الوقت- يعلم الجميع حجم الحملات الاستفزازيّة التي تشنّها عصابات الاحتلال في حي "الشيخ جراح" المقدسيّ وبأشكال مختلفة، حيث تسببت مؤخراً بإصابة واعتقال عشرات الفلسطينيين عقب إقدام عضو البرلمان الإسرائيليّ (الكنيست) المتطرف إيتمار بن غفير، على نصب خيمة على أرض فلسطينية داخل الحي برفقة عشرات المتطرفين الصهاينة في محاولة لإخلاء عائلة فلسطينية من منزل تقيم فيه منذ عام 1948 وقبل ذلك حتى، فيما تخشى حكومة العدو من أن تؤدي الأحداث المتصاعدة شرقيّ العاصمة الفلسطينيّة إلى تسخين الأوضاع الأمنيّة على كل الجبهات الفلسطينية، لدرجة أنّ رئيس الوزراء الصهيونيّ نفتالي بينيت، وصف بن غفير بـ "المحرض" الذي جاء يرغب بـ "إشعال المنطقة".
قلق عارم
لا يمكن أن يمر أسبوع واحد دون أن تشنّ قوات الاحتلال الإسرائيليّ هجمة على المقدسيين وممتلكاتهم، ناهيك عن استفزاز الأهالي وتوجيه الشتائم المتواصلة لهم، وإنّ القلق الإسرائيليّ المتصاعد في الفترة الحالية يأتي عقب وقت قصير من إبلاغ حركة المقاومة الإسلاميّة "حماس" الوسيط المصريّ أنّ ما يجري على الساحة الفلسطينيّة يُعد تصعيداً خطيراً لا يمكن السكوت عنه، مؤكّدة أنّ تل أبيب "تلعب بالنار من جديد"، وتأكيدها أنّ إخلاء الفلسطينيين من حيّ الشيخ جراح "خط أحمر تعرف المقاومة كيف ترد عليه"، في تهديد جديّ من المقاومة الفلسطينيّة التي شدّدت مراراً على أنّ محاولة فرض أيّ معادلات جديدة من قِبَل الاحتلال على الفلسطينيين "باتت وراء ظهورهم".
وتأتي تلك الأنباء بعد أن وضعت المقاومة الفلسطينيّة بالفعل حداً للعنجهيّة الصهيونيّة في معركة "سيف القدس" في أيار/ مايو المنصرم والتي استمرت 11 يوماً بسبب رد المقاومة على الاعتداءات الممنهجة في الحي نفسه، وقد أوصل الفلسطينيون حينها رسالة مفادها أنّ التصعيد الصهيونيّ المتكرر من مختلف النواحي لن يمر دون أن تتلقى تل أبيب طعم الصواريخ التي لا تزال صورتها في مخيلتنا عند الهجوم الصهيونيّ الفاشل على الشيخ جراح وقطاع غزة المحاصر، حيث تركت تلك المعركة العدو الإرهابيّ في صدمة غير مسبوقة على مختلف المستويات بعد الرد الحازم للفصائل الفلسطينيّة.
"إسرائيل تخشى من توتر الأوضاع في عموم القدس والضفة الغربية وقطاع غزة"، هذا ما أكّده إعلام العدو نفسه باعتبار أنّ "إسرائيل" تخاطر بالفعل بسبب تخطيها "الخطوط الحمراء" التي يمكن أن تقلب الوضع تماماً كما حدث قبل مدة في معركة "سيف القدس"، ولا يخفي الإعلام العبريّ مساعي حكومته في إيجاد حلول لتلك المعضلة دون أيّ تفاصيل، في ظل التوتر الذي يسود الشيخ جراح بسبب اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال على أهالي الحي والمقدسيين المتواجدين في المكان، في استمرار قذر للنهج الإسرائيليّ العنصريّ بحق الشعب الفلسطينيّ عبر اعتداء قوات العدو وهدم ومصادرة منازل السكان.
رسالة واضحة
على ما يبدو، فإنّ الكيان الصهيونيّ الغاصب فهم رسالة المقاومة الفلسطينيّة لمصر وأخذها على محمل الجد بع تجربته المريرة السابقة، حيث إنّ تل أبيب لا تجد من مصلحتها أن تقلب الأمور رأساً على عقب مع الفصائل الفلسطينيّة، رغم الرغبة الإسرائيليّة العارمة في الاعتداء على الفلسطينيين وطردهم من منازلهم شرق العاصمة الفلسطينيّة القدس عبر كافة الوسائل وتحت مُسميات زائفة وواهية وممارسة الإجرام ضد كلّ ما هو غير يهوديّ في فلسطين وبالأخص في هذه المنطقة، ضمن سياسات الاحتلال المتبعة بحق المقدسيين إلى جانب الظروف الاقتصاديّة والمعيشيّة الصعبة التي يعاني منها الأهالي نتيجة لسياسات الاحتلال العدوانيّة، لتهجيرهم عن مدينتهم المقدسة، في وقت يُجمِع فيه الفلسطينيون بمختلف أطيافهم على أنّ العدو الغاشم يسعى بكل الطرق والأساليب العدوانيّة لطمس هويتهم وصبغها صبغة يهوديّة.
كذلك، تخشى تل أبيب من تفجر الأوضاع برمتها بسبب تكرار الاعتداءات الممنهجة في الشيخ جراح، خوفاً من إعلان الفلسطينيين الغضب والنفير العام نصرة للقدس كما حدث سابقة وهذا يعني انفجاراً حقيقيّاً للأوضاع على كامل التراب الفلسطينيّ، حيث يُدرك أبناء فلسطين وفصائل المقاومة أن ممارسات العدو هي استهداف علنيّ للهوية الفلسطينيّة المقدسيّة وللوجود الفلسطينيّ في المدينة المحتلة، وأنّها سلوك عدوانيّ عنصريّ خطير وجريمة جديدة تضاف إلى سجله الأسود بحق أهالي القدس، وقد شاهدنا كيف أنّ تل أبيب لم تأبه لتهديد حياة وأرواح العائلات التي باتت تشاهد منازلها أكواماً من الحطام المختلطة بالأثاث المحطم والمقتنيات والصور العائلية ولعب الأطفال.
وعلى هذا الأساس، إنّ القلق الصهيونيّ الكبير ينبع من التداعيات الخطيرة للحماقات الإسرائيليّة نفسها، والتي من شأنها المساس بأهالي القدس وبالأخص الشيخ جراح، وخاصة أنّ المقاومة الفلسطينيّة كانت حازمة في رسالتها للإسرائيليين عبر الوسيط المصريّ، حيث حملت العدو المسؤوليّة عن تداعيات كل هذه السياسات العنصريّة المتطرفة والأعمال الاستفزازيّة التي يقوم بها المستوطنون بحق المقدسيين، مع تصاعد مخططات الاستيطان والضم التي لا تتوقف عن قضم ونهب أراضي الفلسطينيين وبالأخص في العاصمة الفلسطينيّة التي تعد أكبر مدن فلسطين التاريخيّة المحتلّة، من حيث المساحةً وعدد السكان وأكثرها أهميّة دينيّاً واقتصاديّاً.
وما ينبغي ذكره أنّ عودة التوتر الشديد مرة أخرى واستئناف الهجمات الصاروخيّة على المدن والمناطق التي تحتلها العصابات الصهيونية في حال استمر هذا التطاول غير المسبوق، شيء لا يرغبه الإسرائيليون أبداً نتيجة الحي نفسه الذي أفرز عن معركة تاريخيّة وحاسمة بين المحتلين وأصحاب الأرض الذي يفترون بأنّ القدس العربيّة – الفلسطينيّة بشطريها الشرقيّ والغربيّ عاصمة لكيانهم، والذين لا يكفون أيضاً عن التضييق وتشديد الخناق على أبناء هذا الشعب بمختلف مكوناتهم وتعكير صفو حياتهم، فيما يستمر الاعتداء الصهيونيّ على المقدسات في المدينة كافة وبالأخص المسجد الأقصى المبارك، كما يستغل الصهاينة ومؤسساتهم العسكريّة والأمنيّة هذه الفترة العصيبة على فلسطين وشعبها من أجل تنفيذ مخططاتهم وجرائمهم في مدينة القدس المحتلة التي حولتها "إسرائيل" إلى مدينة أشباح بعد أن كانت تنبض بالحياة.
إسرائيل والحرب المقبلة
لابد أن نُذكر بالتحذيرات التي أطلقها ضباط صهاينة، والتي أشارت إلى أنّ "إسرائيل" لن تكون قادرة على خوض حرب متعددة الجبهات على الصعيد العسكريّ أو على صعيد الجبهة الداخليّة، بل وستتعرض لضربة هائلة قد يقتل فيها الآلاف، بالاستناد إلى أنّ جيش العدو يعاني من ترهل بشريّ وعسكريّ، سيشكل عائقاً في تحقيق الانتصار في حرب متعددة الجبهات، حيث تتعرض قوات العدو لانتقادات شديدة حول تردي مستوى الجيش ووجود سلسلة من المشاكل خاصة في سلاح البر، ناهيك عن المشكلات على المستويات اللوجستيّة والتكنولوجيّة والتنفيذيّة، وبالأخص معضلة الثقافة التنظيميّة، وهي مشكلة عميقة لم يتم التطرق إلى محاولة حلها حتى.
أيضاً ومع ازدياد الوضع سوءاً في جيش العدو وسياسة الصمت المتبعة من قبل الضباط في كافة الوحدات، وعدم إظهار الواقع المتردي في قوات الاحتلال كما هو الحال في المستوى السياسيّ، تؤكّد تقارير إسرائيليّة أنّ الجنود الصهاينة يرمون أسلحتهم بعد التدريبات، ولا يقومون بصيانتها حتى ولا يتم استغلال أفضل الوسائل التكنولوجيّة التي تقتنيها العصابات الصهيونيّة، حيث يتساءل الإسرائيليون: " أيّ حرب تلك التي سنخوضها؟ وكيف سننتصر فيها؟".
ولا يمكن أن ننسى المعلومات التي كشفها إعلام العدو، حول أنّ القوات الإسرائيليّة في حربها الأخيرة على غزة استخدمت تقريباً معظم طائراتها المقاتلة، التي قصفت على مدار ساعات الليل والنهار ولمدة 11 يوماً وأسفر عن ذلك سقوط أكثر من 275 شهيداً فلسطينيّاً، نصفهم تقريباً من الأطفال والنساء، وإصابة ما يقارب 9000 آخرين، ناهيك عن الخراب الذي خلّفه العدوان الغاشم، عبر مئات الطلعات الجوية ومئات الطائرات بتكلفة مليارات الشواكل على منطقة صغيرة، ورغم ذلك لم تتمكن من وقف إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون حتى ساعة وقف إطلاق النار، مؤكّداً أن مجاهدي حماس والجهاد الإسلاميّ واصلوا إطلاق الصواريخ والقذائف كأنه لم يحدث شيء على الإطلاق، ويبدو أنّهم كانوا قادرين على الاستمرار بذلك لزمن طويل.
إضافة إلى ذلك، قلل ضباط صهاينة آخرون من أهمية سلاح الجو الإسرائيليّ في الحرب، لأنّ فصائل المقاومة الفلسطينيّة في غزة حققّت انتصاراً كبيراً في المواجهة الأخيرة، كما يشير محللون وخبراء صهاينة إلى أنّ الفصائل الفلسطينية تمكنت من شل نصف الأراضي التي تحتلها "إسرائيل"، ناهيك عن تحييد “القبة الحديدية” والقنابل الذكية، وأوصلت سياساتها الرعناء الوضع إلى حافة "حرب شاملة"، حيث إنّ ما بدأ في القدس امتد إلى الضفة الغربيّة المحتلة وإلى مناطق عرب الـ 48، وهذا ما تخشاه حكومة العدو اليوم.
والمثير في الأمر أنّ الإعلام الإسرائيليّ حتى بات يصف دور القبة الحديدية التي كان الكيان يتغنى بها بـ “ذر الرماد في العيون”، مع تقليله من فاعليتها، ويشير محللون صهاينة إلى أنّها ستكون دون جدوى أمام 250 ألف صاروخ قد توجه إلى الأراضي الفلسطينيّة المسلوبة، حيث يعترفون أنّ الكثير من صواريخ المقاومة ذات دقة إصابة عالية، وذات مدى بمئات الكيلومترات، وقادرة على حمل رؤوس متفجرة تزن مئات الكيلوغرامات.
وعلى هذا الأساس، خلق انتصار غزة بالفعل معادلة جعلت تل أبيب في عجز عن إيجاد رد فعال على الصواريخ والقذائف، مع غياب قدرتها البرية لخوض الحرب المقبلة، وإنّ قناعة الكيان الصهيونيّ بوحدة دول محور المقاومة يجعله في قلق دائم من "حرب ذات اتجاهات متعدد" في الداخل والخارج، لأنّها باعتراف جنرالات العدو ستكون مأساوية بشكل لا يمكن تخيله، فإضافة إلى عشرات آلاف القتلى سيشمل الدمار البنى التحتية الاستراتيجيّ، الكهرباء والماء والغاز والوقود وقواعد سلاح الجو والبُنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية ومؤسسات الحكم وغيرها.