الوقت_ توجه المستشار الألماني أولاف شولتس إلى السعودية مؤخراً قبل أن يزور كلا من الإمارات وقطر في أول زيارة خليجيّة له محورها الأهم أزمة الطاقة الألمانية، في ظل انتقادات لحكومة شولتس التي أصدرت قراراً لحظر تصدير الأسلحة إلى السعودية، ناهيك عن تغييب ملف حقوق الإنسان الذي أثقبت برلين مسامعنا به، في وقت يسعى النظام السعوديّ المشهور بدكتاتوريّته الشديدة إلى كم الأفواه المطالبة بأبسط الحقوق، ويستخدم قانون "مكافحة الإرهاب" كغطاء للقمع الممنهج ضد السعوديين، مع غياب أيّ نية لحكام آل سعود بالسماح لأفضل وألمع المواطنين السعوديين بالتعبير عن آرائهم ذات التوجهات الإصلاحيّة، أو التوجه ببلادهم نحو التسامح والتقدم.
مع اقتراب فصل الشتاء، لا وقت لدى المسؤولين الألمان للتفكير بشعاراتهم الزائفة، والدليل زيارة المسؤول الألمانيّ البارز للدولة التي عادة ما تتعرض لانتقادات لاذعة من برلين في مجال حقوق الإنسان، كما أن تركيز المستشار الألماني خلال جولته الخليجية على الطاقة، أنساه بالفعل حقوق الإنسان والحريات، فمن المستبعد في السياسة أن تتطرق لمثل هكذا ملفات في ظل المساعي الألمانيّة لمواجهة أزمة الطاقة التي تعصف ببلاد كما هو الحال في باقي البلدان الأوروبيّة.
وبالتزامن مع البراهين التي لا حصر لها بشأن إجرام النظام السعوديّ بحق شعبه، تُصر السلطات السعودية على نفي ممارستها انتهاكات بحق المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، بما يخدم الملك سلمان وابنه ولي العهد، حيث حذّر نشطاء كُثر في مجال حقوق الإنسان من تلك الانتهاكات التي ستعززها الزيارة الألمانيّة للسعودية، وقد تحدثت الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، كاتيا فالبوش، مؤخراً، أنّه يجب على المستشار الألماني خلال زيارته للسعودية عدم البقاء صامتا حيال انتهاكات حقوق الإنسان هناك، حتى في ظل القيود الجيوسياسية وسياسة الطاقة، وإلا سيكون الهدف السياسيّ الذي تلزم الحكومة الألمانية به نفسها، والمتمثل في مواءمة السياسة الخارجية مع معايير حقوق الإنسان وسيادة القانون ببساطة "غير مصداقيّ" حسب توصيفها.
وبالاستناد إلى أنّ مملكة محمد بن سلمان المعروفة باستبدادها الذي تفوق على جميع دول المنطقة، دعا مركز الخليج لحقوق الإنسان إلى ضرورة أن يتخذ المستشار الألمانيّ موقفا خلال رحلته من هذا الملف، في ظل الاعتقالات التعسفية والتعذيب وكذلك الاعتقالات التي طالت مدافعين عن حقوق الإنسان بعد محاكمات صورية لاتهامات باطلة في منطقة الخليج، وعبر عن قلقه من أن تُستغل هذه الزيارة من قبل الدول الثلاث "للتستر على مزيد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان"، حيث يُعتبر المصير الوحيد لمن يُعبر عن آرائه هو إقامة دائمة خلف القضبان، لمجرد ممارسة حقهم المشروع في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، ما يجعلهم يخسرون سنوات طويلة من حياتهم لمجرد دعوتهم إلى التغيير والإصلاح في بلدان لا تعرف من الحرية حتى اسمها.
"إثارة موضوع حقوق الإنسان وحرية الإعلام، خلال زيارة المستشار الألمانيّ الخليجية"، هذا ما طالبت به منظمة مراسلون بلا حدود، مؤكّدة على أن يضع المستشار شرطا لعقد صفقات مع هذه الدول (السعودية والإمارات وقطر) وهو أن "على حكام هذه الدول التوقف عن قمع حرية الإعلام التي تعد ركنا أساسيا لدولة القانون"، حيث جعلت تلك الدول وبالأخص السعوديّة الوضع المُستبد أمراً واقعاً، حيث لجأت إلى قوانين وأحكام فضفاضة ومعقدة الصياغة، وخاصة في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائيّة وجرائم الإنترنت وغيرها من القوانين لاحتجاز الأفراد بشكل تعسفيّ ومحاكمتهم ومعاقبتهم، وساوت بين الأنشطة السياسية السلميّة والتهديدات لأمن الدولة، وفرضت قيوداً شديدة على التجمعات العامة والمظاهرات، وحظرت وحلّت المنظمات غير الحكوميّة المستقلة وحبست مؤسسيها، وجماعات المعارضة السياسيّة.
ومن الجدير بالذكر أنّ الحكومة الألمانية السابقة أوقفت إلى حد كبير صادرات الأسلحة إلى السعودية بسبب تورط المملكة في حرب اليمن، وكذلك بسبب جريمة قتل وتقطيع الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، ومع ذلك فقد سمحت برلين باستثناءات للمشاريع المشتركة مع دول أخرى، والتي تشمل طائرة مقاتلة من طراز "يوروفايتر" تم تصديرها إلى السعودية من قبل شركة "بي إيه إي سيستمز" البريطانية، وقد تضمنت تراخيص التصدير الصادرة عن الحكومة الألمانية في عامي 2020 و 2021 "أجزاء لطائرات مقاتلة ومحركات ومعدات أرضية" كانت على الأرجح مخصصة لـ مقاتلات "يوروفايتر"، كما وواصلت الحكومة الألمانية الحالية، المكونة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، حظر التصدير الذي فرضته الحكومة السابقة التي كانت تضم التحالف المسيحي والاشتراكيين، لكنها لم تستخدم الاستثناءات السارية حتى تاريخ كتابة هذه المقالة.
وبما بخص قطر، وافقت الحكومة الألمانية الراهنة على صادرات أسلحة بقيمة 20,7 مليون يورو منذ توليها السلطة، وأصدرت عشرة تصاريح بتصدير أسلحة للإمارات بقيمة 219 ألف يورو، وإن هذه التصاريح تتعلق بـ "بضائع لأغراض الصيد والرياضة والملاحة البحرية المدنية"، حسب وسائل إعلام ألمانيّة.
في الختام، إنّ قضية الطاقة بالنسبة لألمانيا وأوروبا في الوقت الحالي أصبحت أكثر أهمية بألف مرة من قضية حقوق الإنسان، وقد أعطيت المصالح من قبلهم أولوية تامة بما يضر قضايا حقوق الإنسان الأولوية، وهذا النهج المزدوج لتلك القضية سيجعل محمد بن سلمان يرتكب جرائمه بكل بساطة في المستقبل، تماماً مثلما حدث مع خاشقجي.