الوقت - نشر الرئيس التونسي قيس سعيد، السبت، مسودة معدلة للدستور المقترح في الجريدة الرسمية للبلاد. وتضمنت المسودة الجديدة تصحيح أخطاء لغوية وتغييرا في ترتيب بعض أبواب وفصول الدستور.
كما أضافت المسودة الجديدة عبارة "في ظل دولة ديمقراطية" إلى الفصل الخامس الذي يشير إلى أن الدولة تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرية.
وحصر النص الجديد "تقييد الحقوق والحريات" في الضرورة التي يقتضيها النظام الديمقراطي وفق ما ورد في التعديل. كما تضمن الفصل الـ60 تعديلا نص على أن انتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب يتم بشكل مباشر.
وكان الرئيس التونسي أقر في وقت سابق بما أسماها أخطاء في الشكل والترتيب تسربت من مشروع الدستور، وشدد على أنه لا مجال لعودة الاستبداد في البلاد.
وفي خطاب متلفز بث مساء الجمعة بمناسبة عيد الأضحى، قال سعيد إن بعض الأخطاء قد تسربت من مسودة الدستور المنشورة ووجب إصلاحها وتصويبها، مضيفا إن ذلك أمر معهود في نشر النصوص القانونية.
ودعا سعيد التونسيين إلى التصويت بـ"نعم" على مشروع الدستور استكمالا لما سماه تصحيح مسار الثورة والتاريخ وحفظ الحريات، على حد تعبيره.
وأكد الرئيس التونسي أن هذه الأخطاء مألوفة في الدساتير، وأنه جرى تداركها وتصويبها وسيتم نشر نسخة معدلة من مشروع الدستور في الجريدة الرسمية.
وشدد على أنه لا مجال لعودة الاستبداد في البلاد لا بنص دستوري ولا بحكم تشريعي آخر، مؤكدا أنه "لا تراجع في نص الدستور عن الخيارات الأساسية أو المبادئ الكبرى لأنها من صميم الثورة".
وتعليقا على هذه التطورات، قال بيان من الاتحاد العام التونسي للشغل إن مشروع الدستور المعدل أخلّ بمبدأي الفصل والتوازن بين السلطات.
وأكدت المنظمة أن النص المقترح مكن رئيس الجمهورية من التحكم في جميع السلطات والصلاحيات وجعله فوق كل محاسبة ومراقبة وحصّنه من كل مساءلة سياسية أو جزائية.
وشدد الاتحاد على أن مشروع الدستور أقصى مفهوم الدولة المدنية القائمة على الفصل بين الدين والدولة. وأضافت المنظمة إن التوطئة أغفلت القيم والمبادئ الكونية باعتبارها مرجعية أساسية.
وقبيل خطاب سعيد، أعلنت قرابة 30 جمعية ومنظمة تونسية رفضها مشروع الدستور الذي طرحه الرئيس قيس سعيد.
وقالت الجمعيات والمنظمات، في بيان عقب اجتماع لها الخميس، إنها ستقوم بكل التحركات المشروعة لتحقيق إصلاحات دستورية تحترم كرامة التونسيين، وتستجيب لتطلعاتهم في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، التزاما بشعارات الثورة.
وأضاف البيان إن مشروع الدستور الجديد توجُه أحادي انفرادي لرئيس الجمهورية، صادر به حق التونسيات والتونسيين في الجدال حول مصيرهم ومستقبلهم، وفرَض خياراته الخاصة. كما أنه ينفي الطابع المدني للدولة، ويضرب مبدأ استقلال القضاء وضمان الحريات، وينسف مبدأ التوازن بين السلطات.
ومن بين الموقعين على البيان الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وسوف يُطرح مشروع الدستور الجديد في 25 يوليو/تموز الجاري على الاستفتاء.
وقال أستاذ القانوني الدستوري عبد الرزاق المختار، إنه لا يجوز للرئيس سعيد تعديل الدستور في الوقت الذي بدأت فيه بالفعل الحملة الانتخابية للاستفتاء عليه. وشدد على أنه قانونيا "لا يمكنه ذلك قطعا".
ولفت إلى أن تصحيح الأخطاء بمسودة منشورة وستعرض على الاستفتاء "عبث واستهتار بالمنطق القانوني والمؤسساتي"، مشيرا إلى أن ذلك كان يجب أن يحدث قبل عرض الدستور الجديد على الاستفتاء.
ووافقه بذلك أيضا الدكتور في القانون عدنان الكرايني، بالقول إن "الحديث عن تعديل للنص المعروض على الاستفتاء هو من صميم العبث القانوني".
وأوضح الكرايني أن "استفتاء 25 يوليو موضوعه النص المنشور يوم 30 يونيو 2022 في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، وليس أي نص آخر". واعتبر الكرايني أن الرئيس سعيد "أبطل استفتاءه قبل أن يبدأ".
وقال الكاتب والباحث السياسي التونسي، بلحسن اليحياوي، إن الرئيس التونسي قيس سعيد يستمع جيداً لمعارضيه ومناصريه، وكان من الضروري إدخال بعض التعديلات فيما يتعلق ببعض الالتباسات التي كانت تحتاج إلى توضيح في مسودة الدستور الجديد.
وأشار اليحياوي إلى أن التعديلات التي أقرها الرئيس التونسي في مسودة الدستور كانت ضرورية لتحسين مشروع الدستور على مستوى الشكل، وتحديد بعض المفاهيم التي بدت غامضة للبعض، أو حاول البعض الآخر استغلالها لتوجيه انتقادات للدستور الذي جاء استجابة لكثير من أسئلة التونسيين. وأكد أن الميزة الأساسية للدستور الجديد هي أنه مرن وبإمكان العديد من الأطراف أن تطرح تعديلات.
وقال الصحفي التونسي، نجم الدين العكاري، إن التعديلات التي جرى إدخالها على مشروع الدستور التونسي الجديد حاولت إسكات الانتقادات أو الجدل الكبير حول عدة مفاهيم تم التعرض إليها الأسبوع الماضي بعد نشر المسودة الأولى للدستور وخاصة الفصل الخامس المثير للجدل والمتعلق بدين الدولة.
وأكد العكاري، أن إضافة عبارة (في ظل نظام ديمقراطي) جاءت بهدف إسكات من حاولوا أن يقولوا أن تونس في طريقها لأن تصبح دولة دينية وأن عبارة “في ظل نظام ديمقراطي” الهدف منها طمأنة الناس أن تونس لن تصبح دولة دينية بعد إقرار الدستور.
وأوضح أن المسودة الجديدة أضافت بعض التعديلات الأخرى للتوضيح أو لإبعاد الشبهات في التفسير مثل حق المرأة التونسية في الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وأيضا بالنسبة للانتخابات التشريعية المباشرة لإسكات الأصوات التي قالت إن الدستور يريد تمرير النظام الانتخابي القاعدي.
وقال إن المسودة الجديدة تؤكد على أنه لن يكون هناك تغيير في طريقة الانتخاب عن طريق الاقتراع السري المباشر من الشعب لنوابه، وأيضا بالنسبة للحقوق والحريات المضمونة، قالت إنه لا يمكن المس بها إلا إذا مست بالأمن القومي أو الوطني.
وأضاف العكاري إن كل هذه المسائل التي طرحتها التعديلات وطرحها رئيس الجمهورية كانت تريد تحقيق مزيد من التوضيح وإبعاد الالتباسات، معتبرا أن المعارضة مهما قدم الرئيس من تعديلات فإنها لن تغير من معارضتها أو نقدها.