الوقت - استحوذت مسألة إمكانية بدء محادثات رسمية بين المسؤولين السياسيين في أنقرة ودمشق، على اهتمام وسائل الإعلام والمحللين الأتراك.
بعد أن تحدث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، شريك أردوغان في الائتلاف الحاکم، أي حزب العدالة والتنمية، عن هذا الأمر، جاء دور أحد مساعدي أردوغان للتأكيد علی ضرورة التواصل مع سوريا.
والآن تظهر الأدلة أنه على أعلى مستوى في قيادة حزب العدالة والتنمية، هناك رغبة وحماس كبيران لبدء الحوار بين أنقرة ودمشق. ومع ذلك، لم يعلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه ومستشاره الرئيسي والمتحدث باسمه، إبراهيم كالين، على هذا الأمر بعد.
من لقاء بلغراد إلى إحراق العلم الترکي في سوريا
تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، خلال الأيام الماضية، بشأن لقائه بنظيره السوري فيصل المقداد في بلغراد، تسببت في العديد من المواقف وردود الفعل.
وكان جاويش أوغلو قد قال إن على أنقرة أن تجري مصالحة بطريقة ما بين المعارضة السورية وحكومة بشار الأسد.
لكن هذا التصريح للدبلوماسي المؤسس لحزب العدالة والتنمية لم يعجب المعارضين السوريين، الذين قاموا بإحراق العلم التركي في مدن جرابلس وعفرين وإعزاز وعدة مناطق أخرى في سوريا بدافع الغضب، وأعلنوا أنهم ليسوا مستعدين لصنع السلام مع حكومة الأسد تحت أي ظرف من الظروف.
دولت بهجلي يدخل علی الخط
"دولت بهجلي" هو زعيم حزب الحركة الوطنية، وهو سياسي يميني متطرف ووطني متحمس اعتبر في السابق أردوغان مؤيدًا لتفكك تركيا وشريكًا للإرهابيين(حزب العمال الكردستاني). لكن منذ عدة سنوات، شكَّل الائتلاف الرئاسي مع أردوغان، وهو الآن يدعم استمرار سلطة أردوغان وحزب العدالة والتنمية.
زعم بهجلي في خطاب عام بالأمس: "خطوات تركيا تجاه سوريا قيمة ودقيقة. لا يوجد أحد في سوريا يعادينا أو يعارض بلدنا. إنهم جميعاً إخواننا ولدينا روابط قوية مبنية على تاريخنا وثقافتنا ومعتقداتنا."
وأضاف بهجلي: "إن التصريحات البناءة والواقعية لوزير خارجية بلادنا فيما يتعلق بإحلال السلام بين المعارضة السورية ونظام الأسد، فرصة ثمينة لحل دائم. لا ينبغي لأحد أن ينزعج من هذا. إن رفع مستوى الحوار الأمني التركي مع سوريا إلى مستوى الحوار السياسي، من الموضوعات التي يجب أن تكون على جدول الأعمال، ومثل هذا الأمر مهم للغاية ويستحق النظر فيه."
نائب أردوغان يوافقه أيضًا
"حياتي يازجي" هو اسم أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية. يازجي لا يظهر في المشهد السياسي کثيراً ولا يجذب الانتباه، لكنه نائب زعيم حزب العدالة والتنمية وأحد المستشارين الرئيسيين لفريق أردوغان السياسي في الحزب الحاكم.
يازجي سياسي براغماتي وله حضور جاد وراء الكواليس في العديد من القرارات المهمة لحزب العدالة والتنمية، وعلى عكس نواب أردوغان الآخرين في الحزب الحاکم، فإنه يظهر رغبةً أقل في الظهور في وسائل الإعلام.
قال يازجي في حديث مع قناة "إن تي وي" الإخبارية التركية أمس: "الحوار مع دمشق يمكن أن يستمر بشكل مباشر، ويمكن رفع مستواه من جهاز المخابرات والأمن إلى مستوى الدبلوماسية ونائب الوزير. بعد الحرب الأهلية التي بدأت في سوريا عام 2011، كانت تركيا مثقلةً بموجة نزوح كبيرة. حافظ جيشنا من خلال تنفيذ عدة عمليات على وحدة أراضي سوريا، ولم يسمح بإقامة ممر إرهابي على الحدود السورية. وبينما كانت هذه العمليات جاريةً، بدأت المفاوضات الدبلوماسية بين تركيا وسوريا في العام الحادي عشر من الحرب الأهلية. على أي حال، نحن نؤيد الحوار ونعتقد أن الحوار هو أهم خطوة لحل النزاعات".
ماذا تقول المعارضة السورية؟
حول رد الفعل الحاد للمعارضة السورية، قال مصطفى سجاري، الضابط السياسي فيما يسمی بالجيش السوري الحر: "كانت تصريحات جاويش أوغلو استفزازيةً. لقد استخفّ بمشاعرنا وأعلن مواقفه دون أي اعتبارات سياسية. هل تركيا نفسها مستعدة لتقديم تنازلات بشأن غولن وحزب العمال الكردستاني؟ لماذا تريدون إجراء مصالحة بيننا مع بشار الأسد؟ هل أنتم متأكدون من أن لدينا مثل هذه الرغبة أيضًا؟"
لكن سيف أبو بكر القائد العام للقوات الخاصة بفيلق حمزة الثاني، المكون من معارضين تركمان وعرب، أدان حرق العلم التركي، وأعلن أن هذا العلم هو ملجؤهم وهو مقدس مثل العلم الذي يقبله المعارضون السوريون.
في الواقع، تحدث هذا القائد العسكري، المدعوم من أنقرة، بطريقة تُظهر أنه في رأيه، يجب احترام المنظمة التي تسمي نفسها الحكومة المؤقتة للمعارضة، والتي لها علم غير العلم السوري الرسمي.
بشکل عام، يمكن القول إن تسليح وتجهيز أكثر من 100 ألف عنصر من الميليشيات، من خلال إعطاء ألقاب مثل الجيش الوطني السوري والجيش السوري الحر والحكومة المؤقتة في الخارج وغيرها من التعبيرات غير الرسمية وغير القانونية، وضع الحكومة التركية في وضع صعب.
بالأمس القريب، کان أردوغان يطلب، عبر هاكان فيدان رئيس جهاز استخبارات ميت، ووزير الدفاع الترکي خلوصي أكار، من المعارضة السورية بذل كل ما في وسعها للإطاحة بحكومة بشار الأسد. لكن الآن تبحث أنقرة عن دوران مفاجئ، وتريد إقناع المعارضين السوريين بالدفاع عن خيار التفاوض مع دمشق!
والنقطة المهمة الأخرى التي أهملتها أنقرة، هي أن معظم الأشخاص الذين تعرفهم حكومة أردوغان بالمعارضة السورية، هم أشخاص فروا من الجيش والمؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية في سوريا، وأحيانًا نهبوا الكثير من الأسلحة والوثائق والمنشآت، ويُعرفون بالمجرمين الهاربين من قبل حكومة دمشق الرسمية.
ونتيجةً لذلك، تجدر الإشارة إلى أنه ما هي الظروف التي تقبل الحكومة السورية علی أساسها الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع هؤلاء الأشخاص، بناءً على طلب تركيا؟
في الختام، لا بد من ذكر نقطة مهمة حول دعم حكومة أردوغان للمعارضة السورية. تتحدث السلطات التركية عن حرصها على تطبيع العلاقات مع دمشق، فيما نشرت حسابات قادة الميليشيات المناهضة للأسد، صوراً تُظهر أن أنقرة قد زوَّدتهم بأحدث الأسلحة والمعدات وناقلات الجند.
لذلك، يمكن القول بثقة إن هذا هو المشهد الأكثر تناقضًا في سياسة أنقرة تجاه الأزمة السورية.
ولهذا السبب، وفقًا لمحمد علي جولر، المحلل التركي الشهير، فإن ما يمكن أن يضمن حسن نية تركيا تجاه سوريا ويكسب ثقة بشار الأسد، هو أن تركيا، في تحرك عاجل ودون تأخير، تحلّ جميع قواعد الجيش السوري الحر وتتوقف عن دعم المعارضة المسلحة.