الوقت_ على صفيح ساخن، هكذا يمكن وصف مدينة نابلس التي عاشت بمخيماتها الثلاثة وبلدتها القديمة، حالة عارمة من الغضب الشديد على جريمة اغتيال قوات الاحتلال الإسرائيلي الأحد الفائت، لشابين فلسطينيين محسوبين على تيار المقاومة الفلسطينية، حيث إن الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة تتصاعد يوماً بعد آخر بحق أهالي الضفة الغربيّة المحتلة منذ عام 1967، فيما تعيش المنطقة أوضاعاً متوترة للغاية في ظل مواصلة سياسة الاستيطان والقتل المروعين التي تنتهجهما الحكومة الإسرائيليّة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، ما يشي باحتماليّة كبيرة لأن تفتح أبواب جهنم على تل أبيب التي اختارت تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام، حيث يتوقع أغلب المحللين أن تنفجر الأوضاع في أي لحظة بسبب التمادي الإسرائيليّ الذي بات ملموساً على كل المستويات الفلسطينيّة والعربيّة والدوليّة.
مع كل عدوان جديد تنفذه العصابات الصهيونيّة القاتلة، يحذر مراقبون من اقتراب تحول الضفة الغربيّة إلى "غزة ثانية" لردع العدوان الهمجيّ الذي لا يتوقف عن قتل المدنيين وتدمير مقدساتهم وتهديد أرواحهم، فقد عاشت البلدة القديمة، التي تقع وسط مدينة نابلس، وتحديدا “حارة الياسمينة” التاريخي، أحداث مواجهات مسلحة عنيفة واشتباكات استمرت لأكثر من أربع ساعات، حيث أعلن عن استشهاد الشابين محمد بشار عزيزي (25 عاما) وعبد الرحمن جمال صبح (28 عاما) بعد حصار واشتباك مع قوات معززة من جيش الاحتلال.
وعلى مايبدو فإن الصهاينة وآلتهم العسكريّة يودون إخبارنا بأنّهم سيسحقون كل فلسطينيّ ومطالب بحقوقه، والتهم جاهزة كعادتها "إرهابيّ"، "قاتل"، "متشدد"، باعتبار أنّ المقاومين هناك يعتبرون "جمراً تحت الرماد" وأحد أساليب المقاومة والمواجهة في المنطقة المهددة من قوات المحتل الباغي، والدليل هو قيام الجيش الإسرائيلي بقتل شابين فلسطينيين خلال عملية نفذها في مدينة نابلس بالضفة الغربية ليل السبت الأحد، فمنذ أواخر آذار/مارس تشن قوات الأمن الإسرائيلية عمليات شبه يومية في الضفة الغربية بمزاعم شن هجمات من قبل فلسطينيين وعرب في "إسرائيل" والضفة الغربية.
وفي الوقت الذي أكد فيه الجيش الإسرائيلي أنه ينفذ عملية في مدينة نابلس بالضفة الغربية التي تحتلها العصابات الصهيونية منذ 1967، من دون أن يعلق على الفور على سقوط قتلى وجرحى، لكنه قال في بيان إنه تبادل إطلاق النار مع مسلحين مشتبه بهم، تستمر الحسابات الإسرائيليّة الخاطئة بامتياز في الضفة الغربية، سياسة صهيونيّة نتائجها سنشاهدها في الأيام القادمة لا محالة، مع إقدام الكيان الغاصب على خطوات تصعيديّة كثيرة بدءاً من عمليات الضم التي ستؤدي بلا محالة إلى انفجار "انتفاضة عارمة" ستغير الواقع الحالي وفقاً لكثيرين، وليس انتهاءً بارتكاب أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين، وإنّ عودة المقاومة المسلحة إلى الضفة الغربية أصبحت قريبة أكثر مما يتخيل الأعداء، بعد أن شعر الأهالي بأنّ العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن لا يمكن أن تتغير، وأنّ سلطتهم لا تملك سوى "الهراء الإعلاميّ" و"التنديد والوعيد" بينما تفتح أحضانها لكل أنواع التعاون مع تل أبيب.
ويبين الهلال الأحمر الفلسطيني من جانبه عن 19 جريحا خلال العملية العسكرية الإسرائيلية بينهم عشرة أصيبوا بالرصاص الحي وأربعة بشظايا رصاص وخمسة أصيبوا في سقوط وحروق، فيما تشير العملية الأخيرة ببساطة إلى عدم استعداد العدو الصهيونيّ لأدنى تغيير في منهجه وحتى تصريحاته الفارغة التي تزعم "تحقيق العدالة" من خلال الإعدامات الميدانية البشعة، وقد أثقبت حكومة العدو مسامعنا بأنّها ستضاعف المراقبة وهي جاهزة لإفشال ما تزعم أنّه "إرهاب" و"إرهابيين" في الضفة الغربيّة الرازحة تحت نير إجرامها، حيث أثبتت عملية التصفية الأخيرة إلى مدى الحقد الإسرائيليّ الأعمى على هذا الشعب، وكشفت مجدداً حقيقة العدو الاستبداديّ الذي فرضه المستعمرون على المنطقة والعالم.
"جريمة بشعة"، هكذا وصف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، والتي جاءت عقب سلسلة من الهجمات الإجرامية، ناهيك عن تَواصل الاستيطان الصهيونيّ الذي يعتبره المجتمع الدوليّ غير قانونيّ في عهد كل الحكومات الإسرائيليّة منذ عام 1967، فيما تنقسم الحكومة الائتلافية للعدو حول مسألة العنف المفرط الذي يرتكبه مستوطنون يهود بحق أبناء فلسطين، باعتبار أنّ الضفة الغربيّة المحتلة مرهونة بقرارات السلطة الفلسطينيّة المتعاونة مع العدو الإرهابيّ، وصل الإجرام والاستخفاف الصهيونيّ بأرواح الفلسطينيين لحد لا يمكن السكوت عنه أبداً، حيث إنّ التاريخ والواقع يثبتان بأنّ الصهاينة يتمادون أكثر فأكثر في عدوانهم الذي لا يمكن أن يوقفه إلا القوة والوحدة والمقاومة، والدليل على ذلك هو قتل الفلسطينيين بشكل مباشر وبمختلف الطرق دون أيّ رادع قانونيّ أو إنسانيّ أو أخلاقيّ.
وتشهد الضفة الغربية التي احتلتها "إسرائيل" عام 1967، مواجهات بين الفلسطينيين والعصابات الصهيونية بشكل منتظم، حيث تنفذ قوات العدو بين الحين والآخر اقتحامات تحت مبرر "اعتقال مطلوبين"، ويعيش في الضفة المحتلة حوالى 3 ملايين فلسطينيّ، إضافة إلى نحو مليون محتل إسرائيليّ في مستوطنات يعترف المجتمع الدوليّ بأنّها "غير قانونية"، ومنذ أواخر آذار تشن قوات الأمن الإسرائيلية عمليات شبه يومية في الضفة الغربية بعد مزاعم هجمات شنها فلسطينيون وعرب إسرائيليون في إسرائيل والضفة الغربية قتل فيها 19 شخصا معظمهم من المدنيين، وخلال هذه العمليات التي قام بها الجيش الإسرائيلي قُتل 52 فلسطينيا على الأقل وثلاثة من عرب "إسرائيل" بمن فيهم الصحفية في قناة الجزيرة القطرية شيرين أبو عاقلة التي كانت تغطي عملية في جنين.
ومن الجدير بالذكر أنّ الكيان الصهيونيّ الذي بات يوصف بـ "العنصريّ" دوليّاً، قام منذ ولادته غير الشرعيّة على العنف المفرط والإجرام غير المعهود، حتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق ما يُعرف بمنهج "القبضة الحديديّة" وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، فمنذ يوم 14 مايو/ أيار عام 1948، حين قام هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب، والتاريخ الحديث والجديد أكبر شاهد على الوحشيّة والدمويّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.
في النهاية، يعلم الفلسطينيون وفصائل المقاومة باستثناء السلطة الفلسطينيّة أنّ التحرر من استعباد وطغيان المحتل الأرعن لا يكون إلا بالمقاومة ولو بأبسط الوسائل، فما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها، والمسبب الأوحد لتلك الحوادث والجرائم التي يرتكبها العدو في الضفة المحتلة بنظرهم هو الخنوع الكامل من قبل حركة فتح التي ستشهد مع حليفتها تل أبيب بلا شك وقوع "ثورة غضب عارمة" بالقريب العاجل، لأنّ التصدي لهجمات المستوطنين وعربدتهم المتصاعدة هو السبيل الوحيد لردعهم ولحماية فلسطين وشعبها، بما يقطع الطريق أمام قوات الاحتلال والمستوطنين ويوقف عربدتهم وتغولهم في أراضي الفلسطينيين، لمحاولة إنهاء الوجود الفلسطينيّ عبر كل الوسائل.