الوقت- مثلما هو الحال في كل أمر، انقسم التونسيون على مواقع التواصل الاجتماعيّ حول مشاركة رئيس البلاد قيس سعيّد في القمة الأوروبية - الإفريقيّة والتي أثارت بالفعل جدلا واسعا في الشارع التونسيّ، وخاصة فيما يتعلق ببعض الصور التي ظهر فيها الرئيس التونسيّ في القمة، حيث اعتبر البعض أنّه لا يجب الوقوف عند تلك التفاصيل لهذه الدرجة رغم عدم توازن العلاقات بين تونس والأوروبيين نتيجة للخطوات التي تتخذها لمواجهة حالة الشلل والانقسام السياسيّ الذي تعيشه مؤسسات الدولة، فيما رأى آخرون أنّ قيس سعيد "هُمش" من قبل القادة الأوروبيين، مذكرين باحتفائهم بالرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي التابع لجماعة الإخوان المسلمين قبل نحو عشر سنوات.
مُشاركة خطفت الأضواء بغض النظر عن طريقة التغطية، هكذا يمكن وصف مشاركة قيس سعيّد في الدورة السادسة لقمة الاتحاد الأوروبيّ - والاتحاد الإفريقيّ، في خطوة اعتبرها محللون أنّها محاولة لتقريب المسافات مع الأوروبيين، وخاصة بعد أن قام الرئيس التونسيّ في 25 تموز/ يوليو المنصرم بتعليق أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة وحل المجلس الأعلى للقضاء وتولي السلطات في البلاد، لمواجهة جماعة الإخوان المتشددة ومحاربة أذرعهم في كافة المؤسسات الحساسة.
ولا يخفى على أحد أنّ قيس سعيد يعتبر أنّ بعض العواصم الغربيّة تحت تأثير "بعض الدوائر الماليّة" تُريد أن تقول إنّ الحكومة التونسيّة لا تحترم القانون، وتساءل في الفترة الأخيرة: “هل تم وضع أحد في السجن من أجل رأيه؟"، فيما تزعم جماعة الإخوان المسلمين ومن لف لفها في البلاد، أنّها تقوم بما تسميه "انتفاضة كرامة" ضد "انقلاب" يتكلم باسم الشعب ويدوس مجدداً على كرامته، مدعية أنّ "روح الثورة ما زالت تنساب في قلوبهم وفي عقولهم، وأنّه لا خيار آخر إلا الديمقراطيّة".
وفي الوقت الذي يتعرض فيه الرئيس التونسيّ لضغوط هائلة من الداخل والخارج، إلا أنّه يدرك مآرب جماعة الإخوان وهي الإطاحة به وذلك في إطار الصراع المفتوح بين الأخير والإخوان المصنفين في كثير من الدول "جماعة إرهابيّة"، حيث نفى خلال مشاركته في القمة الأوروبيّة الافريقيّة المزاعم التي تثار حول نيته في إعادة البلاد إلى "عصر الديكتاتوريّة" مشبهاً نفسه بالجنرال والسياسيّ الفرنسيّ الثائر "شارل ديغول" والذي حكم فرنسا لأكثر من عقد، وكان سعيد قد كشف سابقاً عن محاولة اختراق رئاسة الجمهورية من خلال الدفع باتجاه تعيين مستشارين يدينون بالولاء لمشيخة الإخوان والتنظيم الدوليّ، لهذا فإنّ تشبيهه يدل على أنّه يخوض ثورة ضد تلك الجماعات المتطرفة في البلاد.
ومن الجدير بالذكر أنّ مواقع إخباريّة عربيّة زعمت أنّ قادة أوروبيين رفضوا عقد لقاءات ثنائيّة مع سعيد دون أيّ مصدر موثوق، وأعادوا نشر الصورة التي جمعت رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا مع سعيد على حسابها في موقع تويتر صورة، مؤكّدين أنّها تسيء للرئيس ولصورة تونس بشكل عام، وخاصة أنها تُظهر وجه المسؤولة الأوروبيّة وظهر سعيد فقط، في مشهد شبهه البعض بـ“الأستاذ والتلميذ”، وهو ما دفع وزارة الخارجية التونسيّة للاحتجاج على ذلك لتقوم ميتسولا بتغييرها.
كذلك، تعرضت الصورة التي نشرتها صفحة الرئاسة التونسيّة لسعيد وزوجته خلال مأدبة عشاء على هامش القمة، لانتقادات لاذعة حيث اعتبرها البعض أيضا أنها مسيئة بقدر الصورة التي نشرتها المسؤولة الأوروبيّة، واصفين صورة رئيس البلاد الضبابيَّة من الخلف إلى جانب زوجته على طاولة جانبية بـ "المهينة للرئيس وتونس"، حيث إنّ الشعب التونسيّ لم يجتمع على راي منذ "الثورة التونسيّة" التي اندلعت بعد قيام بائع الفاكهة محمد البوعزيزيّ، البالغ 26 عاما، بإضرام النار في نفسه في 17 ديسمبر / كانون الأول عام 2010، احتجاجاً على معاملة الشرطة له في بلدة "سيدي بوزيد" وسط تونس، والذي أطلقت وفاته العنان لسخط كبير ومظاهرات حاشدة ضد الفقر والبطالة والقمع، وارتد تأثير تلك الاضطرابات الشعبيّة خارج الحدود التونسيّة، ما أدى إلى ما يُزعم أنّها "ثورات الربيع العربيّ" التي أفرزت للأسف دماراً واضطراباً كبيراً للغاية في العالم العربيّ، وحروباً لم تنتهِ إلى الآن في بعض الدول.
من ناحية أخرى، لجأ بعض الداعمين لجماعة الإخوان إلى المقارنة بين صور قيس سعيد في القمة الأوروبيّة - الإفريقية وصور منصف المرزوقي التابع للتنظيم أمام البرلمان الأوروبيّ عام 2013، متحدثين أنّ ساعة ألقى المرزوقي خطابه في مبنى برلمان الاتحاد الأوروبيّ، وقف النواب يصفقون بأكملهم، وساعة لقاء رئيسته الحالية روبرتا ميتسولا بقيس سعيد، اختارت صورة تظهره في وضع "متسول ذليل" مصحوبة بتغريدة: "تحدثت مع الرئيس قيس سعيد عن أهمية العودة إلى ديمقراطيّة برلمانيّة فاعلة وتوازن مؤسسات فعال، إنّ مكافحة الفساد ونظام العدالة المستقل ضروريان للتنميّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة للشعب".
ختاماً، لا شك أنّ الموضوع المتعلق بزيارة قيس سعيد إلى العاصمة البلجيكيّة مبالغ فيه إلى حد أكبر مما هو عليه بكثير، وهذا لا يعني أنّ هناك رضى أوروبيّاً عن القرارات التي يقوم بها الرئيس التونسيّ، وقد اعتاد الجميع أن يشهد هذا الانقسام في الشارع التونسيّ عند أدنى تفصيل، كيف إذا كانت القضية تخص زيارة للرئيس ومقارنة مع المرزوقي الذي يملك شعبيّة ليست بقليلة عند جماعة الإخوان ومؤيديهم.