الوقت - استضافت مدينة اسطنبول التركية، في 29 مارس 2022، جولةً جديدةً من المحادثات بين الوفدين السياسيين الأوكراني والروسي.
هذا الاجتماع، وهو الجولة السادسة من محادثات السلام بين الوفدين السياسيين للبلدين، بحضور رجب طيب أردوغان في المكتب الرئاسي في قصر "دولما باهتشة" في منطقة "بشيكتاش" باسطنبول، أنهى عمله بعد ساعات قليلة من الاستشارة يوم الثلاثاء(9 أبريل).
والآن، أفادت وسائل الإعلام التركية وكذلك وسائل الإعلام الدولية، أنه تم التوصل إلى بعض الاتفاقات بين أوكرانيا وروسيا.
تأتي الجولة الجديدة من المحادثات بعد قرابة خمسة أسابيع من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث اشتدت الاشتباكات في ضواحي كييف، العاصمة، ومدينة ماريوبول المحاصرة وخاركيف أكثر من أي مكان آخر في أوكرانيا.
ووفقًا لآخر تقرير للأمم المتحدة، تسببت الحرب في أوكرانيا في مقتل 1151 مدنياً وإصابة 1824 آخرين، وتقول أوكرانيا إن عدد القتلى أعلى بكثير من إحصائيات هذه المنظمة.
وتأتي المحادثات أيضًا في الوقت الذي أعلن فيه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في 29 مارس 2022، انتهاء "المرحلة الأولى من العمليات العسكرية في أوكرانيا".
ومع ذلك، وعلى الرغم من كل الصعوبات في طريق التوصل إلى اتفاق بين كييف وموسكو في ظل الوضع الصعب المتمثل في استمرار الحرب، فإن نتائج الجولة الجديدة من المحادثات حظيت بتقييم إيجابي من قبل العديد من المراقبين السياسيين.
نتائج الجولة الجديدة من المفاوضات
وفقًا للتقارير الصادرة خلال الجولة الجديدة من محادثات السلام الروسية الأوكرانية في إسطنبول، اقترح ممثلو أوكرانيا أن بلادهم "لن تنضم أبدًا إلى الناتو"، وفي المقابل طلبوا من الممثلين الروس منحهم "ضمانة أمنية".
في الوقت نفسه، قال نائب وزير الدفاع الروسي ألكسندر فومين للصحفيين، إن بلاده "تخفض بشكل كبير العمليات العسكرية بالقرب من كييف وتشرنيهيف".
ووصف المسؤول الحكومي الروسي سبب القرار بأنه "يوفر ظروفًا أكثر ملاءمةً لمحادثات السلام". وكانت المدينتان اللتان تفصل بينهما ساعتان، قد تعرضتا لقصف الجيش الروسي في الأيام الأخيرة.
وبعد المحادثات، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن هناك رسائل إيجابية في محادثات السلام مع روسيا. وقال زيلينسكي "نتلقى رسائل إيجابية من المحادثات، لكن هذه الرسائل لم تقلل من الانفجارات والقصف الروسي". لكن الرئيس الأوكراني شدد على أنه لا ينبغي رفع العقوبات المفروضة على روسيا حتى نهاية الحرب.
أسباب مساعي تركيا لتسريع وقف إطلاق النار
على الرغم من أن تركيا استضافت رسميًا جولةً واحدةً فقط أو ربما الجولة الأكثر أهميةً من المحادثات (السادسة) بين كييف وموسكو، ولكن منذ بداية العملية العسكرية الخاصة لروسيا في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، بذلت هذه الدولة جهودًا جادةً ودؤوبةً لإحلال السلام وإنهاء الحرب بين الجانبين.
بحيث إنه حتى قبل الجولة الرابعة من المحادثات بين الوفود المفاوضة، عُقدت قمة أنطاليا الدبلوماسية بين وزراء خارجية روسيا وأوكرانيا وتركيا في 10 مارس 2022. وقد أدى ذلك إلى اعتبار مساعي تركيا الجادة لتسريع وقف إطلاق النار بين الجانبين الروسي والأوكراني قضيةً مهمةً.
على المستوى الأولي، فإن أحد مخاوف تركيا الرئيسية يتعلق بالأحداث الانفصالية في أوكرانيا. في جميع السنوات التي أعقبت عام 1924، عندما تشكلت تركيا الحديثة، واجهت أنقرة معضلةً تسمى إمكانية تفككها من قبل عدد كبير من السكان الأكراد.
وعلى مدار العقود الماضية، وضع القادة السياسيون في هذا البلد على جدول الأعمال مجموعةً متنوعةً من الأدوات لقمع الأكراد في الداخل، وكذلك لمواجهة أي تفكك للدول المجاورة في مناطق مختلفة، بما في ذلك الشرق الأوسط أو القوقاز وآسيا الوسطى.
وفي الوضع الحالي أيضًا، يتعارض استقلال جمهوريتي "دونيتسك" و "لوهانسك" وإضفاء الشرعية علی ذلك من قبل موسكو، مع السياسات التركية بشكل واضح. ولذلك، من خلال السعي لتحقيق السلام في أوكرانيا، تعتزم أنقرة خلق أرضية لحالة عدم اليقين بشأن استقلال هاتين المنطقتين.
وإضافة إلى الجانب الأمني، تتمتع تركيا بعلاقات اقتصادية جيدة جدًا مع روسيا، ونظرًا لأن الشريان الحيوي لتركيا يعتمد على صناعة السياحة ومعظم السياح في تركيا هم من روسيا، فإن استمرار التوترات قد يضع تركيا في مأزق.
إضافة إلى ذلك، تسعى تركيا لتحقيق مصالحها الاقتصادية في أوكرانيا. إذ يعمل العديد من المقاولين الأتراك حاليًا في أوكرانيا، وقد استثمرت العديد من مجموعات الاستثمار التركية في كييف وأماكن أخرى. لذلك، تعتبر أوكرانيا سوقًا اقتصاديةً مربحةً لتركيا.
بحيث إنه في خضم التطورات الأخيرة، اتفق زعيما تركيا وأوكرانيا على زيادة حجم التجارة بينهما إلى عشرة مليارات دولار، وهو ضعف المبلغ الحالي.
إضافة إلى ذلك، أدت زيارة مليوني سائح أوكراني إلى تركيا في عام 2021 إلى جعل هذا البلد في وضع لا يريد فيه أن تتأثر مصالحه الاقتصادية بالتوترات الإقليمية.
على مستوى آخر، أدركت تركيا بوضوح أن أوكرانيا لم تعد مجرد جارة لها، بل أصبحت، نتيجة التطورات الأخيرة، ملتقى للقوى العظمى ومركزاً لتوازن القوى على المستوى الإقليمي.
لذلك، تحاول أنقرة الظهور كوسيط أو، بعبارة أعمق، كموازن، وتحقق بهذه الطريقة حلمها التقليدي في السنوات التي تلت عام 2024، وهو لعب دور لاعب عالمي.
ولا شك أن دور تركيا في إمكانية وقف إطلاق النار يمكن أن يعزز أيضًا مكانة أردوغان السياسية داخل تركيا، ويمهد الطريق لزيادة موقع تركيا الاستراتيجي في النظام الدولي.
آفاق وتحديات المفاوضات
على الرغم من أن الجولة السادسة من المحادثات بين الوفدين السياسيين الروسي والأوكراني قد شهدت اتجاهاً إيجابياً، إلا أن التوقعات بشأن المحادثات لا تزال قاتمةً.
ولا شك في أن هذه الجولة من المحادثات كانت أهم جولة لقاءات بين الوفدين السياسيين لأوكرانيا وروسيا، ولكن لا يمكن المبالغة في النتائج بما يتجاوز الواقع الميداني.
في البداية، من المهم ملاحظة أن جميع الاجتماعات السابقة بين وفدي التفاوض الروسي والأوكراني، كان لها تأثير ضئيل على الانتقال إلى عملية السلام في المعادلات الميدانية.
عقدت حتى الآن خمس جولات من محادثات السلام بين كييف وموسكو منذ بدء الحرب في 24 فبراير، لإقرار وقف لإطلاق النار والتوصل إلى اتفاق بشأن مطالب الجانبين.
الجولات الثلاث الأولى من المحادثات عقدت في منطقة "غوميل" الحدودية بين روسيا البيضاء وأوكرانيا في 28 فبراير و3 مارس و7 مارس، وعقدت الجولتان التاليتان في 14 مارس و21 مارس بشكل افتراضي.
ويُظهر مجموع هذه العملية بعد عدة جولات من الاجتماعات بين وفدي التفاوض الأوكراني والروسي، أن معادلات السلام أكثر تعقيدًا مما يبدو أنها تؤدي إلى وقف إطلاق نار نهائي في الجولة السادسة من المحادثات.
إضافة إلى ذلك، فإن المطالب المتضاربة للطرفين هي أهم عقبات أمام السلام. فمن ناحية، تريد روسيا أن تعترف كييف بهيمنة روسيا على شبه جزيرة القرم، فضلاً عن استقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك، ما يعني التقسيم النهائي لأوكرانيا.
من ناحية أخرى، لا ترفض أوكرانيا قبول ذلك فحسب، بل تريد أيضًا انسحاب الجيش الروسي من البلاد ونزع سلاح الجمهوريتين اللتين تدعمهما موسكو. ومثل هذا المستوى من الاختلاف في وجهات النظر، يمثِّل صعوبةً عميقةً لن يتم حلها بسهولة.