الوقت_ يُدرك المجتمع الدوليّ وإن لم يعترف أنّ الساحة الفلسطينيّة تقترب أكثر فأكثر من موعد الانفجار نتيجة السياسيات الإسرائيلية الطائشة، لهذا أعرب رئيس وزراء في حكومة العدو الإسرائيليّ، نفتالي بينيت، عن خيبة أمله لعدم إدانة الأمم المتحدة، إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه الأراضي الفلسطينيّة التي تحتلها "إسرائيل"، وذلك خلال اتصال هاتفي بين بينيت، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في ظل خشية إسرائيلية من صواريخ غزة تبينت من خلال تعزيز منظومة القبة الحديديّة في الجنوب واحتواء حوادث إطلاق الصواريخ من قطاع غزة تجاه مستوطنات "غلاف غزة"، دون اللجوء لخيار التصعيد العسكريّ الذي زاد قليلاً في الأسبوع المنصرم، فيما يبدو جليّاً أنّ الأمم المتحدة تعلم حجم التصعيد العلنيّ من قبل الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينيّة واستخدامهم سياسة القتل والاقتحام وانتهاك المقدسات والحصار والتعذيب وخاصة في الفترة الأخيرة.
خيبة إسرائيليّة
"خيبة أمل إسرائيليّة إزاء عدم قيام الأمم المتحدة بشجب إطلاق القذائف الصاروخية على الأراضي الواقعة تحت سيطرة العدو"، عبارة أكّدها الناطق باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، أوفير جندلمان، في بيان نشره عبر حسابه في موقع “تويتر”، أوضح فيه بينيت أنّه لا يجوز للمجتمع الدولي أن يخدم ما أسماها "أجندة التنظيمات الإرهابيّة"، في وقت ترتكب الآلة العسكريّة الإسرائيليّة جرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدوليّ من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، ما يفضح الصهاينة بشكل أكبر على الساحة الدوليّة التي يُتهم فيها أساساً من قبل منظمات حقوقية بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة الرازحة تحت الاحتلال، الشيء الذي يضع العدو الغاشم أكثر فأكثر في دائرة العنصريّة المقيتة التي يتميز بها.
ورغم أنّ العالم أجمع يعلم أنّ حالة التوتر التي شهدتها الأراضي الفلسطينية تصاعدت بشكل خطير مؤخراً لاسيما في العاصمة الفلسطينيّة القدس عقب اقتحام الاحتلال المسجد الأقصى المبارك واعتقال مقدسيين، وقيام المستوطنين المتشددين باقتحامات كثيرة لساحات المسجد الأقصى شرقي القدس بحراسة مشدّدة من شرطة العدو، رغم تحذيرات الفصائل الفلسطينيّة بأنّ "المسجد الأقصى خط أحمر، وأنّ الاحتلال يتحمل مسؤولية اعتدائه على المصلين"، يتحدث بينيت أنّ "إسرائيل" هي الطرف الذي يحقق الاستقرار، ولو لم تقم قوات العدو باستعادة ما وصفه بـ "النظام العام"، ما كان ليستطع عشرات الآلاف من المسلمين أداء صلواتهم، متناسيّاً التحذيرات الكثيرة على أكثر من مستوى بشأن سعي تل أبيب لتدويل الأمور على الساحة الفلسطينيّة ومخاطر ذلك، وتمادي قوات المحتل الباغي ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، ناهيك عن تباهي رئيس حكومة العدو برغبة كيانه في تنفيذ المزيد من العمليات ضد أصحاب هذه الأرض.
إضافة إلى ذلك، غضّ بينيت الطرف عن التحذيرات الجادة لحركتي المقاومة الإسلامية في فلسطين "حماس" و "الجهاد الإسلاميّ" مؤخراً، من عواقب وعمليات استهداف للمصلين واقتحام في المسجد الأقصى المبارك وتسخين الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة ، إنّ الصواريخ التي أطلقت على ما تُسمى منطقة "محيط غزة" أكبر شاهد على الاحتماليّة الكبيرة لانفجار الأوضاع في الساحة الفلسطينيّة التي تعيش أوضاعاً متوترة للغاية بسبب سياسة العدو، فيما يشير ضباط إسرائيليون بارزون إلى أنّ "إسرائيل" تلعق جراحها، لكن حماس تحتفل بالنصر، وهي تعزو ذلك إلى استراتيجية أسستها معادلتها الجديدة (غزة – القدس)، في المواجهة مع الصهاينة منذ معركة "سيف القدس" الشهيرة، وجاءت أحداث الأسابيع الأخيرة لتعزز هذه المعادلة، انطلاقا من قاعدة أن كيان الاحتلال" لا يفهم إلا لغة القوة والدمار".
انتصار المقاومة
عقب التحذيرات من داخل الكيان نفسه من أيّ تصعيد أمنيّ في القدس، والضفة الغربية، بعد أن تحسسوا خطر تصرفات حكومتهم الطائشة المتعلقة بالضفة الغربيّة والتي بات سكانها يوصفون بأنّهم "جمر تحت الرماد"، مع إقدام الكيان الغاصب على خطوات تصعيديّة كثيرة بدءاً من عمليات الضم التي ستؤدي بلا محالة إلى انفجار "انتفاضة عارمة" ستغير الواقع الحالي وفقاً لكثيرين، وليس انتهاءً بارتكاب أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين وانتهاك حرماتهم في الشهر المبارك، يعترف بعض الإسرائيليين بأنّ حماس حققت مؤخراً عدة إنجازات هامة، أولها سحب البساط من تحت "إسرائيل" والأردن والسلطة الفلسطينية من المسجد الأقصى المبارك وسيطرة حماس عليه من خلال تعبئة الشارع المقدسي عبر رفع أعلامها على المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وتتوج ذلك باضطرار تل أبيب لإلغاء مسيرة الأعلام خوفا من إطلاق صواريخ غزة من جديد، حتى أن التسليم الإسرائيلي مع “تساقط” الصواريخ من غزة على مستوطنات الغلاف يأتي خوفا من جولة أخرى من القتال في القطاع المحاصر منذ سنين طويلة.
وإنّ الأسبوع الأخير الذي شهد إطلاق الصواريخ من قطاع غزة تجاه الأراضي الفلسطينيّة المحتلة بعد 6 أشهر من الهدوء، كان عنواناً بارزاً على المحطات الإخباريّة العبريّة، في ظل تأهب شديد من قبل قوات العدو الإسرائيلي وقرار تل أبيب رفع حالة التأهب القصوى في المنطقة الجنوبيّة لفلسطين المحتلة عبر تعزيز منظومة القبة الحديدية، حيث ينبع القلق الإسرائيليّ العارم من انفجار الأوضاع وعودة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة رداً على العنصريّة الإسرائيليّة، وإنّ رسالة الفصائل الفلسطينيّة التحذيريّة مؤخراً بشأن أوضاع غزة وفلسطين بشكل عام، والتي يتحدث أغلب المحللين بأنّها قابلة للانفجار في أي لحظة لم تكن بجديدة، بالتزامن مع إرهاب الاحتلال الصهيونيّ وعدوانه المتمثل في القتل والاقتحام وانتهاك المقدسات والحصار ومنع الإعمار.
ووفقاً للتقديرات الإسرائيليّة، فإنّ حركة المقاومة الإسلاميّة "حماس" قررت القيام بنشاط محدود لإطلاق صواريخ بـ”التنقيط” على فلسطين المحتلة لعدة أسباب، أولها الاحتفاظ بمساحة إنكار من خلال عدم اعترافها بمسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ، وتزعم للوسطاء أن من يطلقها عناصر “جامحة” في القطاع المحاصر، رغم أن الحركة كما يدعي الإسرائيليون تحاول اجتياز عيد الفطر بهدوء نسبي، ولا ترغب باستمرار العقوبات المصرية التي هددت بوقف أعمال إعادة الإعمار إذا شنت جولة جديدة ضد "إسرائيل".
لكن وفي الوقت ذاته، تعيش الأوساط العسكرية الإسرائيلية قلقاً عارماً من أن حماس ربما تتجهز لخوض مواجهة عسكرية مع الصهاينة في الفترة القادمة، من خلال تصعيد تدريجيّ على حدود غزة، والخلاصة بحسب الصهاينة أن الحركة أسست معادلة ردع جديدة مع الاحتلال لها تداعيات خطيرة على سياسته في الردود العسكرية، ما يؤكد أن الاحتلال أمامه أسابيع قليلة أخرى تتعلق بالوضع الأمنيّ، رغم أن "إسرائيل" مكبلة الأيدي في حال استئناف الهجمات المسلحة في المدن التي يسيطر عليها العدو.
أما حديث القيادات الأمنية للاحتلال عن أنّ قواتهم على درجة عالية من الاستعداد لعملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة، وأن الأسبوع المقبل سيكون حاسماً، لا يعدو عن كونه "هراء" لأنّ العدو لو كان بإمكانه إبادة الفلسطينيين دفعة واحدة لما انتظر لحظة، وثانياً لأنّ فصائل المقاومة باتت أكثر استعداداً مما مضى وأنّ الحاضنة الشعبيّة أشد التفافا حولها، وهي حسب قولها لا تستعجل الحرب، لكن إذا فكر العدو من الاقتراب من دماء الشعب الفلسطينيّ فسوف يفاجأ بما لم يتوقع وسيعود مهزوماً.
وبالاستناد إلى قضية إطلاق الصواريخ من غزة باتجاه الأراضي الفلسطينيّة الواقعة تحت سطوة الاحتلال، يدرك العدو الصهيونيّ مدى شجاعة الفلسطينيّين وتمسكهم بأرضهم مهما تمادى في ظلمه وعدوانه، وأشارت الفصائل الفلسطينية مراراً أنّ حسابات الكيان الغاصب ستسقط كما سابقاتها، وسيفشل في تحقيق الأهداف العسكريّة الخادمة لأهدافه السياسيّة القذرة، لهذا لا توفر المقاومة الفلسطينيّة يوماً واحداً لإحراز تقدم في قدراتها العسكريّة والتكتيكيّة، كي لا يطيل ذلك من عمر سرطان الاحتلال ويزيد من إجرامه واعتداءاته المتواصلة، وحين تحذر العدو الإرهابيّ من تكرار الخطأ الاستراتيجيّ في غزة، فهي تعي ما تقول كما يدرك الاحتلال ذلك، فالسنوات التي مرت على المقاومين المحاصرين، زادت رغبتهم في اجتثاث العدو من بلادهم، ما جعل قوتهم وخبرتهم أكبر وحنكتهم أعظم وصواريخهم أشد قوة وأبعد مدى.
دلالات مهمة
إنّ عد إدانة الأمم المتحدة لضربا غزة تجاه الأراضي المسلوبة، يُعد اعترافاً غير مباشر بالعدوان المتصاعد من قبل الصهاينة على أبناء فلسطين في أغلب المناطق الفلسطينيّة المحتلة، وشهادة قويّة ومحقّة على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ العنصريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة، واعترافاً من قبل العالم بجرائم "إسرائيل" المتعددة بحق الشعب الفلسطينيّ خاصة في هذا الشهر المبارك، الشيء الذي يجب أن يدفع المجتمع الدوليّ بشكل أكبر على تحمل مسؤولياته بسرعة تجاه العنصريّة المقيتة التي تمارسها تل أبيب، ومساءلة وتذكير الدول بالتزاماتها القانونيّة بموجب القانون الدوليّ، للجم خروقات الكيان المُعتدي التي تؤكّدها كل يوم الأخبار الآتية من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة.
أيضاً، أظهر العدو الإسرائيليّ أمام العالم رغبته العارمة في قمع الفلسطينيين والسيطرة عليهم، حيث بات الصمت تجاه الجرائم الإسرائيليّة المنقطعة النظير والعنصريّة الغريبة الوصف "جريمة بحد ذاتها"، باعتبار أنّ السياسات الإسرائيليّة تساهم وبشكل متصاعد في ارتكاب جرائم ضد الإنسانيّة لا حصر لها، في أعقاب المنهج العنصريّ بحق الفلسطينيين وتزايد إجرام العدو الوحشيّ، وإنّ الكيان الصهيونيّ ورئيس وزرائه لا يُخفي ذلك أساساً، بل يعترف بأنّه لايمكن بأيّ حال من الأحوال أن يتوقف عن إجرامه وقضمه لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، ويعتبر أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في "إسرائيل" وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسيّة في فلسطين.
ولا يمكن للأمم المتحدة إنكار التقارير الدولية وحتى الإسرائيليّة، والتي تتحدث أنّ جوهر الهيمنة الصهيونيّة يتمثل في ممارسة أنظمة المواطنة المتميزة بين اليهود والفلسطينيين وتقسيم الفلسطينيين إلى مجموعات منفصلة (فلسطينيون في الأراضي المحتلة، العاصمة الفلسطينيّة القدس، فلسطينيون في الضفة الغربية ، قطاع غزة ، ولاجئون)، وما يبرهن ذلك ما قالته منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية قبل مدة، وهي مركز إسرائيليّ غير حكوميّ مختص بحقوق الإنسان في الأراضي التي يحتلها العدو الصهيونيّ الغاصب، حول أنّ حقوق الفلسطينيين أقل من حقوق اليهود في المنطقة بأكملها بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، وأنّهم يعيشون تحت أشكال مختلفة من السيطرة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة وقطاع غزة والقدس الشرقيّة وداخل الأراضي المحتلة نفسها.
ما يعني في النهاية أنّ الهمجية والدمويّة الإسرائيليّة في التعاطي مع الشعب الفلسطينيّ والتي يمكن أن تشعل الساحة الفلسطينيّة في أي لحظة باتت صفحة مكشوفة على الساحة الدولية، بعد أن أوصل الإسرائيليون خلال سنوات احتلالهم رسالة للشعب الفلسطينيّ بأنّهم غير مستعدين سوى لانتهاك الحرمات وسفك الدماء وسلب الأراضي، فيما تركوا حلاً وحيداً للفلسطينيين هو وقوع "ثورة غضب" عارمة بوجه الاحتلال وعصاباته، لأنّ التصدي لهجمات المستوطنين وعربدتهم المتصاعدة هو السبيل الوحيد لردعهم ولحماية فلسطين وشعبها، وقطع يد قوات الاحتلال ومنعها من العربدة والتغول في أراضي الفلسطينيين عبر مخطّطات العدو الاستيطانيّة الرامية لإنهاء الوجود الفلسطينيّ السياسيّ والسكانيّ في الضفة الغربيّة والعاصمة الفلسطينيّة القدس.