الوقت - أشعل توقيع وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار المغربي، عبد اللطيف الميراوي، لأول اتفاقية تعاون مع إسرائيل، تشمل الجامعات المغربية، غضب الأساتذة في الجامعات المغربية.
المكتب الوطني للنقابة المغربية للتعليم العالي، قال في بلاغ أصدره إنه “يستنكر إقدام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار على إقحام مؤسسات التعليم العالي في محافل التطبيع مع الكيان الصهيوني تحت مسميات الشراكة الأكاديمية والبحثية”.
واعتبرت النقابة، أن استقبال الميراوي لنظيرته الاسرائيلية “لا يعني سوى الوزير وحده، ولا يمثل الأساتذة الباحثين”، داعية الأساتذة المنضوين تحت لوائها في مختلف الجامعات المغربية إلى “التصدي لكل الفعاليات والمبادرات التطبيعية التي تستهدف اختراق الجامعة المغربية ومؤسسات التعليم العالي، وتدنيس حَرَمها، وتلويث سمعتها، بهدف النيل من صمودها وكسر مناعتها التاريخية، ويؤكد أن القضية الفلسطينية ستبقى حية في ضمير الجامعة والجامعيين وكل المغاربة”.
وكان وزير التعليم العالي المغربي ونظيرته الإسرائيلية قد وقّعا، الخميس الماضي، أول اتفاقية تعاون بين جامعات ومراكز أبحاث الجانبين، هو الأول من نوعه في مجال التعليم الجامعي، منذ بداية استئناف العلاقات في 24 ديسمبر/كانون الأول 2020.
واستبقت وسائل إعلام إسرائيلية زيارة وزيرة العلوم والتكنولوجيا والفضاء أوريت فركش هكوهين إلى الرباط، بوصف الاتفاق بين الرباط وتل أبيب بـ"الاتفاق التكنولوجي المهم والتاريخي".
وأوضحت أن هذا الاتفاق سيشمل التعاون في العديد من المجالات، من بينها الذكاء الاصطناعي والتقنيات الزراعية، وإدارة المياه وتحليتها، ومحاربة التصحر، وتقنيات معالجة الأغذية، والتكنولوجيا الحيوية، والطاقة المتجددة، والتقنيات الطبية والصناعات الدوائية، والمدن الذكية، وصناعة السيارات. هذا، إضافة إلى تكنولوجيا البيانات والفضاء والعلوم الإنسانية ومجالات أخرى متعلقة بالبيئة والمجتمع.
وأعلنت، عن أنه مباشرة بعد توقيع هذا الاتفاق سيتم تشكيل فريق مشترك من الخبراء من إسرائيل والمملكة المغربية، من أجل تطبيق الاتفاقية التكنولوجية وإخراجها إلى الوجود، لتعزيز التعاون بين تل أبيب والرباط.
وتعود مبادرات التطبيع التعليمي بين إسرائيل والمغرب إلى فبراير/شباط 2021، حيث اتفق وزيرا التعليم المغربي والإسرائيلي، على إطلاق برنامج لتبادل الوفود الطلابية بين الجانبين، وإجراء مسابقات تعليمية باللغتين العربية والعبرية في الجانبين، وهو ما لاقى في حينه معارضة شديدة من الجمعيات والمنظمات المغربية المناهضة للتطبيع.
وكانت إسرائيل والمغرب قد أعلنتا في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد توقّفها عام 2000 إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
ومنذ توقيع اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل برعاية أميركية أواخر عام 2020، تسير العلاقات بين الجانبين في منحى تصاعدي، توجّ بزيارات وزراء إسرائيليين إلى المغرب وتوقيع اتفاقيات تعاون عدة.
قد تحوّل التطبيع في المغرب إلى رياضة رسمية مستفزّة، تتحدّى مشاعر الأغلبية الصامتة من أبناء الشعب المغربي وبناته المغلوبين على أمرهم، فالمعروف في المغرب أن قرار التطبيع فُرض بقرار فوقي من القصر، وحتى حزب العدالة والتنمية الذي وقّع أمينه العام السابق، سعد الدين العثماني، بصفته رئيساً للحكومة، اتفاقيته المشؤومة، أصبح اليوم من أكثر المعارضين له، وخصوصاً بعد السقوط المدوّي للحزب في انتخابات سبتمبر/ أيلول 2021.
ويعزو مراقبون، بدرجة أساسية، فقدان الحزب كثيراً من أصوات المتعاطفين معه إلى توقيع أمينه العام السابق هذه الاتفاقية، ودفاعه عنها وتبريره توقيعها، رغم أنه كشف، بعد خروجه من الحكومة وإزاحته من الأمانة العامة للحزب، عن معارضته التطبيع!
وبات الصمت المغربي الرسمي المريب تجاه اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة، والتنكيل اليومي بالفلسطينيات والفلسطينيين العزّل الأبرياء، وتدنيس قطعان المستوطنين المتطرّفين المتكرّر للأماكن المقدسة، والاستيلاء بالقوة على بيوت المقدسيين، والهدم الانتقامي لبيوت أسر المقاومين على رؤوس سكّانها، والتوسّع الاستيطاني السرطاني الذي لم يتوقف، يثير أسئلة كثيرة عن علاقة هذا الصمت غير المبرّر بوتيرة تسريع التطبيع الرسمي بين المغرب وإسرائيل، ومن يدفع ثمن هذه العلاقة.
خطورة هذا التطبيع الرسمي، المرفوض شعبياً، والمدان سياسياً وأخلاقياً، تكمن أولاً في أنه يجري مع دولةٍ قامت على ظلم تاريخي للشعب الفلسطيني، واغتصاب مستمر لحقوقه في الوجود والعيش الكريم فوق أرضه التاريخية، وثانياً في أنه يجري مع كيان محتل ومغتصب دستوره، وقوانينه تنصّ صراحة على عنصرية دينية وقومية مقيتة، وتمنح مرجعيتها من إيديولوجيا شوفينية استعمارية استيطانية وتطهيرية. وثالثاً، من كونه أُبرم مع دولةٍ سجلها أسود في مجال احترام الحقوق والحريات، وسمعتها سيئة في التواطؤ مع أنظمةٍ سلطوية وتقديم الحماية لها ضد إرادة مواطنيها، ودعمها على قمع شعوبها، وهو ما يجعل ديمقراطيين مغاربة كثيرين يبدون تخوفهم من تسارع عمليات التطبيع، وتغلغلها في مسامّ الدولة وأجهزتها الحسّاسة، ما سيؤدي إلى تقوية الهاجس الأمني عند صانع القرار المغربي. وفي المقابل، يضعف ويقمع كل قوى المجتمع الحاملة قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فكلما تسارعت خطوات التطبيع، تتباطأ وتتعثر خطوات دمقرطة الدولة والمجتمع في المغرب.
ومقابل ما يروج في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي المغربي، في تقارير وريبورتاجات دعائية مدعومة رسمياً، أن التطبيع يلقى تجاوباً داخل المجتمع وبين شرائحه الشعبية، تمنع السلطات كل تظاهرة أو فعالية مناهضة له وتقمعها، وهو ما يجعله مفروضاً على الأغلبية الصامتة. ولو سمح للمغاربة بالتعبير بحرية عن رأيهم من التطبيع، لنزلوا بالملايين إلى الشوارع للتنديد به، ورفض كل مظاهره، وتكفي إلقاء نظرة سريعة على تفاعل رواد المواقع الاجتماعية في المغرب مع اتفاقات التطبيع التي تبرمها دولتهم مع الكيان الصهيوني لقياس مزاج الشارع المغربي، الرافض كل أشكال التطبيع. ومهما تعدّدت اتفاقاته وتنوّعت مجالاتها، سيبقى فعلاً مفروضاً رسمياً ومرفوضاً شعبياً.