الوقت - قضت المحكمة الاتحادية العراقية، في أحد أكثر قراراتها تاريخية بتاريخ 15 شباط / فبراير 2022، في جلسة بشأن قضية تصدير النفط من إقليم كوردستان العراق دون تنسيق وإذن من الحكومة المركزية، بأن قانون النفط والغاز المقرر من قبل إقليم كردستان العراق غير دستوري. ويطالب الحكم حكومة إقليم كردستان العراق بإخطار وزارة النفط العراقية والمفتشية العراقية بعقود بيع النفط والغاز لإقليم كردستان. كما ويلزم إقليم كردستان العراق أيضًا بتقديم جميع عائداته النفطية إلى وزارة النفط الاتحادية.
قوبل هذا الحكم بردود فعل متباينة، فمن ناحية، رحب العديد من التيارات السياسية الشيعية والسنية وحتى التركمانية بالتصويت، واصفة إياه بأنه وسيلة لإعادة السلطة والاستقلال للحكومة المركزية؛ بينما قالت حكومة إقليم كردستان أن الحكم غير قانوني. هذا في الوضع الذي تُعرّف فيه المحكمة الاتحادية، وفق الدستور العراقي، بأنها أعلى سلطة قضائية في البلاد، ويكون حكمها ساري المفعول على جميع التيارات والأحزاب السياسية.
بعد إعلان حكم المحكمة الاتحادية، في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء العراقي برئاسة مصطفى الكاظمي، صدرت تعليمات لوزير النفط العراقي بمراجعة الحكم الأخير للمحكمة الاتحادية العليا بشأن إدارة قضية النفط في العراق في إقليم كوردستان. كما أصدرت الحكومة العراقية تعليمات للوزارة بالاتصال والتنسيق مع حكومة إقليم كردستان والشركات والدول ذات الصلة حتى يمكن تنفيذ الآليات والإجراءات اللازمة لإدارة هذه القضية وفقًا للدستور والمصالح العليا للبلاد.
ينقسم الحكم الأخير للمحكمة الاتحادية العراقية إلى مستويين مهمين:
الأول هو أن الحكومة المركزية ستكون ملزمة بدعم حكم المحكمة الفيدرالية بشأن السيطرة على العقود والاستكشاف واحتياطيات الطاقة في إقليم كردستان.
والآخر هو أن إقليم كوردستان أيضا في مأزق رفض أو تحدي قرار المحكمة الاتحادية.
في أول رد فعل من حكومة إقليم كردستان العراق، أكد البرلمان المحلي لهذه المنطقة في بيان أن حكم المحكمة الاتحادية العراقية في 15 شباط 2022 بشأن صلاحيات إدارة النفط والموارد الطبيعية في إقليم كوردستان العراق، يناقض مبادئ الفيدرالية والدستور العراقي، ومثل هذه الأحكام توجه ضربات قاتلة للنظام الفيدرالي وعملية الحكم والمواطنة في البلاد.
مضاعفات تنفيذ حكم محكمة فيدرالية
جاء قرار المحكمة الاتحادية ورد فعل حكومة إقليم كردستان بشأن عدم شرعية هذا الحكم في سياق أنه في السنوات التي تلت عام 2007، كانت حكومة الإقليم، التي كان يديرها حزب االاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، قد بدأت مشاريع الاستكشاف والتنقيب عن النفط في الإقليم وتصديره. وفي هذا السياق، وقع المسؤولون السياسيون في أربيل عقودًا مهمة مع شركات النفط العملاقة في العالم مثل Agson Mobil و British Petroleum و Total و Rosneft ، إلخ. وفي عام 2009، بدأوا بتصدير النفط من تركيا عبر ميناء جيهان.
إن التصرفات الفردية لإقليم كوردستان في مجال التنقيب عن النفط وتصديره واستلام عائدات النفط في السنوات التي تلت عام 2009، دفع الحكومة المركزية برئاسة نوري المالكي إلى انتقاد سياسات أربيل تدريجياً. في الواقع، كانت المشكلة أن حكومة إقليم كردستان أبقت عائدات النفط لنفسها بينما حصلت على حصتها البالغة 17 في المئة من الحكومة المركزية. في الوقت نفسه، في أواخر عام 2013، أصدرت حكومة المالكي أمرًا بقطع ميزانية إقليم كوردستان وتحويل عائدات الإقليم وعملية التصدير إلى شركة سومو، "الشركة الوطنية العراقية لتسويق النفط". وبعد ذلك، أصبحت قضية تحويل عائدات نفط الإقليم إلى بغداد، ومسألة تعاقد أربيل مع شركات كبرى، مع الإصرار على أخذ حصتها من الموازنة الاتحادية، محل نزاع بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، والذي استمر في شد وجذب حتى الآن.
في الوضع الحالي، لا يتعلق الأمر فقط بقبول حكومة إقليم كردستان لحكم المحكمة الفيدرالية، ولكن جزءًا كبيرًا من عقود أربيل مع الشركات الأجنبية تواجه مشاكل مختلفة. في بعض العقود، تم تسجيل أربيل بشكل صريح كطرف في العقد، وقد وردت فيها بعض البنود التي لا تقبل بها بغداد على الإطلاق. ومسألة ما إذا كانت شركات الطاقة العملاقة مستعدة لقبول مراجعة العقد، أو قبول بغداد كطرف رئيسي، أو حتى إلغائه ستكون معقدة للغاية. أيضًا، في جزء كبير من العقود المبرمة، تلقت حكومة إقليم كردستان مبالغ ضخمة، ولكن الغريب أن حكومة الإقليم أنفقت تلك المبالغ بشكل غير واضح، حيث لا يعلم أين تم صرفها وأين ذهبت في الواقع؛ وكل هذا تم بدون التنسيق مع الحكومة الاتحادية وبدون علمها.
والآن إما أن تكون أربيل مستعدة لقبول المسؤولية عن فقدان هذه المبالغ، وهو أمر معقد للغاية، أو ستكون بغداد مستعدة لتنفيذ حكم المحكمة الاتحادية والسيطرة على عقود نفط الإقليم في ظل الظروف الحالية، وهي قضية أخرى قد تسبب أزمة بين الطرفين. بالنهاية أربيل مجبرة على الامتثال لحكم محكمة الإتحادية.
وعلى الرغم من كل التعقيدات التي ينطوي عليها تنفيذ حكم المحكمة الفيدرالية، وكذلك معارضة أربيل للحكم، فإن ما يبدو مؤكدًا هو أن حكومة إقليم كردستان ليس لديها خيار سوى الالتزام بالحكم. في الواقع، يدرك الأكراد جيداً أن جميع أفعالهم غير القانونية في السنوات الأخيرة حدثت في سياق ضعف الحكومة المركزية في بغداد. لكن في الوضع الجديد، ستكون المهمة الأكثر أهمية للحكومة المركزية المستقبلية هي تطبيق هذا القانون في المحكمة الفيدرالية.
بالنظر إلى التطورات السياسية الأخيرة في العراق، وخصوصاً قضية ائتلاف مقتدى الصدر ومسعود بارزاني ومحمد الحلبوسي وخميس الخنجر لتشكيل الحكومة المقبلة، فإن الحكم الأخير الصادر عن المحكمة الفيدرالية يمكن أن يجعل ذلك من الصعب الوصول إلى اتفاق شامل بين الأطراف الأربعة.