الوقت- الدول الأوروبية التي دعمت أوكرانيا قبل بضعة أشهر، بعيون مغلقة ودون بعد نظر، فرضت عقوبات واسعة النطاق على روسيا وادعت أنها بهذه الإجراءات يمكن أن تجبر موسكو على الانسحاب من أراضي أوكرانيا وإلحاق الهزيمة بها، لكن كل حسابات الغربيين كانت خاطئة. الآن بعد أن دخلت الحرب في أوكرانيا شهرها السادس واقترب انتهاء الصيف الحار، تشعر الدول الأوروبية بقرب الشتاء البارد. وقد أصبحت آثار عقوبات النفط والغاز الروسية واضحة للعيان الآن في أوروبا، ويحذر المسؤولون الأوروبيون من الشتاء المقبل. وعلى الرغم من أن الأوروبيين اعتقدوا أن بإمكانهم إنقاذ أنفسهم من الاعتماد على روسيا من خلال حظر الطاقة الروسية، إلا أن الافتقار إلى طرق بديلة لتعويض احتياجات الغاز جعل الأوروبيين يدركون أخطاءهم. لهذا السبب، يتوقع المحللون شتاءً صعبًا على الدول الأوروبية، ليس فقط لأنها لم تملأ خزاناتها بعد، بل لإنها غير قادرة على إيجاد بدائل مناسبة وموثوقة للتزود بالنفط والغاز، وليس لديهم طريقة أخرى سوى تقنين و تقليل استهلاك الطاقة.
كانت أزمة الطاقة في أوروبا محسوسة بشكل خطير بعد أن قطعت شركة غازبروم الروسية عملية إرسال الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 مع إشعار مسبق بسبب الصيانة السنوية، وقد دقت هذه المشكلة ناقوس الخطر بالنسبة لأوروبا، لدرجة أن رجال الدولة الأوروبيين طلبوا من مواطنيهم توفير الطاقة؛ ونتيجة لذلك، تم إغلاق عدد من الصناعات، وتم وضع حصص الطاقة على جدول الأعمال في بعض البلدان. لقد أسقطت روسيا الكرة في ملعب الأوروبيين واستشهدت بعقوبات الاتحاد الأوروبي كسبب لانخفاض صادرات الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم.
الأوروبيون المتضررون
لقد أثرت عقوبات روسيا على النفط والغاز، والتي تم تنفيذها بهدف قطع دخل البلاد من أجل الانسحاب من أوكرانيا، على الأوروبيين أكثر من أي شيء آخر. وحول هذا السياق، قال المسؤولون الروس مرارًا وتكرارًا إن عقوبات الطاقة ستؤدي في النهاية إلى إلحاق الضرر بأوروبا، ويبدو أن تنبؤات الروس قد تحققت في وقت أقرب مما كانوا يتوقعون. وكما يتضح من تصريحات السلطات الأوروبية في الأسابيع الأخيرة، فإنهم يدفعون ثمن دعم أوكرانيا وقد يراجعون سياساتهم في هذا الصدد إذا لزم الأمر. إن الضغوط الاقتصادية الناجمة عن قطع الغاز الروسي في الشتاء ستخلق ظروفًا صعبة للدول الأوروبية، والأوروبيون، الذين يدعمون الأوكرانيين الآن بالأسلحة ضد موسكو، ولهذا سوف يتواصلون حتمًا مع الكرملين في الشتاء لإبقاء صمامات الغاز الروسية مفتوحة لهم. وبالنظر إلى أن روسيا تنتظر فرصة لمعاقبة الغرب، فإنها بالتأكيد ستضخ الغاز إلى أوروبا بثمن باهظ لتجعلها تندم على ما فعلته.
الجدير بالذكر أن أوروبا تتزود بأكثر من 40٪ من احتياجاتها من النفط والغاز من روسيا، ومع فرض العقوبات، تم خلق ظروف صعبة للأوروبيين. وبالنظر إلى أن هناك مخاوف من أن روسيا ستقطع تمامًا تدفق الغاز إلى أوروبا لمعاقبة الغربيين، فمن المحتمل أن تواجه القارة الخضراء شتاءً صعبًا للغاية. لقد استخدمت موسكو نفوذ الطاقة مرارًا وتكرارًا للضغط على أوروبا للحصول على تنازلات سياسية، وهذه المرة، بالدخول بشكل غير مباشر في الحرب مع الغرب، يمكنها الحصول على تنازلاتها على أراضي أوكرانيا.
التوفير من أجل تخطي الشتاء القاسي
على الرغم من أن الأوروبيين لا يزالون في فصل الصيف الحار، إلا أنهم يستعدون بالفعل لفصل الشتاء القاسي القادم، وفي غضون ذلك، فكروا في بعض الإجراءات للتغلب على هذه الظروف الصعبة. وفي الأيام الأخيرة، أعدت المفوضية الأوروبية وثيقة سياسة بعنوان "توفير الغاز لشتاء آمن"، والتي تقترح أن تستهلك دول الاتحاد الأوروبي 15٪ أقل من الغاز قبل بداية الخريف. ويبدو أنه إذا تم اتخاذ مثل هذا القرار من أجل الاتحاد الأوروبي، فسوف تتأثر جميع الدول وحتى إنجلترا، التي لا تعتمد على الغاز الروسي. وأيضًا، في حال انقطاع الغاز في جميع أنحاء أوروبا، سيضطر الناس إلى تقليل استهلاك الغاز في المنازل. وحتى وفقًا للتقارير، تم قطع استهلاك الغاز في أجزاء من المباني المدرسية وحتى مراكز الترفيه قللت من أنشطتها لتوفير استهلاك الغاز.
وعلى الرغم من أن الأوروبيين حاولوا في الأشهر الأخيرة تلبية احتياجاتهم من مصادر أخرى للطاقة من النظام الصهيوني والدول الإفريقية، إلا أنها تعوض فقط جزءًا صغيرًا من أوجه القصور في أوروبا، وإنهاء الاعتماد على الطاقة الروسية سيستغرق سنوات وربما عقودًا، وهذه الفرصة مناسبة لفلاديمير بوتين، رئيس روسيا، لمعاقبة الغرب. وفي بلدان مثل ألمانيا، أمرت الحكومة الناس بالحفاظ على الكهرباء، بل من المتوقع أنه إذا استمر نقص الغاز، فسيتم إغلاق العديد من الشركات الاقتصادية في الشتاء. وتعتمد ألمانيا على الغاز الروسي أكثر من الدول الأوروبية الأخرى، وعلى الرغم من الدعم السياسي والعسكري لحكومة كييف، فقد أعلنت مرارًا أن عقوبات روسيا ستلحق الضرر بها.
وكانت وسائل إعلام ألمانية قد أعلنت في الأيام الماضية أن البلاد وصلت إلى مستوى الإنذار فيما يتعلق باحتياطيات الغاز. ويعني هذا المستوى أن الحكومة ستزيد تكلفة الطاقة بشكل أكبر لتقليل الطلب عليها. ويقال أيضًا إن مستوى الطوارئ مدرج أيضًا على جدول الأعمال، حيث تصدر الحكومة أمرًا لتقنين الغاز. وستواجه ألمانيا، التي تمتلك أكبر اقتصاد في أوروبا، أزمة اقتصادية كبيرة إذا توقف الغاز الروسي، ويمكن أن يسبب هذا الامر الكثير من المشاكل لمعظم الناس في هذا البلد. ويقال إن الشوارع في بعض المدن الألمانية مظلمة ليلا ويبدو أن الألمان قد أعدوا أنفسهم لفصل الشتاء القاسي في وقت أبكر من البلدان الأخرى. وبسبب توقف بعض الأنشطة الاقتصادية في ألمانيا في الأشهر الأخيرة، تحول الفائض التجاري الألماني إلى عجز بسبب ارتفاع أسعار الغاز، لأن ثروة البلاد تنتج في الغالب من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، والتي زادت تكاليف استيرادها. ومن ناحية أخرى، ازدادت أيضًا الأسلحة والمساعدات المالية لأوكرانيا، ومع الزيادة في التضخم الناجم عن نقص الحبوب، فقد يخلق هذا الامر ظروفًا سيئة لهذا البلد.
إن الانخفاض في عمليات نقل الغاز من روسيا إلى أوروبا مقلق للغاية لدرجة أن وزير الخارجية الألماني صرح مؤخرًا علنًا أنه إذا لم يصل الغاز الروسي إلى ألمانيا، فقد لا تتمكن الحكومة الالمانية من مواصلة دعم كييف، لأنه بخلاف ذلك سيتعين عليها مواجهة أعمال شغب في الشوارع في ألمانيا. كما سافرت المستشارة الألماني إلى روسيا في الأيام الأخيرة لمناقشة قضية الطاقة مع مسؤولي موسكو. وفي الدول الأوروبية، يتزايد التضخم بشكل حاد، وأزمة الوقود وارتفاع أسعاره وضعت الأوروبيين في موقف صعب.
بالنظر إلى أن بعض البلدان، مثل ألمانيا والمجر، تعتمد اعتمادًا كبيرًا على النفط والغاز الروسي، فقد كانت هناك خلافات مع أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين منذ بداية فرض عقوبات ضد روسيا، ومع قدوم الشتاء، تظهر هذه الاختلافات نفسها أكثر. وفي الأيام الأخيرة، كان الاتحاد الأوروبي يحاول اجتياز الشتاء القادم بسياسات الطوارئ وتقليل استهلاك الغاز، لكن في الوقت نفسه، بعض الدول التي لا تعتمد كثيرًا على الغاز الروسي ليست على استعداد للمضي قدمًا. وفي إشارة إلى خطر حدوث كارثة اقتصادية، تحاول الحكومة المجرية وقف إطلاق نار سريع في أوكرانيا لإنهاء هذه الأزمة وإنقاذ بلدها من أزمات مستقبلية. وعلى الرغم من أن العديد من الأشخاص في أوروبا قد أدانوا هجمات روسيا ودعموا أوكرانيا، ولكن عندما أصبحت آثار العقوبات على حياة بلادهم واقتصادهم واضحة، أصبحوا يعتقدون أنهم الذين يدفعون ثمن أخطاء الآخرين. ولقد جعلت الاحتجاجات الشعبية في أوروبا رجال الدولة في القارة الخضراء يعيدون النظر في سياساتهم المعلنة فيما يتعلق بالتطورات في أوكرانيا.
الآن، هناك سباق بين روسيا والاتحاد الأوروبي، حيث يريد قادة موسكو خلق عدم استقرار اقتصادي في الغرب هذا الشتاء وتقليل الدعم الأوروبي لأوكرانيا. وبينما يراقب بوتين بهدوء التطورات في أوكرانيا من قصر الكرملين، يخشى الأوروبيون الشتاء القادم وهم قلقون بشأن المستقبل. وإذا أوقفت موسكو نقل الغاز إلى أوروبا، فإن أسعار ناقلات الطاقة ومعدل التضخم في أوروبا ستنمو بشكل كبير، ومن وجهة نظر الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، يمكن أن يكون لمثل هذه القضايا عواقب سلبية على أوروبا، ما قد يدفع الاتحاد الأوروبي في النهاية لحرف بوصلتهم لمصلحة موسكو.