الوقت- بعد أقل من 48 ساعة على الاتفاق بين حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية والنظام الصهيوني على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وغزة، في الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء الماضي، شن جنود النظام الصهيوني هجوما عسكريا على نابلس واستشهد ابراهيم النابلسي قائد كتائب الاقصى فرع فتح العسكري ورفاقه الاثنين وإلى جانب استشهاد 3 من كبار قادة كتائب المقاومة الإسلامية في الضفة الغربية، خلف هذا الهجوم أكثر من 40 جريحًا.
ولقد أعلن الجيش الإسرائيلي، صباح يوم الثلاثاء الماضي، عن اغتيال، إبراهيم النابلسي، في ختام عملية مطاردة مشتركة من عناصر "اليمام" و"الشاباك" والجيش الإسرائيلي، في نابلس. وقال الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي: "في نهاية عملية مطاردة وعملية مشتركة لـ"اليمام" و"الشاباك" والجيش الإسرائيلي، قتل النابلسي صباح اليوم في مدينة نابلس في منطقة شومرون الإقليمية". وأضاف الجيش الإسرائيلي: "يشتبه النابلسي بارتكاب عدة هجمات بالرصاص ضد مدنيين وجنود من دورية جفعاتي في منطقة نابلس والمنطقة المحيطة بها، بما في ذلك إطلاق نار على مجمع ضريح يوسف".
وأردف: "خلال العملية أطلقت القوات النار على عدد من المطلوبين، ومن بينهم المطلوب، الذي أطلق النار على القوات من منزل كان محصنا فيه مع إرهابيين آخرين..أطلق مقاتلو الجيش الإسرائيلي النار على المنزل واستخدموا وسائل خاصة من بينها صواريخ محمولة على الكتف، وتم القضاء على النابلسي مع إرهابي آخر كان مقيما بالمنزل". وأكمل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "في الوقت نفسه، اندلعت اضطرابات عنيفة بمشاركة العشرات من المتظاهرين الذين ألقوا الحجارة وألقوا العبوات الناسفة على القوات التي ردت بفض التظاهرات وإطلاق النار، وتم رصد عدد من الإصابات". وأضاف: "غادرت كل القوات المدينة ولم يسقط قتلى أو جرحى في صفوف قواتنا..ستواصل قوات الأمن العمل من أجل أمن مواطني دولة إسرائيل".
الاشتباكات التي وقعت صباح الثلاثاء الماضي في نابلس مهمة لأن هذه المرة تعرض كبار قادة الأفرع العسكرية لحركة فتح لهجوم من قبل القوات الصهيونية. ويأتي هذا العمل الإرهابي في وضع تم فيه إحياء عملية التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية والنظام الصهيوني لفترة طويلة، ويمكن أن يؤثر هذا العمل على الاتفاقيات الأمنية الحالية بين محمود عباس وإسرائيل، وظهور واندلاع احتجاجات اجتماعية بين سكان الضفة الغربية ضد حكم أبو مازن الطويل الأمد.
ومع ذلك، فإن السؤال الرئيسي هو؛ بأي مبرر اتبعت تل أبيب توجهًا عدوانيًا تجاه الفلسطينيين وفصائل المقاومة في قطاع غزة والضفة الغربية في هذا الوقت؟
للوهلة الأولى، يبدو أنه لا يمكن تفسير نهج العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في الأسابيع الأخيرة دون الحصول على الضمانات الأمنية والعسكرية اللازمة من واشنطن، وخاصة أن الهجمات الأخيرة تمت بعد وقت قصير من زيارة الولايات المتحدة والرئيس جو بايدن إلى المنطقة، حيث تم تنفيذه من الأراضي المحتلة وبيت اللحم. ولقد أظهر بايدن خلال زيارته للأراضي المحتلة أن البيت الأبيض يصر على مواصلة تعاونه الأمني مع تل أبيب ولا ينوي إجراء تغيير استراتيجي فيما يتعلق بدعمه لإسرائيل.
ومن ناحية أخرى، تشير اللقاءات العديدة لكبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين في إسرائيل والولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة إلى تبادل دقيق للأخبار والمعلومات حول أهم مصادر التهديدات ضد إسرائيل. وبقليل من الدقة في طريقة الاغتيالات التي تعرض لها كبار قادة الجهاد الإسلامي، مثل الشهيد تيسير الجعبري والشهيد خالد منصور، وكلاهما استشهد في منزله باستخدام أحدث المعلومات والتقنيات العسكرية الصهيونية، يمكن ملاحظة أنه بعد رحلة بايدن إلى الأراضي المحتلة، تم التوصل إلى اتفاقية مهمة بين رئيس مجلس الوزراء يائير لابيد، وجو بايدن، رئيس الولايات المتحدة.
ومن ناحية أخرى، لا ينبغي لنا أن نغفل حقيقة أنه مع اقتراب انتخابات الكنيست الإسرائيلية المزمع عقدها في 10 نوفمبر القادم، فإن الشعور بالخوف بين أعضاء حكومة النظام الصهيوني الحالي بشأن إمكانية عودة نتنياهو إلى السلطة يزداد قوة، لا شك أن وجود حالات مثل خطة العمل الشاملة المشتركة والتحديات الأمنية المحيطة بهذا النظام، وخاصة طريقة التعامل مع فصائل المقاومة الفلسطينية، يمكن أن يستخدمها نتنياهو بشكل واضح كذريعة لانتقاد أداء الحكومة الحالية لهذا النظام في وسائل الإعلام.
لذلك، يبدو أن حكومة يائير لبيد، ووزير الحرب بيني غانتس، تحاول إظهار للرأي العام في الأراضي المحتلة من خلال تبني استراتيجية أقصى درجات العدوان على مصادر التهديد لهذا النظام، مثل فصائل المقاومة الفلسطينية، بأن الحكومة الحالية هي أكثر من نتنياهو تسعى لتخفيف مخاوفهم الأمنية. والاغتيالات المتزامنة لكبار قادة فصائل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة هو تعبير موضوعي عن براغماتية الحكومة الحالية ضد تهديدات فصائل المقاومة الفلسطينية.
وبعد فترة من التراجع بسبب الخلافات في الرأي في الحكومة الحالية للنظام الصهيوني، والتي أدت إلى فصل بينيت عن حزبه والإعلان عن حل البرلمان لهذا النظام، يبدو الآن أن حكومة يائير لابيد تحاول تبني استراتيجية عدوانية ضد التهديدات التي تتعرض لها البيئة الأمنية لهذا النظام. وفي لبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، سيرتفع مرة أخرى موقف الأحزاب اليسارية والمعتدلة في نظر الجمهور الإسرائيلي وهذا الامر سوف يتسبب بحرمان نتنياهو من فرصة العودة لقمة هرم السلطة.
في غضون ذلك، يبدو أن البيت الأبيض يفضل زيادة فوز جناح يسار الوسط في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقبلة من خلال تعزيز تعاونه مع حكومة لبيد ودعم استراتيجياته الأمنية إلى أقصى حد، وخاصة أن الخلافات بين نتنياهو وبايدن في السنوات الأخيرة بعد الدعم الواضح لرئيس الوزراء السابق للنظام الصهيوني لدونالد ترامب خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، فقد منح بايدن دافعًا إضافيًا للمضي قدمًا في حملات الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة براحة بال أكبر من خلال تعزيز الأمن الإقليمي والتعاون بين واشنطن وتل أبيب.
بشكل عام، يبدو أن استراتيجية العدوان لمجلس الوزراء الحالي للنظام الصهيوني، سواء كانت بسبب معادلات السياسة الداخلية الإسرائيلية أو التهديدات الأمنية لمجموعات المقاومة الفلسطينية، تشير إلى حقيقة أن قادة القدس المحتلة حصلوا على ضمانات أمنية مهمة خلال زيارة بايدن لفلسطين المحتلة، ويمكن ملاحظة نتائجها في الهجوم الشامل الأخير على قطاع غزة وموجة الاعتقالات لقادة فصائل المقاومة الفلسطينية في مدينتي جنين ونابلس والخليل في الضفة الغربية.