الوقت- بعد مضيّ سنة على معركة «سيف القدس»،ما زالت معركة "سيف القدس" التي اندلعت في أيار/ مايو 2021 محطة بالغة التأثير على الساحة الفلسطينية، فهي أبرز عمل مقاوم مسلَّح قام به الفلسطينيون دفاعاً عن القدس والمسجد الأقصى في عام 2021، وأكدت أن القدس المحتلة في صلب اهتمام المقاومة الفلسطينية المسلحة، فقد أطلقت المقاومة في قطاع غزة معركتها «سيف القدس»مع الاحتلال الإسرائيلي رداً على اعتداءات أذرعه على المسجد الأقصى، ومحاولاتهم تهجير العوائل الفلسطينية من حي الشيخ جراح.
بعد مرر عام من المعركة الذي خاضها أبناء المقاومة الإسلامية في فلسطين ضد الكيان الصهيوني، والذي أثبت فيها أبناء الشعب الفلسطيني أن المقاومة المسلحة هي الطريق لتحرير الأرضي الفلسطينة من الاحتلال الصهيوني، الذي ارتكب أبشع الجرائم في حق الشعب الفلسطيني، يواصل الكيان الصهيوني الاستمرار في جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، من جهةٍ اخرى يتصدى أبناء الشعب الفلسطيني بكل الوسائل للتجاوزات الإسرائيلية، حيث إن العام الذي انتهي كان كابوساً للصهاينة فقد نفذ أبناء فلسطين العديد من العمليات ضد الكيان الصهيوني رداً على الجرائم التي ارتكبها، العمليات التي قام بها أبناء الشعب الفلسطيني جعلت الكيان الصهيوني يتخبط ويفقد قدرته على التركيز، وقد ظهر الارباك لدى سلطات الكيان الصهيوني واضحة، من خلال التصريحات التي أدلى بها قادة الاجهزه الامنية وحتى على لسان مسؤولين صهاينة، حيث قال رئيس الوزراء الكيان الصهيوني، نفتالي بينيت، إنّ مستقبل كيانه في خطر، تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني الاخيرة هي اعتراف صهيوني بالعجز والفشل داخل الكيان الصهيوني، فالحكومة الصهيونية لم تعد تستطيع أن تحافظ على حالة التوازن ولم تعد تستطع أن تحافظ على الخلافات فيها.
معركة "سيف القدس"
ما زالت معركة "سيف القدس" تمثل أبرز التحولات الاستراتيجية في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث استطاعت هذه المعركة ترسيخ فشل سياسة الردع التي يدعيها كيان الاحتلال الإسرائيلي، فالمعركة دفعت نحو المزيد من الالتحام مع الاحتلال، وهو ما ظهر في تصاعد العمليات الإستشهادية النوعية التي ضربت الأراضي المحتلة في الأشهر الأولى من عام 2022. ولا يخفى على أحد أن هناك عوامل عديدة تضافرت وأدت إلى انطلاق معركة "سيف القدس"، ابتداءً من انتصار المقدسيين في المواجهات التي اندلعت مع جنود الاحتلال ومستوطنيه في باب العمود بين 13 و25 نيسان/ أبريل 2021، ثم تحضير سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتحويل تاريخ 10 أيار/ مايو 2021 محطة لتصاعد التهويد، فقد قررت محاكم الاحتلال الصهيوني أن تعقد في هذا اليوم الجلسة النهائية للبت في قضية تهجير العائلات من حي الشيخ جراح، ولكن محكمة الاحتلال العليا قررت في 9 أيار/ مايو 2021 تأجيل النظر في القضية، على إثر تقارير أمنية تُشير إلى تصعيد ميداني مرتقب. في 10 أيار/ مايو 2021، بالتزامن مع الثامن والعشرين من رمضان، أفشل المرابطون اقتحام المستوطنين المسجد الأقصى، ولم يستطع الاحتلال إدخال المستوطنين إلى المسجد على الرغم من استخدامه القوة المفرطة، وهذا ما شكل انتكاسة كبرى للاحتلال، وهي انتكاسة رسختها تدخل المقاومة.
بدأت مؤشرات معركة "سيف القدس" بالتزامن مع اقتحام المسجد الأقصى من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، فقد حذرت فصائل المقاومة من استمرار الاعتداء على المسجد وحي الشيخ جراح. حيث قال أبو عبيدة الناطق باسم كتائب "عز الدين القسام" في 10 أيار/ مايو 2021، "قيادة المقاومة في الغرفة المشتركة تمنح الاحتلال مهلةً حتى الساعة السادسة من مساء اليوم لسحب جنوده ومغتصبيه من المسجد الأقصى المبارك وحي الشيخ جراح". وعلى إثر انتهاء مهلة المقاومة وعدم تراجع الاحتلال، قصفت المقاومة القدس المحتلة والمستوطنات في غلاف غزة برشقات صاروخية، وأعلنت وسائل إعلام عبرية أن المقاومة أطلقت نحو 150 صاروخاً في الساعات الخمس الأولى من المعركة.وعلى مدى 11 يوماً، أطلقت المقاومة نحو 4340 صاروخاً باتجاه الأراضي المحتلة، أدت إلى مقتل 12 مستوطناً. وإلى جانب الخسائر المباشرة استطاعت معركة "سيف القدس" إلحاق أضرار بالغة بالاقتصاد الإسرائيلي. وعلى الرغم من إخفاء سلطات الاحتلال الخسائر الرسمية على الصعيدين الاقتصادي والدمار الذي لحق بالبنية التحتية، فإن مصادر إعلامية كشفت أن معركة "سيف القدس" أضرت باقتصاد الاحتلال بشكلٍ كبير ومباشر، من توقف حركة الطيران، وعدم قدرة بعض المرافئ على استقبال السفن المحملة بالبضائع خوفاً من صواريخ المقاومة، وصولاً إلى إصابة خط الأنابيب التابع لشركة الطاقة الإسرائيلية.
في ذكراها الأولى..ملامح الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي باتت واضحة
تحل هذا العام الذكرى الأولى لمعركة "سيف القدس" التي سجلت المقاومة الفلسطينية فيها أعظم الإنتصارات ضد الكيان الصهيوني، حيث عبرت المقاومة من خلال معركة سيف القدس عن وحدة الموقف الفلسطيني سياسياً وعسكرياً، إضافة إلى ذلك فقد سجلت المقاومة أنها صاحبة الكلمة العليا، حيث رسخت معادلات جديدة كسرت فيها هيبة الاحتلال الإسرائيلي، من خلال ما تم ذكره يمكن القول إن ملامح الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي بعد عام من وقوع معركة "سيف القدس" باتت واضحة، إذ أيقنت قيادة الاحتلال الإسرائيلي بأنها لم تعد قادرة على خوض مغامرة جديدة بفاتورتها العالية، وأدركت أنه لم يعد بإمكانها تحقيق أي نصر أمام المقاومة الفلسطينية، أو حتى القدرة على استعادة هيبة الردع الإسرائيلي أو تحقيق أي من أهدافها.
أبرز ما حققته معركة "سيف القدس" على الصعيد الفلسطيني.
لقد كانت معركة "سيف القدس" سبباً رئيسياً في وحدة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948 والشتات، فقد هب الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال في آن واحد، وحدت الشعب الفلسطيني في هذه المعركة أعطت بعداً عربياً ودولياً لقضية القدس وهذا ماشهدناه من خلال المظاهرات التضامنية في أنحاء العالم. من ناحية أخرى يمكن القول إن معركة "سيف القدس" أسست لوعي فلسطيني جديد حيث عاد الصراع مع الكيان الصهيوني من خلال المقاومة المسلحة إلى الواجهة على عكس ما كان الوضع عليه سابقاً فقد سعت السلطة الفلسطينية في السابق من خلال العلاقات الاقتصادية والتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي،إلى تقديم صورة مغايرة للصراع مع الكيتان الصهيوني ، ومن ضمن ما حققته معركة "سيف القدس" على الصعيد الفلسطيني يمكن القول أيضاَ أنه من التحولات المهمة في هذه المعركة توسيع نطاق الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية لتشمل الدفاع عن مجمل القضايا وليس فقط قطاع غزة"، على نحو يتطلب في المقابل حضور غزة في العمل الوطني والشعبي الفلسطيني بكل التجمعات الفلسطينية في الوطن والشتات،فالمعركة شكّلت مفارقة خاصة في نقطة البداية بتوجيه الضربات إلى "وسط الكيان الإسرائيلي"، وذلك يشير إلى أن المقاومة الفلسطينية "تعمل بصبر وثبات وجهد لتطوير قدراتها.
وفي هذا السياق فقد كان للمعركة ايضاً انعكاساتها على الكيان الصهيوني، حيث إنها شكّلت ضربة للمستوى الأمني الذي لم يحسن التعامل مع الجبهات الفلسطينية المختلفة، وكانت تقديراته خاطئة حيالها فالمستوى الأمني فشل استخباراتيا في عدم تقدير مشاركة فلسطيني الداخل بالمواجهة، وعملياتيا في التقدير بأنه لا يمكن خوض حرب في أكثر من جبهة، وفي عدم نجاحه بمواجهة التحدي في الجبهات الثلاث، وعلى الصعيد العملياتي إن الضربة الأمنية الخطيرة والكبيرة تمثلت في عدم القدرة الإسرائيلية على إيجاد قوات كافية ونقل قوات من مكان إلى آخر.
هل نشهد قريبا "سيف القدس 2"
من دون شكّ، حقّقت معركة «سيف القدس» إنجازات كبرى ومهمّة، وفتحت الطريق أمام الشعب الفلسطيني لإمكانية الانتصار على المشروع الصهيوني في المنطقة. فالمواجهات التي شهدها المسجد الأقصى، في أعقاب العمليات الاستشهادية المتتابعة التي قام الشباب الفلسطيني في مدن الكيان الصهيوني وأسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، جعلت الأنظار في فلسطين والشارع العربي والإسلامي خاصة تتجه من جديد صوب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ترقبًا لبدء معركة "سيف القدس 2". فهل تعيد المقاومة الفلسطينية سيناريو معركة "سيف القدس" خصوصا وأن سياق الأحداث الحالية يشبه كثيرا سياق الأحداث التي سبقتها؟ وماذا لدى الفلسطينيين من خيارات غير ذلك؟
في النهاية وعلى إثر مرور عامٍ كامل على معركة "سيف القدس" استطاعت المقاومة المسلحة أن تحافظ على رباطها على ثغور القدس والأقصى، إذ تشكل تهديداتها لضرب مدن الاحتلال الصهيوني جزءاً من معادلة رعبٍ جديدة، المقاومة هي اليد العليا فيها، ولقد شهدنا كيف أثرت هذه المعادلة في محاولات إدخال المستوطنين "القرابين" إبان "عيد الفصح" اليهودي، وعلى مسيرة الأعلام الإسرائيلية في نهايته، وعلى محاولات رفع علم الاحتلال في اقتحامات ذكرى احتلال القدس في 5 أيار/ مايو 2022، وهي نماذج تعيد تأكيد نجاعة معركة "سيف القدس"، وأن إنجازاتها ماثلة بعد عامٍ من اندلاعها.