الوقت- صوت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية تحديدًا بدأ يسمع في أنحاء العالم وبات الجميع يحسب حسابًا للمقاومين الفلسطينيين، وكان آخرهم موقع أوريون 21 الاخباري الفرنسي (OrientXXI) والمختص بشؤون الشرق الأوسط، حيث أكّد أن الاجتياحات العسكرية لكيان الاحتلال الإسرائيلي في مدن وبلدات الضفة الغربية تواجه مقاومة فلسطينية مسلّحة يقودها شباب لا ينتمون لأي حزب أو تنظيم. واعتبر أن شأن أفعال المقاومة هذه أن تعيد رسم الواقع السياسي في الضفة الغربية، في مواجهة السلطة الفلسطينية التي تقف دون حراك أمام تحركاتهم في وجه الة الحرب الاسرائيلية، حيث يمنعون جيش الاحتلال من التحرك براحته في مدن وبلدات الضفة ويتصدون له ويشتبكون معه بشكل دائم.
الأشهر الماضية ولاسيّما منذ استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة، استحوذت الضفة الغربية على اهتمام إعلامي واسع سواء عربي أو إسلامي أو غربي أو حتى داخل كيان الاحتلال، والجميع توصل إلى قناعة بأن انفجارًا كبيرًا قد يحدث نتيجة الانتهاكات الإسرائيلية فيها والتي تتواصل دون توقف، وهو ما أدى لأن تتصاعد التحذيرات في كيان الاحتلال ولاسيّما الأوساط الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية التي حذرت من خسارة الاستقرار في الضفة الغربية. وهو ما دفع مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى لعقد لقاءات خاصة حول هذه المسألة مع مستشار الأمن القومي في كيان الاحتلال وذلك إلى جانب وشخصيات عسكرية في الكيان. وكل هذا حدث بسبب تنامي واتساع مساحة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وخصوصًا المسلحة، والتي قد تؤدي في النهاية إلى مواجهة شعبية واسعة في الضفة الغربية. هذه المخاوف تُرجمت على الأرض عبر مداهمات واعتقالات واغتيالات تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل شبه يومي منذ الشهر الرابع من هذا العام، وهذا الأمر لم يتم منذ نحو اثنين وعشرين عامًا وتحديدًا مع ما سُمي بعملية "السور الواقي" عام 2000، التي أعاد فيها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي السابق أرئيل شارون، اجتياح مدن الضفة وحاصر رئيس السلطة الراحل ياسر عرفات في مقره في رام الله. ومنذ ذلك الحين وحتى العام الماضي شهدت الضفة الغربية هدوءًا نسبيًا بالرغم من بعض عمليات المقاومة إلا انها بقيت هادئة بشكل نسبي، ولكن كل ذلك بدأ ينهار بفعل المقاومة الفلسطينية الفردية، وهو ما يجعل الضفة على أعتاب مرحلة مختلفة ذات بصمة خاصة، قد يقود انفجارها المرتقب إلى تحوّل عميق في الواقع السياسي السائد والمهيمن منذ ثلاثة عقود.
طوال العقود الماضية لم تغيب المقاومة بمختلف أشكالها عن الضفة الغربية، أي منذ اتفاق أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية، حيثُ شَهَدَ عقد التسعينيات عدة انتفاضات شعبية، كما تمثّلت المقاومة بشكلها المسلح آنذاك في نمط العمليات التفجيرية في عمق الأراضي المحتلة، وخاصة من قبل حركة حماس، ثم جاءت المواجهة الأكبر والأشمل المتمثلة في الانتفاضة الثانية والتي شاركت فيها كل القوى السياسية بما فيها حركة فتح والقوى الأمنية للسلطة الفلسطينية. وبعد إنتهاء هذه الانتفاضة ساد الهدوء عدة سنوات، لكن سرعان ما عادت التحركات الشعبية من جديد، تحديدًا بعد عام 2011، وقد ظهر معها هذه المرة نمط العمليات الفردية التي اطلق كيان الاحتلال الإسرائيلي عليها اسم "عمليات الذئاب المنفردة" وسمتها المقاومة بعمليات (الاسود المنفردة). لم يأت ظهور العمليات الفردية من فراغ بقدر ما جاء لسدّ الفراغ الميدانيّ الذي خلفته الانتفاضة الثانية، حيث أُنهكت الأحزاب السياسية وتعرّضت لضربات موجعة واغتيالات بالإضافة إلى الشقاق الفلسطيني الفلسطيني.
يبدو مما سبق ان اتفاقية أوسلو بدأت تحتضر وهي على سرير الانعاش، وخصوصًا أن العقد الأخير شهد تحوّلات كبيرة أفقدت المنظومة القائمة وعلى رأسها السلطة الفلسطينية عناصر قوتها التي لطالما تمتعت بها في السابق، فأصبح من السهل على الشارع أن يلمس ضعف السلطة وهو أمر لا يخفيه الإعلام أبدًا، وخصوصًا أن أحد أهم ركائز وجودها هو ملف “حل الدولتين”، الذي فقد دعائمه على الأرض وخصوصًا في ظل سياسات كيان الاحتلال الإسرائيلي المتمثلة بالاجتياحات والاعتقالات والاستيطان الذي أكل معظم الأراضي التي تم الاتفاق عليها في أوسلو.
المقاومة المتواجدة اليوم في جنين ونابلس هي مقاومة شابّة مع رموز وقيادات شابًة أيضًا وتشبه أفرادها بعيدة كُل البُعد عن الخطابات الشعبوية الجماهيرية، وهذه المقاومة آخذة في استقطاب اهتمام الشارع الفلسطيني والاعجاب والثقة بها، أي بدأت تشكل لنفسها حاضنة شعبية. وهذا الأمر يهدد بقاء السلطة الفلسطينية وأمن كيان الاحتلال على حد سواء.