الوقت - في موقف کان يمكن التنبؤ به بعد نحو عام من إعلان إبراهيم كالین المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 26 أبريل/نيسان 2021 بأننا "نثق في القضاء السعودي"، طالبت النيابة العامة في اسطنبول قبل أيام بإغلاق ملف مقتل الصحفي السعودي الناقد "جمال خاشقجي"، وتسليمه للسعودية بحجة أن المتهمين في القضية أجانب.
هذا في حين أن أردوغان کان قد شدد في وقت سابق على أنه يتعين على السعودية تقديم المتهم الرئيسي في قضية خاشقجي، وإرسال جميع المتهمين في القضية إلى تركيا.
هل إغلاق قضية خاشقجي مقدمة لصداقة جديدة بين أردوغان وآل سعود؟
إجراء المدعي العام التركي في قضية مقتل جمال خاشقجي مشابه لإجراء أقدم عليه المدعي العام نفسه منذ سنوات مقابل 20 مليون دولار من تل أبيب، حيث أوقف محاكمة ضباط إسرائيليين في المحاكم التركية والدولية؛ بينما کان هؤلاء الضباط مسؤولون عن مقتل 10 مواطنين أتراك في سفينة مرمرة التي كانت متوجهةً إلى غزة عام 2010.
تشير المؤشرات إلى أن قرار المدعي العام التركي بإغلاق ملف اغتيال خاشقجي، جاء لدعم جهود أردوغان للمصالحة مع نظام آل سعود.
وهكذا، وكما كان فتح ملف مقتل خاشقجي مقدمةً لبرودة العلاقات السعودية التركية، فإن إغلاق هذه القضية الآن يمثِّل بداية مرحلة جديدة في العلاقات بين الجانبين. وعليه، يبدو أن أردوغان بدأ يعيد النظر في آرائه حول الدول العربية، وخاصةً بعد توقف القتال في ليبيا.
وفي الوقت الذي تعاني فيه تركيا من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، قررت إقامة مرحلة جديدة من العلاقات الممتازة مع السعودية، بعد تحسين علاقاتها مع مصر والإمارات وخاصةً أن الأتراك يعتقدون أن السعوديين يمكن أن يساعدوا بشكل كبير في تحسين الوضع الاقتصادي لتركيا في هذا الوضع.
سياسة أردوغان غير المتوازنة تجاه العرب
يعتقد العديد من الخبراء أن إغلاق قضية اغتيال جمال خاشقجي في تركيا، يؤكد مرةً أخرى سياسات أردوغان المتناقضة؛ حيث يغير مواقفه باستمرار تجاه القضايا الإقليمية والعالمية المهمة حسب ظروفه ومصالحه.
يدرك أردوغان جيدًا أن الأحزاب اليمينية في تركيا هي من أشد المعارضين للسعودية.
كما أدان أردوغان نفسه السعودية في أكتوبر 2019، بعد اغتيال جمال خاشقجي، لغزوها اليمن وقتل الأبرياء دون أي مبرر، هذا في حين أن أردوغان دعم غزو التحالف العربي لليمن في 26 مارس 2015.
ومن السمات الأخرى لسياسة أردوغان المتناقضة تجاه دول المنطقة، والسعودية على وجه الخصوص، هي أنه بعد وقت قصير من اغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا، اتهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بارتكاب هذه الجريمة، وفي نوفمبر 2019، سافر إلى واشنطن لتسليم بعض الملفات الصوتية والمرئية للجريمة إلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
كما قرر الرئيس التركي التقارب مع السعودية بإغلاق قضية خاشقجي في وقت نفذت فيه وسائل الإعلام الموالية لأردوغان هجمات عنيفة ضد محمد بن سلمان، متهمةً إياه بالقتل والجريمة، ودعت الدول الإسلامية إلى تشكيل هيئة مشتركة للإشراف علی الحرمين الشريفين، حتى يمكن إخراج هذه الأماكن المقدسة من سيطرة آل سعود.
کذلك، استخدمت تركيا قضية مقتل خاشقجي في السنوات الأخيرة لشن هجمات عنيفة ضد آل سعود وإبعاد الإخوان المسلمين من السعودية، وخاصةً بعد أن أعلنت الرياض جماعة الإخوان المسلمين جماعةً إرهابيةً.
جهود الرئيس التركي للمصالحة العلنية مع الصهاينة
من ناحية أخرى، نشهد أيضًا تغييرًا في مواقف أردوغان وتكتيكاته بشأن القضايا العالمية والإقليمية المهمة الأخرى، بما في ذلك القضية الفلسطينية.
تظهر المؤشرات أن أنقرة تتطلع لبدء جولة جديدة من العلاقات مع الکيان الصهيوني، وإعادة بناء العلاقات مع الکيان. وبعد زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ لأنقرة في 9 مارس، تحدث رجب طيب أردوغان عن الزيارة الوشيكة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى أنقرة.
کما قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيزور تركيا منتصف شهر مايو المقبل، بعد شهر رمضان المبارك.
وفي هذا السياق، تم أيضًا نشر معلومات حول إمكانية تبادل زيارات المسؤولين الأتراك والسعوديين، وربما تكون زيارة أردوغان الشخصية للسعودية من أكبر المفاجآت في هذا الصدد.
ويعتقد العديد من خبراء الشؤون الإقليمية، أن دوران الموقف التركي تجاه السعودية والکيان الصهيوني في الوقت نفسه لا يمكن أن يكون عرضيًا، والمصالحة مع تل أبيب معيار عملي يستطيع من خلاله أردوغان مراجعة علاقاته مع دول المنطقة على عدة مستويات، ويمكن أيضًا اعتبار علاقة أنقرة هذه جسرًا للتطبيع المبكر بين السعودية والکيان الإسرائيلي.
هل سيصبح الکيان الإسرائيلي قاسماً مشتركاً للسعودية وتركيا؟
وعليه، قد يصبح الکيان الإسرائيلي قريبًا قاسمًا مشتركًا بين أنقرة والرياض، بعد تصريحات متكررة للرئيس التركي حول أهمية التنسيق والتعاون المشترك مع إسرائيل.
وعلى وجه الخصوص، خلال الأشهر القليلة الماضية، لم ينكر السعوديون رغبتهم في إقامة علاقات رسمية مع الکيان الصهيوني، وقد أعلن محمد بن سلمان نفسه مؤخرًا صراحةً عن رغبته في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وذلك في مقابلة مع مجلة أتلانتيك الأمريكية.
لكن إحدی النقاط البارزة في تحرك أنقرة وأردوغان للمصالحة رسميًا مع السعودية، هي أن تقارب تركيا مع السعودية يأتي في وقت توترت فيه علاقاتها مع الولايات المتحدة منذ أن تولى جو بايدن منصبه في البيت الأبيض، وخاصةً في ظل التطورات في أوكرانيا.
وبالتالي، يبدو أن التغيير المفاجئ في السياسة التركية يحدث في سياق نقطة جديدة في السيناريوهات الخاصة بالولايات المتحدة للمنطقة.
ما يبدو واضحاً هو أن تركيا تسعى إلى زيادة نفوذها بين الدول العربية، حتى لا تترك الساحة مفتوحةً بالكامل للولايات المتحدة في المنطقة. إذ تدرك تركيا جيداً أن الأمريكيين يوطدون علاقاتهم مع الدول العربية يوماً بعد يوم.
ولذلك، من خلال تغيير سياساتها واستراتيجياتها، لا تريد تركيا التنازل لمصلحة منافسيها الدوليين، وقد تكون الأزمة بين الدول العربية وواشنطن بشأن التطورات في أوكرانيا، فرصةً جيدةً لتنفيذ خطط تركيا.
ماذا ستكون الخطوة التالية لأردوغان في خيانة القضية الفلسطينية؟
يعتقد العديد من المحللين الأتراك، أن مجموعةً من المشاكل والعقدة في دبلوماسية البلاد وسياستها الخارجية، هي نتاج مباشر لقرارات أردوغان المفاجئة والغاضبة.
من سوريا ومصر إلى العديد من الملفات الأخرى، قاد أردوغان السياسة الخارجية إلى طريق مسدود بسلوكه العنيف وقصير النظر، وفرض تكاليف باهظة على الاقتصاد التركي، ونتيجةً لذلك، أقنع المستشارون والدبلوماسيون أردوغان بالتدريج بالتخلي عن عناده، والتحرك نحو تطبيع العلاقات مع مختلف الدول.
وبالنظر إلى أسلوب أردوغان الدائم في تغيير مواقفه، يعتقد الكثيرون أن استسلامه للسعودية ومنحه تنازلاً كبيرًا للملك سلمان ونجله ليس بالأمر المفاجئ؛ لأن أردوغان كان قد وافق من قبل على جميع شروط مصر وحجب جميع الشبكات الموالية للإخوان المسلمين، تماشياً مع مصالحه.
ولذلك، مع ازدياد دفء علاقات الحكومة التركية مع الكيان الصهيوني يوماً بعد يوم، ليس مستبعداً أن تكون الخطوة التالية لأردوغان في خيانة القضية الفلسطينية هي طرد أعضاء حماس من تركيا، بعد زيارة نفتالي بينيت لأنقرة في مايو المقبل.
وغني عن القول إن تركيا تسعى إلى عدة أهداف اقتصادية من خلال تطبيع علاقاتها مع الدول العربية، وكذلك مع الکيان الصهيوني.
لكن العديد من المحللين والدبلوماسيين الأتراك يعتقدون أنه لن يكون هناك سلام واستقرار وأمن في المنطقة ما لم تتصالح تركيا مع الدول العربية، بما في ذلك سوريا، وفي الأساس، کان الملف السوري دوماً عاملاً حاسماً في علاقات أنقرة مع العرب.