس هوشستين، وهو من أصل إسرائيلي وكان في جيش هذا النظام، تعديل مسودة الاتفاقية حيث تبدو جذابة للبنانيين وفي نفس الوقت تمنع تصعيد التوترات مع حزب الله، ووفقًا لذلك، تنص مسودة الاتفاقية على أن لبنان يمتلك جميع المناطق التي كان في صراع مع إسرائيل (فلسطين المحتلة) على مدار الـ 12 عامًا الماضية، من الشمال إلى الخط 23، كما سيتم تسليم ساحة قانا إلى لبنان. لكن إسرائيل ستحصل على تعويض مالي من شركة توتال، وستتسلم فرنسا المسؤولة عن التنقيب عن لبنان حقل قانا.
لكن البعض في لبنان حذر من أن المسؤولين في البلاد يجب أن يتوخوا الحذر والضغط على الجانب الأمريكي لتنفيذ الإصلاحات التي يريدونها في مسودة اتفاقية ترسيم الحدود. وفي المقابل، لا يريد الإسرائيليون إنهاء المفاوضات في هذه الحالة على الرغم من المواقف التي طرحوها في رفض مطالب لبنان في مسودة الاتفاق. بالطبع، من الناحية العملية، فقد الإسرائيليون زمام المبادرة في قضية ترسيم الحدود وخياراتهم محدودة للغاية، مما يفيد لبنان بلا شك. وفي الواقع، منعت هذا العرقلة التي جاءت من قبل الصهاينة في طريق الاتفاق، لبنان من الوقوع في فخ البنود المشكوك فيها من مشروع اتفاقية الترسيم، وأصبح اللبنانيون لديهم المبررات اللازمة لمعارضة البنود التي تتعارض مع مصالح هذا البلد.
لكن أهداف الصهاينة في رفض التعديلات التي طلبها لبنان في مسودة اتفاقية الترسيم يمكن تحليلها على النحو التالي:
- مواقف القادة الصهاينة خلال الأيام الماضية أرجأت عمليا توقيع الاتفاق في قضية الترسيم بين لبنان وفلسطين المحتلة، وبالتالي أمام الإسرائيليين أسابيع قليلة لتغيير بنود مسودة الاتفاقية قدر المستطاع في بالطريقة التي تضمن مصالح هذا النظام. وبناءً على ذلك، سيتم أيضًا تأجيل عملية استخراج الغاز من حقل كاريش ويمكن للصهاينة أن يشعروا بأنهم في مأمن من تنفيذ تهديدات حزب الله.
- يائير لبيد يمكنه أن يكسب مؤقتًا سلسلة من المنافع الشخصية لنفسه ولحكومته عشية انتخابات الكنيست، ولن يتهمه الإسرائيليون بخيانة حزب الله والاستسلام له، وبالتالي الوقوف ضد نتنياهو.
لكن ماذا سيحدث بعد هذه العراقيل التي يواجهها الكيان الصهيوني في طريق اتفاق الحدود؟
من الواضح أن عاموس هوشستين لن يحاول إبعاد إسرائيل عن مواقفها، ولكن انسجاماً مع مواقف هذا النظام، سيحاول إقناع الجانب اللبناني بعدم الدخول في توتر وصراع مع تل أبيب. المبعوث الأمريكي سيحاول أيضًا وضع الكرة في ملعب لبنان والتوصل أخيرًا إلى اتفاق يسعد الإسرائيليون به.
لكن في هذا الوضع، فإن أهم عنصر لقوة اللبنانيين هو الوحدة والتمسك بمواقفهم الموحدة في حالة ترسيم الحدود البحرية، وعليهم الحفاظ على نفوذ ضغطهم على العدو. ما لا شك فيه أن العامل الذي دفع الإسرائيليين وخاصة المؤسسات الأمنية لهذا النظام للاستسلام لمطالب لبنان في قضية ترسيم الحدود في الفترة الأخيرة والتراجع إلى حد كبير عن مواقفهم هو قوة المقاومة ووحدة الجبهة والشعب اللبناني، وإذا تغير سلوك المسؤولين اللبنانيين في المرحلة الجديدة وقاموا بالاستسلام لشروط أمريكا، واسترضاء واشنطن وتل أبيب، فإن هذه القضية ستكون لها عواقب سلبية على لبنان قبل الاتفاق وبعده.