الوقت - وصل وزير الدفاع التركي إلى باكستان في زيارة رسمية يوم 20 مايو 2022.
تعتبر هذه الزيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول حكومي تركي كبير لباكستان منذ تولي الحكومة الجديدة السلطة، والتي انضمت خلالها سفينة حربية تم إنشاؤها بالاشتراك مع تركيا إلى البحرية الباكستانية.
وتأتي هذه الزيارة في 9 أبريل 2022، بعد أن شهدنا الإقالة المثيرة للجدل لعمران خان من منصب رئيس الوزراء، وما تلاه من وصول "محمد شهباز شريف" إلى السلطة بانتخاب البرلمان الباكستاني في 11 أبريل 2022، بصفته زعيم حزب الرابطة الإسلامية(جناح نواز).
بعد هذا التحول الكبير في المشهد السياسي الباكستاني، يبدو أن شريف يسعى الآن إلى تعزيز نهج سياسته الخارجية من جهة، ويسعى اللاعبون الإقليميون إلى توطيد علاقاتهم مع إسلام أباد من جهة أخری.
ومع وضع ذلك في الاعتبار، في ظل الوضع الجديد، تكتسب زيارة وزير الدفاع التركي إلى باكستان أهميةً خاصةً، باعتبار تركيا واحدةً من الدول التي تتمتع بمستوى جيد من العلاقات لعدة عقود، ويُنظر إليهما علی أنهما قوتان إقليميتان عظيمتان.
وعلى الرغم من أن تحديد أهداف واضحة لأنقرة بشأن العلاقات مع إسلام أباد بعد سقوط حكومة عمران خان أمر واضح، لکن المنافسات الإقليمية ستكون بالتأكيد متغيرًا رئيسيًا في زيارة خلوصي آكار الأخيرة لإسلام أباد.
الإطاحة بحكومة عمران خان وجهود أنقرة للحفاظ على موطئ قدم لها في إسلام أباد
إقالة عمران خان وتشكيل حكومة جديدة برئاسة شهباز شريف، حدث يجب علی أساسه النظر في زيارة وزير الدفاع التركي لباكستان.
على مدى السنوات القليلة الماضية، اتخذ عمران خان موقفًا مستقلاً في السياسة الخارجية، من خلال اتباع نهج مستقل تجاه الدول الخليجية، وقد تسبب ذلك في استياء الحكام العرب، وخاصةً المسؤولين السياسيين في السعودية.
وعلى الرغم من أنه في السنة الأولى من حكم عمران خان، تم توقيع اتفاقيات لتوسيع التعاون بين إسلام أباد والرياض، إلا أن عدم امتثاله للسياسات الإقليمية للسعوديين وضع الأساس لعلاقة باردة بين البلدين.
كانت حكومة عمران خان معارضةً عمليًا للسعوديين، في قضايا السياسة الخارجية السعودية الكبرى مثل الحرب اليمنية وحصار قطر والخلاف مع جماعة الإخوان المسلمين في تركيا.
في المقابل، رفضت الرياض دعم باكستان في قضية كشمير الأمنية، وخطوة الحكومة الهندية إلغاء حكمها الذاتي في عام 2019، بل عززت موطئ قدم الهنود في الخليج الفارسي، ليدق جرس الإنذار حول نهاية التحالف الاستراتيجي بين البلدين.
وقد دفع مجموع ذلك الحكام السعوديين إلى دعم خطة إزاحة عمران خان من السلطة، ولعب دور فعال في إيصال شهباز شريف إلى السلطة. وبعد تعيين رئيس الوزراء الجديد، قامت الرياض، كواحدة من أكثر الأطراف سعادةً بهذا التغيير، بدعوة شهباز شريف إلى السعودية على الفور.
في 27 أبريل 2022، غادر رئيس وزراء باكستان الجديد إلى الرياض للقاء قادة السعودية. وخلال الزيارة، تعهد السعوديون بتقديم استثمارات بقيمة 8 مليارات دولار لرئيس حكومة إسلام أباد على شكل منح تسهيلات نفطية واستثمارات.
ومع وضع هذا في الاعتبار، يبدو أن جهود السعوديين لإقامة علاقات أوثق مع الحكومة الباكستانية الجديدة، قد أثارت رد فعل من أنقرة أكثر من أي دولة أخرى.
الحقيقة هي أنه على الرغم من أن أردوغان أطلق استراتيجيةً لتهدئة التوترات مع السعودية ودول عربية أخرى في الأشهر الأخيرة، إلا أن هذا لا يعني أن قادة حزب العدالة والتنمية سيتجاهلون المنافسة مع الرياض كقوة إقليمية.
وبالتالي، يمكن تقييم زيارة وزير الدفاع التركي على أنها محاولة من جانب تركيا للحفاظ على(تعزيز) موقفها، وبطريقة ما مواجهة النفوذ الواسع للسعوديين في الحكومة الباكستانية الجديدة.
وفي هذا الصدد، من المهم أن نلاحظ أنه منذ تأسيس جمهورية باكستان في عام 1947 وحتى اليوم، كانت العلاقات جيدةً بين أنقرة وإسلام أباد، على الأقل على مستوى الموقف السياسي.
ومع ذلك، نما نفوذ تركيا في باكستان أقوى من أي وقت مضى في السنوات الأخيرة، وخاصةً منذ تولى عمران خان منصبه. وإضافة إلى توسيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين من مليار دولار في عام 2010 إلى أكثر من 3 مليارات دولار في عام 2021، ازداد نفوذ تركيا الثقافي والعسكري في باكستان بشكل كبير أيضًا.
ثقافيًا، سعى أردوغان في السنوات القليلة الماضية إلى إحياء مكانة الإمبراطورية العثمانية التقليدية في العالم الإسلامي، من خلال الترويج للمسلسلات التركية في العالم الإسلامي، وخاصةً في باكستان.
على سبيل المثال، حاز مسلسل "قيامة أرطغرل"، وهو من أغلى المسلسلات التركية وأكثرها إثارةً للجدل، على شعبية غريبة بين المواطنين الباكستانيين، ورافق ذلك رد فعل قوي من السعوديين لوقف بثه.
إضافة إلى ذلك، في السنوات الأخيرة، شهد التعاون العسكري التركي مع باكستان اتجاهاً تصاعدياً. وفي هذا الصدد، نرى أن البلدين وقعا في عام 2018 مشروعًا مشتركًا لتسليم أربع سفن إلى إسلام أباد.
وفي يوليو/تموز 2020، وقعت باكستان وتركيا عقدًا بقيمة 1.5 مليار دولار لشراء طائرات هليكوبتر تركية الصنع. لكن البنتاغون أوقف بعد ذلك تصدير المحرك للشركة التركية، ما أخَّر تسليم طائرات الهليكوبتر إلى باكستان.
أيضًا في مارس 2022، أعلنت تركيا وباكستان أنهما بصدد بناء طائرة مقاتلة من الجيل الخامس(طراز TF-X).
لكن في الوضع الجديد، نرى أن أنقرة، في خطوة رمزية بالتزامن مع زيارة وزير دفاعها، سلَّمت إلى إسلام أباد السفينة الحربية المسماة "بي إن إس بدر"، والتي تم بناؤها بمشاركة تركيا في باكستان، باعتبارها الفرقاطة الثالثة لعقد عام 2018. وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تم فيه تسليم سفينتين إلى حكومة عمران خان في عام 2021.
والآن أيضًا، مع تسليم الفرقاطة الثالثة للحكومة الجديدة، بعث أردوغان برسالة رمزية إلى إسلام أباد مفادها أنه على الرغم من تغيير الحكومة، ستواصل أنقرة تعاونها مع إسلام أباد على مختلف المستويات.