الوقت - بعد فترة وجيزة من تشكيل دولتها المزيفة، سعت إسرائيل إلى إقامة علاقات رسمية مع الصين من خلال إرسال أول وفد تجاري لها إلى الصين في أواخر عام 1954، ولكن على مدى عقود لم تؤت تلك العلاقات أُكلها وخاصة في السبعينيات، وظل موقف الصين بشأن تجاهلها لإسرائيل دون تغيير.
أهداف الصين من بناء علاقات مع الكيان الصهيوني
ما جعل العلاقة بين الصين وإسرائيل أكثر تعقيدًا هو الوضع الداخلي للصين من ناحية والسياسة الخارجية التوسعية للكيان الصهيوني من ناحية أخرى.
وعلى الرغم من أن جمهورية الصين الشعبية كانت تدعم الموقف العربي من إسرائيل سياسياً لما يقرب من أربعة عقود، إلا أنها شعرت تدريجياً أن تطوير علاقاتها مع إسرائيل لن يكون له تأثير سلبي على علاقاتها مع العالم العربي.
وعلى وجه الخصوص، بعدما اعترفت العديد من الأنظمة العربية بشكل غير مباشر أو مباشر بالكيان الصهيوني.
وهكذا، وبالتوازي مع تطور علاقاتها مع الدول العربية، عززت الصين أيضًا علاقاتها مع الكيان الصهيوني.
من ناحية أخرى، وجدت الصين أن اللوبي اليهودي له تأثير كبير في القرارات الأمريكية، وبالتالي فإن تطوير علاقات الصين مع إسرائيل هو شيء يمكن أن تستخدمه بكين لاستخدام اللوبي اليهودي الصهيوني في الولايات المتحدة للقيام بالموافقة على قرارات لمصلحة الصين، بمعنى آخر، يعتقد الصينيون أنه كلما تطورت علاقتهم مع إسرائيل، كلما كان اللوبي اليهودي أكثر ليونة في المؤسسات الأمريكية أو حتى بعض الدول الأوروبية تجاه بكين.
كما أن تطوير العلاقات بين مؤسسات الأعمال والتكنولوجيا الصينية ومراكز البحث العلمي في البلاد مع الكيان الصهيوني سيعطي الصينيين الوصول إلى التكنولوجيا الغربية المتاحة لإسرائيل.
ولقد طورت بكين وتل أبيب العلاقات التجارية في العقود الأخيرة، حيث باعت إسرائيل ما قيمته 7.5 مليارات دولار من الأسلحة إلى الصين بين عامي 1984 و 1994، وتعاونت 164 شركة إسرائيلية في مجال التقنية مع الصين.
كما وقعت الصين وإسرائيل في عام 2000 اتفاقية للتعاون الدفاعي، وخاصة في إنتاج الطائرات دون طيار، وبعد ذلك علقت الولايات المتحدة الاتفاق واضطر الكيان الصهيوني إلى دفع 350 مليون دولار كتعويض للصين.
ماذا تفعل اللوبيات اليهودية في الصين؟
من ناحية أخرى، أدرك الكيان الصهيوني أن الصين هي إحدى القوى الناشئة في النظام الدولي وقد تكون قادرة على أخذ مكان الولايات المتحدة في العالم.
وعليه، فإن الصهاينة، ومع عدم رغبتهم في إثارة غضب الولايات المتحدة، يسعون إلى تطوير العلاقات مع الصين وإقامة علاقات وثيقة معها.
من الواضح أن الصين، كدولة نووية، هي أيضًا أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، ويظهر نموها الاقتصادي أيضًا أنه بحلول عام 2030 سيكون لديها أكبر اقتصاد في العالم.
كما أنها تتمتع بمقعد دائم في مجلس الأمن،ولقد أدى تضافر هذه العوامل إلى قيام الصهاينة بالسعي إلى تعميق العلاقات مع الصين.
وعلى الرغم من وجود العقبات على مر السنين، إلا أن الصين أصبحت أكبر شريك تجاري للصهيونية في آسيا، ولدى الجانبين علاقات اقتصادية وتجارية محدودة، على الرغم من اختلاف وجهات النظر حول القضايا السياسية والعديد من قضايا الشرق الأوسط.
وعليه، ونظراً لقوة الصين الاقتصادية، فإن أحد أهداف الكيان الصهيوني هو التسلل إلى هذا البلد، وفي هذا الصدد، وجهت اللوبيات الصهيونية أعينها إلى الصين.
وعلى مدى العقد الماضي، سعى هذا اللوبي في الصين إلى ترك بصمة على الحياة العامة للشعب الصيني ومؤسساته التعليمية والأكاديمية، باستخدام التسهيلات التي توفرها المؤسسات والجامعات الموالية للصهيونية وجماعات الضغط الموالية للصهيونية والمؤسسات والقادة. .
كما سعت اللوبيات الصهيونية إلى تغيير المفاهيم الأكاديمية لدى الصينيين وتغيير وجهة نظرهم تجاه النظام الصهيوني، وفي رأي بعض الخبراء، إن انهيار أو إدارة العملاق الاقتصادي الصيني المتنامي يعتمد على علاقات بين مع تل أبيب.
وتعتقد تل أبيب أن تقارب المصالح التجارية بين الشعب الصيني وحكومة الكيان الصهيوني يمكن أن يخلق شبكة اقتصادية كاملة بين الجانبين.
ولقد استخدم النظام الصهيوني أيضًا هذا النهج في سياق مصالحه الاقتصادية وعزز بشكل كبير علاقاته الدبلوماسية والثقافية مع الصين، وبالتالي أصبح حزبًا محوريًا صغيرًا وشريكًا استراتيجيًا للصين.
كما استخدمت حكومة النظام العديد من المعابد اليهودية لخدمة اليهود في الصين، وتخدم هذه المعابد الإسرائيليين الذين ذهبوا إلى الصين للعمل أو الدراسة، أو الصينيين الذين اعتنقوا اليهودية.
محاولة الصهاينة للتسلل إلى البنية الثقافية الصينية
بعد إقامة العلاقات الرسمية بين الصين والنظام الصهيوني في عام 1992، وضعت حكومة الكيان الصهيوني على جدول أعمالها العديد من الخطط لتفعيل طقوس اليهود في الصين. حيث أنشأ الإسرائيليون النوادي الخاصة والمستشفيات والمقابر وحتى وحدات المتطوعين اليهود في الصين.
وفي هذا السياق، وعلى الرغم من أن عدد اليهود في الصين لا يتجاوز 1500، فقد تم إنشاء جمعية "الصداقة الصينية الإسرائيلية"، كما تم إنشاء فرع لتدريس اللغة العبرية في جامعة بكين وكذلك اللغة الصينية في الجامعات الصهيونية.
وتشمل الأنشطة الثقافية اليهودية في الصين، التي يقودها ويدعمها النظام الصهيوني علنًا، إنشاء كرسي اليهودية في جامعة نانجينغ في منتصف القرن العشرين، وإنشاء معهد الدراسات اليهودية الصينية في عام 1985، وتأسيس مركز الدراسات اليهودية المبكرة المركز في تسعينيات القرن الماضي في شنغهاي، وإضافة إلى الإجراءات المذكورة أعلاه، فإن محاولة إقامة علاقات وثيقة مع المسلمين الصينيين هي هدف ثقافي وسياسي آخر للسلطات الصهيونية.
وفي هذا الصدد، ازداد اهتمام النظام الصهيوني بشكل خاص بالمناطق الزراعية الإسلامية في شينجيانغ في السنوات الأخيرة.
آفاق العلاقات بين بكين وتل أبيب في ظل التحدي التايواني
لكن بعد وصول الحكومتين الجديدة في إسرائيل والولايات المتحدة إلى السلطة، تغير موقف واشنطن واصبح حاداً وسلبياً ضد بكين، وأصبحت الصين بمثابة تهديد رئيسي للولايات المتحدة، وتم توقيف بيع أنظمة الإنذار بالرادار الإسرائيلية إلى الصين، وكل هذا الامور شكلت ضربة لكرامة بكين، وبسبب عدم إعطاء الأولوية من قبل آسيا والصين للاهتمام السياسي للحكومة الإسرائيلية الجديدة، أدى هذا الامر إلى فتور العلاقات السياسية بين بكين وتل أبيب على مدى السنوات القليلة الماضية.
وفي السياق ذاته، دعت الولايات المتحدة إسرائيل في مارس من العام الماضي إلى سحب تعاونها الاستخباراتي والأمني مع الصين.
وصدر تحذير ثان في حزيران (يونيو) الماضي، أكد أن الاستثمار الصيني يمكن أن يشكل عائقاً أمام شراكات المخابرات الأمريكية والأمنية مع إسرائيل.
وبالطبع لم تؤثر هذه القضية على العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، حيث تواصل جماعات الضغط الصهيوني في الصين أنشطتها الثقافية والاقتصادية.
لكن أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الصهاينة في علاقاتهم مع الصين هي قضية تايوان.
من الواضح أن الصين لا تزال تعتبر تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، ويتمتع بحر الصين الجنوبي، حيث تعتبر تايوان جزء من الصين، بموقع جيوسياسي وجغرافي اقتصادي مهم لبكين والاقتصاد الصيني. ومع استمرار التوترات بين بكين وواشنطن ، أثبتت الصين أنها لن تقدم تنازلات للولايات المتحدة تحت أي ظرف من الظروف في قضاياها الإقليمية، مثل تايوان وهونج كونج. وفي غضون ذلك، هناك دلائل على أن الصين تسعى لاستعادة السيطرة على تايوان.
وعليه، فإن الكيان الصهيوني في مأزق كبير في علاقاته مع تايوان، وتعزيز علاقات تل أبيب مع تايوان يرضي الولايات المتحدة؛ لكنه في نفس الوقت يثير غضب الصين.
بشكل عام، إن زيادة علاقات إسرائيل مع تايوان يقوي العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، لكنها أيضًا تخلق حالة من الغضب في الصين وهذا الامر يأتي في الوقت التي تحاول فيه تل أبيب تطوير علاقاتها مع بكين.
وفي ظل هذه الظروف، وبالنظر إلى أن إسرائيل لا تستطيع أبدًا اتباع سياسة تتعارض مع مصالح وتطلعات الولايات المتحدة، فإن العلاقات بين بكين وتل أبيب لها مستقبل غامض على المستوى السياسي، ما قد يؤثر على العلاقات التجارية في المراحل اللاحقة والقادمة.