الوقت- أعلنت جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس الثلاثاء بدء مرحلة نضالية ضد ما سمته انقلاب الرئيس قيس سعيد على الديمقراطية “ومشروعه الشعبوي الساعي لتدمير مؤسسات الدولة”.
يتزامن ذلك مع إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أحد اللاعبين السياسيين الرئيسيين في البلاد، عن تنفيذ إضراب عام في القطاع العمومي يوم 16 يونيو/حزيران المقبل بسبب ما قالت النقابة إنه “تعمد الحكومة (التونسية) ضرب مبدأ التفاوض والتنصل من تطبيق الاتفاقيات المبرمة وعدم استعدادها لإصلاح المؤسسات العمومية”.
وأكدت جبهة الخلاص الوطني -خلال مؤتمر صحفي حضره معارضون- أنه قد حان الوقت لأن تتداعى القوى الحية للتصدي للهجمة الشعبوية التي تقوض المجتمع.
وشددت الجبهة على أن “الانقلاب أربك أداء الدولة وأجهزتها، ما أدى إلى ركود الاقتصاد وتقليص فرص العمل”، وأضافت إن النظام عاد للاحتجاز القسري ومنع الاجتماعات العامة وتلفيق التهم لتصفية الخصوم.
وقال رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي إن الحوار الذي أعلن عنه الرئيس سعيد أثبت فشله، “وانفض عنه كل من له وزن في هذا البلد”.
وتضم جبهة الخلاص الوطني حركة النهضة، وحزب الأمل، و”قلب تونس”، و”مواطنون ضد الانقلاب”، إلى جانب كيانات وتيارات سياسية وشعبية ترفض المشروع السياسي لقيس سعيّد.
وكان الرئيس سعيد جمّد عمل البرلمان التونسي العام الماضي وحله لاحقا، وأقال الحكومة المنتخبة، وتولى بنفسه السلطة التنفيذية، وحلّ المجلس الأعلى للقضاء وشكّل مجلسا بديلا.
ورأت أحزاب وتيارات سياسية أن هذه الإجراءات الاستثنائية انقلاب على الدستور ومحاولة لقتل الديمقراطية ومكتسبات الثورة التونسية.
في المقابل، يدافع سعيّد عن قراراته، قائلاً بأنه يتخذ إجراءات لمصلحة البلاد في مواجهة التعطيل السياسي والاقتصادي. ويدعم الكثير من التونسيين تدابيره بشأن مؤسسات يرون أنها لم تفعل شيئاً يذكر لتحسين حياتهم في العقد الذي أعقب انتفاضة 2011 التي أطاحت الديكتاتور الراحل زين العابدين بن علي.
وتعهد الشابي بتحقيق النصر على مشروع الرئيس “في وقت قريب”، قائلا إن هذه الجبهة قوة مستقبل الديمقراطية، وهي “تجتمع على الدفاع عن المؤسسات والدستور، وسنبنيها في الميدان”.
وشدد الشابي على أنه “لا يوجد طريق ثالث: إما انقلاب قيس سعيد وإما الدستور. كفانا مزايدة بالوطنية والرئيس في هروب للأمام ونحن هنا لنصده ونمنعه”.
وقال “يذكرني تخبط الرئيس سعيد بالمرحلة الأخيرة من نظام الرئيس بورقيبة، الأشهر الماضية كانت مليئة المحاكمات والتهم الكيدية، والرئيس متماد في غيه”.
في سياق آخر، دعا الرئيس التونسي أعضاء اللجنة الأوروبية للديمقراطية عن طريق القانون أو ما يعرف بـ”لجنة البندقية” إلى مغادرة البلاد فورا.
وأضاف -خلال لقاء بوزير خارجيته- إن تونس ليست في حاجة إلى مساعدة من أحد، قائلا إنه إذا كان أعضاء هذه اللجنة يسعون للتدخل الذي وصفه بالسافر في شؤون بلاده فعليهم أن يلزموا بيوتهم وبلدانهم.
من ناحية أخرى، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل الثلاثاء تنفيذ إضراب عام في القطاع العمومي يوم 16 يونيو/حزيران المقبل للمطالبة بسحب منشور حكومي متعلق بالتفاوض مع النقابات.
وقال الاتحاد الذي يعتبر أعرق منظمة نقابية في تونس -في بيان له- إن “قرار الإضراب العام يأتي من أجل سحب المنشور عدد 20 المتعلق بالتفاوض مع النقابات، وفي ظل الارتفاع الجنوني للأسعار وتدهور القدرة الشرائية للموظفين”.
وأضاف إن الإضراب يأتي أيضا “لتعمد الحكومة ضرب مبدأ التفاوض والتنصل من تطبيق الاتفاقيات المبرمة وعدم استعدادها لإصلاح المؤسسات العمومية”.
وفي قصر الضيافة بقرطاج، بدأت جلسات "الحوار الوطني" الذي دعا إليه الرئيس التونسي قيس سعيّد السبت ٥ يونيو، وسط مقاطعة واسعة من أحزاب ومنظمات وشخصيات وُجّهت إليها الدعوة للمشاركة، وفي المقابل حضر عدد من الأحزاب والشخصيات المساندة لمسار 25 يوليو/تموز، والمؤيدين لصياغة دستور جديد من قبل لجنة استشارية.
وانطلق الحوار بجلسة حضرها رئيس اللجنة الاستشارية من أجل الجمهورية الجديدة، الصادق بلعيد، ورئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية عميد المحامين، إبراهيم بودربالة.
ومن أبرز الشخصيات التي حضرت المؤتمر، أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، وأمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي، ورئيس التحالف من أجل تونس سرحان الناصري، ورئيس رابطة حقوق الإنسان جمال مسلم، ورئيس اتحاد الفلاحين المنصَّب نور الدين بن عياد.
كما حضر القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين منجي الرحوي، رغم مقاطعة حزبه، والوزير والقيادي السابق في "تحيا تونس" حاتم العشي، والقيادية في "نداء تونس" فاطمة المسدي، والوزير والقيادي المستقيل من حركة النهضة عماد الحمامي.
ووفق المرسوم الرئاسي الذي صدر في 26 مايو الماضي، ستشكل اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب اللجنة الاستشارية القانونية، قوام "لجنة الحوار الوطني" التي تضم أعضاء اللجنتين الاستشاريتين.
ودور لجنة "الحوار الوطني" هو "التأليف بين المقترحات التي تتقدم بها اللجنتان الاستشاريتان، بهدف تأسيس جمهورية جديدة"، حسب المرسوم الرئاسي.
في المقابل، قاطع عدد من الأحزاب هذا المؤتمر، ورأت أن هذا الحوار "شكلي وأحادي ونتائجه معدّة مسبقاً"، على رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر المنظمات النقابية في تونس وأهمها، معتبراً أنه "شكلي" ويقصي القوى المدنية.
كذلك، أعلن عمداء وعميدات كليات الحقوق والعلوم القانونية التونسية، اعتذارهم عن المشاركة في اللجنة التي شكلها الرئيس التونسي قيس سعيد لصياغة دستور من أجل "جمهورية جديدة"، حفاظاً على حياد المؤسسة الجامعية وعدم الزج بها في المشاريع السياسية.
بدوره، أعلن حزب "المسار الديمقراطي الاجتماعي" رفضه الحضور، مؤكداً تمسكه بنهج الحوار التشاركي كآلية لإنقاذ تونس من أزمتها السياسية والاقتصادية الشاملة.
كما رفض حزب "آفاق تونس"، في بيان، المشاركة في الحوار باعتباره "استشارياً، صورياً وشكلياً، يفتقد إلى الحد الأدنى من المصداقية والشرعية".
إلى ذلك، وقعت صدامات، في العاصمة التونسية، يوم السبت، بين الشرطة ونحو مئة متظاهر احتجوا على الاستفتاء الذي يعتزم الرئيس، قيس سعيّد، تنظيمه في يوليو المقبل، بعد عام من إجراءاته التي تعتبرها المعارضة "انقلاباً".
ومنعت الشرطة متظاهرين من الاقتراب من مقر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي غيّر سعيّد طريقة اختيار أعضائها وعيّن رئيسها بنفسه، وهو إجراء يعتبره معارضون بأن هدفه بسط سيطرته على المؤسسة.
ورفع بعض المشاركين في الاحتجاج الذي نظمته خمسة أحزاب صغيرة لافتات كتب عليها "هيئة الرئيس = هيئة التزوير".
وقال المتحدث باسم حزب العمال التونسي حمّة الهمامي "الشرطة.. استخدمت الغاز المسيل للدموع ضدنا وهاجمتنا".
واستبعد الحوار الذي دعا إليه رئيس تونس، بعض الأحزاب السياسية، على رأسها النهضة، التي استثناها كذلك من المشاركة في لجنة للإعداد لمشروع تنقيح دستور "جمهورية جديدة"، واكتفى بإشراك المنظمات الوطنية الكبرى في البلاد والأحزاب السياسية الداعمة لإجراءات 25 يوليو
في موازاة ذلك، أعلنت جمعية القضاة التونسيين، يوم السبت، عقب اجتماع طارئ لمجلسها الوطني تنفيذ إضراب اعتباراً من الإثنين "لمدة أسبوع قابلة للتجديد"، وذلك بعد يومين من إصدار الرئيس مرسوماً عزل بمقتضاه 57 قاضياً على خلفية شبهات فساد مفترضة.
وقالت الجمعية في بيان إثر الاجتماع الذي حضرته أربعة هياكل نقابية قضائية أخرى، إن القضاة "يستنكرون وبشدّة مواصلة رئيس الجمهورية التدخل في السلطة القضائية وفي الصلاحيات الموكولة لها".
وندّد القضاة وخصوصاً بما جاء في المرسوم الأخير الصادر عن الرئيس من "إسناده لنفسه صلاحية إعفاء القضاة بدون المرور بالمسارات التأديبية في مخالفة للحد الأدنى من معايير حق الدفاع المكفول دستورياً والمضمون بموجب المعاهدات الدولية".
وتعاني تونس إلى جانب الأزمة السياسية، من صعوبات اقتصادية خطيرة أبرزها التضخم المتسارع والبطالة المرتفعة. وتحاول البلاد المثقلة بالديون الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة لا تقل عن أربعة مليارات دولار.