الوقت- تصدر المشهد التركي الأخير شاشات التلفزة والصفحات الأولى في الصحف المحلية والعالمية، وذلك بعد التصريحات التركية الأخيرة التي أدلى بها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو حول نية تركيا إعادة العلاقات على طبيعتها مع سورية، وخاصة أن هذا المشهد تبعه ردة فعل عكسية وقاسية على الأرض في المناطق التي تقع تحت جناح أنقرة والتي يقبع فيها جماعات مسلحة، وفي هذا الصدد أجرت مراسلة موقع الوقت الإخباري التحليلي مقابلة مع الكاتب والباحث السياسي الدكتور حسام شعيب تناولت فيها الجوانب التالية .
الوقت : ما هي أسباب هذا الانقلاب في الموقف بما يخص سياسة تركيا حيال سورية ؟
حسام شعيب: أسباب التحول التركي تجاه سورية ليست حباً بالشعب السوري وليست حباً بالقيادة السورية، لأن السياسة هي لغة المصالح، هي الفن الممكن، اردوغان يجيد اللعب على الحبال وهو يعي تماماً أنه أصبح في مأزق حقيقي وخصوصاً أن الانتخابات قادمة وهو يعلم تماما أنه أصبح في مأزق حقيقي وخصوصا أن الانتخابات القادمة ستكون له حاسمة إما في البقاء أو الرحيل وبالتالي هو بحاجة لإرضاء الغالبية من المعارضة التي تطالب بإنهاء الوجود التركي في شمال سورية وأيضا تطالب بإنهاء ورقة اللاجئين السوريين المتواجدين على أرض تركيا.
اردوغان الذي لم تنجح سياسة الابتزاز للاتحاد الاوروبي في ورقة اللاجئين السورين وهذه الورقة باتت عبئا وخصوصاً إذا تحقق أيضاً مشروع مليشيا قسد الارهابية بقيام دولة كردية في الشمال السوري وبالتالي ذلك سيشكل خطراً على الأمن القومي التركي وأيضا ما جعل التحول التركي تجاه سورية هو حالة شبه الإجماع غير المنسق بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وطهران وموسكو في رفض هذه الدول كافة قيام أي عملية عسكرية من طرف واحد وأنا أتحدث عن تركيا في مناطق الشمال السورية وبالتالي الظروف السياسية قد تغيرت قي المنطقة وهذا لا يصب في مصلحة اردوغان لذلك كان هناك تحول تجاه سورية وهذا التحول هو لإنقاذ اردوغان في المرحلة المقبلة في وصوله أو بقائه في سدة الحكم التركي.
الوقت: ما دور الاتفاق بين بوتين وأردوغان في اجتماع سوتشي بما يخص هذا الانقلاب؟
حسام شعيب: لا شك ان روسيا لعبت دورا مؤثرا ومهما في الضغط على اردوغان وتركيا للعودة او للتحول في المواقف تجاه سورية ولطالما كانت روسيا تراهن على عامل الزمن منذ عام ٢٠١٥ عندما ساهمت روسيا وأيضا ايران في كشف المؤامرة والانقلاب الذي قادته الولايات المتحدة الامريكية على اردوغان ولعل من نتائج الانقلاب الذي حصل حينها أن اردوغان اليوم بدأ يقتنع بوجهة نظر روسيا تجاه الحاجة إلى المصالحة مع دمشق وإنهاء الخلافات البينية وسحب القوات التركية من الشمال السوري لكن الأمر ليس بالهين ويحتاج الى اتفاقيات بين البلدين دمشق وأنقرة وأيضا المسالة معقدة وخصوصا أن تركيا دعمت جبهة النصرة ولكن الازمة الاوكرانية فرضت ذيولها وأرخت بستارها على المشهد العالمي اقتصادياً وسياسياً.
ولعل تركيا تريد أن تستفيد من هذا المشهد وبالتالي كانت هناك استجابة لمسألة الانفتاح على دمشق وخصوصاً أنه قد قيل في السياسة أنه من الممكن أن تعرف روسيا بالجزء الذي هو يتبع لليونان في جزيرة قبرص وهذا الاعتراف إن حصل من قبل روسيا رداً على وقوف اليونان الى جانب حلف الناتو والولايات المتحدة الامريكية في دعم اوكرانيا والوقوف ضد روسيا
بتقديري تكون تركيا قد حصدت ورقة تاريخية هذه الورقة لعلها ستغير مصير الانتخابات القادمة لصالح اردوغان وبالتالي هذه الورقة في المساومة ما بين الاعتراف بالقسم القبرصي اليوناني مقابل الانسحاب التركي من الشمال السوري وهذا أحد الاسباب التي قد سربت من ضمن الاتفاقيات الروسية التركية.
الوقت: ما هو دور الزيارة الأخيرة بين بوتين وأردوغان إلى طهران في هذا الأمر؟
حسام شعيب : القمة الثلاثية التي عقدت في طهران لا شك انها كانت مهمة وان كان عنوانها الاساس هو مسألة التنسيق بما يتعلق في الحرب الروسية الاوكرانية والجهود المبذولة بين الاطراف كافة لدول جوار تركيا في هذه الحرب ولا شك ان الملف السوري كان مطروحا في هذه اللقاءات وقد سمع الرئيس اردغان من الرئيس الايراني وأيضا من الرئيس الروسي رفضاً صريحاً وعلنياً للقيام بأي عملية عسكرية منفردة بها تركيا وبالتالي هذا الأمر لن يساعد تركيا تجاه تحقيق المشاريع العثمانية القديمة هذا جانب.
الجانب الآخر يبدو أن قمة طهران كان فيها شِق اقتصادي غير معلن بشكله الكامل في جُزء من الشِق الاقتصادي كان الحديث عن مسألة التفاهمات التركية الروسية بما يتعلق بوصول او بسماح خروج القمح الاوكراني من الموانئ الاوكرانية تجاه تركيا ومنها عبر العواصم المختلفة.
وقد لاحظنا بعد قمة طهران بيومين أو ثلاثة فعلا قد تم الاتفاق بين الروس والاوكرانيين بما يتعلق بمسالة القمح وهذا الاتفاق مدته حوالي ثلاثة أشهر أو اقل وهذا دليل على أن قمة طهران قد أتت بثمارها ونجحت فعليا واستطاعت أن تجلب تركيا نحو مصالحها في المنطقة وخصوصا لجهة التنسيق مع إيران وروسيا ومحاولة الابتعاد او إدراك تركيا بأن البقاء في الدائرة الأمريكية لم يعد نافعاً لها بقدر أن تكون هناك مواقف منسقة على الصعيد الاقتصادي والسياسي بين كل من إيران وروسيا مع تركيا.
الوقت: ما هو رد الحكومة السورية على هذا الموضوع في حال صدقت تركيا بهذا الأمر؟
حسام شعيب: الحكومة السورية لم ترد على تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو لأن اللقاء لا يستحق الكثير من التعليقات هو تحدث عن لقاء منذ عشرة أشهر دام فقط لدقائق قليلة حوالي ثلاثة او اربعة دقائق على هامش العشاء المقام لوزراء الخارجية لدول عدم الانحياز في حينها طلب وزير الخارجية التركي الحديث مع وزير الخارجية السوري الدكتور فيصل المقداد وهو صرح بذلك محاولاً أولا إعطاء انطباع للرأي العام ان تركيا مستعدة لتفاهمات مع سورية وتركيا تتوقع من هذا التصريح أن يكون هناك استجابة فورية من دمشق والملاحظ أن دمشق لم ترد أساسا على هذه التصريحات او لن تعلق عليها وسأقول لماذا لم ترد دمشق.
وثانياً إن هذا التصريح كانت الغاية منه هي محاولة إفشاء لقاء لعل وسائل الاعلام أو الكثيرين من متابعي السياسة لم يطلعوا عليه والغاية هي إعطاء انطباع لحلفاء سورية إيران وروسيا أن تركيا باتت مستعدة الآن للتفاهمات مع سورية أو للعودة إلى دمشق والتنسيق معها أيضا أو التطبيع معها وخصوصا أن تركيا باتت بحاجة لهذا التطبيع لحزب العدالة تحديداً ولكسب الأصوات الانتخابية.
أما دمشق لماذا لم تعلق حتى هذه اللحظة فإن دمشق معنية بالمواقف الأمنية والعسكرية وليست معنية بتصريحات إعلامية او بأحاديث سياسية هنا وهناك. وبالتالي ما يقرر أو ما يصور نوايا تركيا الصحيحة هي ما ستقوم به في الايام القادمة من جهة اما انسحابها بقواتها من الشمال السوري او من جهة التنسيق مع الدولة السورية امنياً وعسكرياً لهذا الانسحاب إضافة لكشف ملفات كثيرة لعل من أهمها مسألة الدعم للارهابين وكيف وصل هذا الدعم إضافة إلى العناصر الارهابية التي عبرت تركيا إلى سورية وأيضا وصول الامدادات اللوجستية إلى هؤلاء وهذا المهم بالنسبة لسورية قبل الحديث عن التطبيع او حتى عودة العلاقات لأنه لا قيمة للتطبيع ولا قيمة لأي حديث سياسي مالم يكون هناك انسحاب من كل الاراضي السورية التي تحتلها تركيا.
الوقت: ما هو موقف قسد في حال نجحت المساعي التركية في إعادة العلاقات الديبلوماسية بين تركيا وسوريا؟
حسام شعيب: موقف قسد حيال نجاح هذه المساعي التركية حتى اللحظة هو موقف فيه خيبة امل كبيرة وهو لعله سيستعين بالأمريكي لأن تركيا تشن بين الحين والأخر غارات عسكرية على مناطق الشمال السوري وبتقديري إن قسد أيضا تجد نفسها مضطرة للتعامل مع الدولة السورية وخصوصا أن دمشق لم تغلق أبوابها وستستعين بمؤسسات الدولة السورية للدفاع عنها في الشمال السوري لأن تركيا في حال بقيت قسد متمترسة بأفكارها ومواقعها وأيضا في حمل السلاح عسكرياً فإن تركيا ستزيد من قبضتها العسكرية، ولعلها ستزيد من هجماتها، وبالتالي المزيد من الدماء على الأراضي السورية .
قسد أصبحت الآن في وضع لا تحسد عليه وخصوصاً أن الأمريكي بات متفرجا عليها والمجتمع الغربي الذي كانت تعول عليه قسد قد تخلى عنها ولعل الوحيد الذي يمد يده نحوها هي الدولة السورية والتي هي أساسا مسؤولة عن حماية أبنائها من كل مكونات الشعب السوري بما فيه المكون الكردي المتواجد في مناطق الشمال السوري .
الوقت: ما هي نتائج هذا الاتفاق على مستقبل سوريا؟
حسام شعيب: نتائج الاتفاق على مستقبل سورية، لا شك أنها ستكون نتائج مهمة جداً في حال أنه قد حصل الاتفاق حتى اللحظة لا نستطيع أن نقول إن هذا الاتفاق قد حصل وبالتالي لا نستطيع أن نؤكد على وجود نتائج حقيقية النتائج الحقيقية هي في حال تم الانسحاب الكامل للقوات التركية ، فإن ذلك سيرغم أو سيضعف وجود القوات الأمريكية وأيضا القوات البريطانية والفرنسية وأيضا سيضعف ميليشيا قسد وأيضاً سورية الديمقراطية في المناطق الشمالية الشرقية وسيضعف جبهة النصرة وحلفاءها في مناطق ادلب وريفها ومناطق شمال حلب.
أيضاً سيضعف أولئك الذين يتحدثون على أنهم معارضة ويتخذون من مناطق الشمال السوري أو من الأراضي التركية منصات للنيل من الدولة السورية، وتبقى ورقة اللاجئين التي ستسقط بطبيعة الحال في هذا الاتفاق وبالتالي سنجد عودة غير مشروطة للاجئين السوريين نحو الأراضي السورية ونجد أن الكثير منهم كان يعول على تركيا على أنها ستكون المخلص والحامي وأيضا ستدعم مسألة الانفصال في مناطق الشمال السوري، كل ذلك الآن أصبح من الماضي وخصوصا أن المتغيرات السياسية الحاصلة في المنطقة في العموم وفي العالم قد فرضت على تركيا اتفاقاً أو تحولاً جديداً وهذا الاتفاق يجعل دمشق في مصب المنتصر ويجعل أو يكشف أن تركيا في مأزق سياسي واقتصادي كبير وهي بحاجة لهذا الاتفاق لأن ذلك أيضاً سيعود على تركيا بربح كبير على مستوى حزب العدالة وعلى مستوى أردوغان شخصياً إضافة إلى مسألة التنمية الاقتصادية التي ستشهدها تركيا في حال حصل هذا الاتفاق.