الوقت- اليوم، تعتبر أزمة اللاجئين بالتأكيد واحدة من أكبر التحديات المشتركة التي تعاني منها المجتمعات البشرية، الأمر الذي يتطلب جهودًا دولية لإيجاد حل لهذه المشكلة الكبرى. وهذا على الرغم من حقيقة أن دول العالم الثالث في آسيا وإفريقيا تكافح مع ظاهرة موجة اللاجئين وطالبي اللجوء أكثر من مناطق أخرى من العالم بسبب تورطهم في أزمات مختلفة مثل الحروب وانعدام الأمن والمشاكل الاقتصادية والبيئية.
وفي الوقت نفسه، تعد أفغانستان واحدة من البلدان التي كانت دائمًا مصدرًا للتحويلات المالية للاجئين وطالبي اللجوء إلى أجزاء أخرى من العالم لسنوات عديدة.
إن انخراط المجتمع الافغاني في حرب أهلية طويلة الأمد، ومن ناحية أخرى، معاناته لعدة سنوات من انعدام الأمن الناتج عن وجود محتلين أجانب بذريعة مكافحة الإرهاب، قد منع هذا البلد المهم في آسيا الوسطى من التحرك نحو التنمية، وهذا الامر يُعد أحد الجذور الرئيسية لمغادرة الكثير من أبناء الشعب الافغاني للبلاد. وحتى الآن، ومع انتهاء الاحتلال ومرور عقدين من الحرب الأهلية غير المثمرة، كان من المتوقع أن تقود أفغانستان الطريق لتحقيق الاستقرار. كما أن قيام حكومة طالبان، من أجل إشراك الجماعات العرقية الأفغانية الأخرى والتيارات السياسية في تشكيل حكومة شاملة، لم يغير بشكل كبير رغبة الأفغان في طلب اللجوء ومغادرة البلاد.
ومن بين الوجهات الرئيسية لطالبي اللجوء الأفغان، تُعد إيران دائمًا في طليعة الدول التي تعاني من تدفق اللاجئين وطالبي اللجوء الأفغان بسبب أوجه التشابه الثقافي والقرب الجغرافي. ووفقًا لـ"جواد هداياتي"، المدير العام لمكتب العبور الدولي والنقل، فإن معدلات دخول الأفغان إلى إيران من الحدود الرسمية قد وصل إلى نحو 5000 شخص يوميًا، فيما كان هذا الرقم قبل حدوث التطورات الاخيرة في أفغانستان يتراوح بين 700 و 800 شخص يوميًا. ومع ذلك، وبالنظر إلى الدخول غير الرسمي للأفغان الذين يأتون إلى البلاد بشكل مستقل أو عن طريق المهربين، فإن الإحصائيات أعلى من هذا العدد. وبسبب الحصار المفروض على باكستان وآسيا الوسطى، يفضل المهاجرون الهجرة إلى أوروبا عبر إيران، ولهذا يتدفق عدد كبير من اللاجئين الأفغان إلى إيران كل يوم.
وفي غضون ذلك، فإن الدول الغربية، التي تعتبر السبب الرئيسي لمشاكل الشعب الأفغاني والتي فرضت حربًا استمرت عقدين على أفغانستان، لا ترفض اليوم فقط قبول مسؤوليتها تجاه اللاجئين الأفغان وإصدار التأشيرات لآلاف الأفغان الذين يعيشون في أفغانستان والذين يجتمعون كل يوم أمام السفارات والقنصليات الأجنبية، بل أيضا يرفضون ويميزون بين طالبي اللجوء الآسيويين والأفارقة وطالبي اللجوء الأوكرانيين في عمل غير إنساني وعنصري.
لكن على الرغم من هذا الاختلاف الواضح بين أداء إيران في استضافة ما لا يقل عن 3 ملايين لاجئ أفغاني (ووفقًا لبعض التقديرات، ما يصل إلى 5 ملايين) والأداء العنصري للغربيين، فإن وسائل الإعلام الغربية تسعى عمدًا إلى تعطيل العلاقات الأخوية بين الإيرانيون والأفغان وتنشر تقارير وأخبار متحيزة وأحيانًا كاذبة حول الظروف التي يعيش فيها طالبي اللجوء الأفغان.
ومع ذلك، وعلى عكس معظم البلدان التي يعيش فيها طالبو اللجوء الأفغان، فإن مجتمع اللاجئين الأفغان في إيران ناجح للغاية وديناميكي، وقد وصل الأفغان إلى مستويات عالية من الفن والتعليم والتوظيف، وتم دمجهم جيدًا في ثقافة الحياة الإيرانية الإسلامية نظرًا لوجودهم داخل البلد وهناك العديد من القواسم المشتركة الثقافية بين الشعبين الايراني والافغاني. وهو ما دفع السفارة الإيرانية في أفغانستان إلى التحذير من الفتنة والتآمر الذي يلفه الأعداء حول العلاقات الأخوية بين البلدين، معلنة أن "الجمهورية الإسلامية، على الرغم من المشاكل الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الجائرة؛ فهي لم تضع أي حواجز أمام دخول المواطنين الأفغان وتستمر في الترحيب بالمهاجرين الجدد. إن الدخول غير القانوني إلى إيران يعتبر انتهاكاً لسيادتها الإقليمية، ولهذا فإن قوات إنفاذ القانون (الحدودية) لجمهورية إيران الإسلامية ملزمة بمنع الدخول غير القانوني لجميع الرعايا الأجانب إلى البلاد.
بطبيعة الحال، فإن دور المشاكل الاقتصادية في السنوات الأخيرة في إيران، والتي تأثرت بشكل كبير بالعقوبات الغربية القمعية على اقتصاد البلاد، قد فرض العديد من القيود الحتمية على الحكومة الإيرانية لقبول المزيد من اللاجئين الأفغان؛ وعلى وجه الخصوص، فإن الدول الغربية والمنظمات الدولية التي تطالب بحقوق الإنسان وحماية طالبي اللجوء، قد أحدثت العديد من أوجه القصور في الوفاء بواجباتها والتزاماتها في البلدان التي تستضيف طالبي اللجوء الأفغان، مثل إيران، ورفضت تحمل جزء من العبء الثقيل لاستضافة طالبي اللجوء الافغان.
وفي هذا الصدد، قال "محمد تقي هاشمي"، المدير العام للمواطنين والمهاجرين الأجانب في محافظة خراسان رضوي، في يناير من العام الماضي: "تغطي المساعدات الدولية الإجمالية أربعة في المئة كحد أقصى من احتياجات الأجانب في إيران والباقي ممول من قبل الحكومة الإيرانية".
وعلى الرغم من كل القيود، فإن السياسة المركزية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه استضافة اللاجئين الأفغان لم تتغير أبدًا، وأيضا تعتبر مساعدة الحكومة الأفغانية والشعب الأفغاني على حل التحديات والتغلب على المشاكل من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار هي واحدة من أهم أولويات طهران.
وعلى نفس هذا المنوال، قال "امير عبداللهيان" وزير الخارجية: "ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تستضيف منذ 40 عاما ملايين المهاجرين والنازحين الافغان. علما بان هجرة ونزوح هؤلاء هو حصيلة للعدوان والاحتلال الاميركي. كما ان الظروف المتأزمة اليوم في افغانستان وبسبب الشعور بانعدام الامن والارهاب والازمة المالية والاقتصادية قد فرضت موجة هجرة يومية على ايران اذ يدخلها اكثر من 5 آلاف مهاجر افغاني يوميا كمعدل. واكد بان ايران لم تتلق لغاية الان مساعدة دولية لدعم المهاجرين الافغان واضاف: ان الجمهورية الاسلامية الايرانية بتاكيدها على الدوافع الاسلامية والانسانية ستواصل مساعداتها الانسانية للشعب الافغاني.
وقال: انه فضلا عن الدول المسببة الحقيقية للاوضاع الراهنة، يتوجب علينا جميعا وخاصة الدول الاسلامية ان نضع المساعدات الكافية والمستمرة تحت تصرف الشعب الافغاني كله.
واضاف: "ان الجمهورية الاسلامية الايرانية ومنذ بدء التطورات الاخيرة، سعت ضمن الابقاء على حدودها مفتوحة، لتسهيل العبور الانساني والتجاري. كما قامت خلال المئة يوم الماضية بارسال اكثر من 13 شحنة من المساعدات الانسانية لمختلف مدن افغانستان وقدمت مساعدة واسعة تجاه الحكومة والشعب الافغاني في سياق مكافحة "كوفيد-19" ومن ضمنه تطعيم الرعايا الافغان المقيمين في الجمهورية الاسلامية الايرانية".