الوقت- شهد الأسبوع الفائت أكثر من قمّة دولية تطرّقت للأزمات التي تعصف بالعالم، بدءاً من قمّة زعماء مجموعة دول العشرين G-20 التي إستضافتها تركيا في مدينة إنطاليا المطلة على البحر المتوسط، مروراً بقمة منظمة التعاون الاقتصادي في آسيا والمحيط الهادي في الفلبين، وصولاً إلى العاصمة الماليزية كولالمبور التي ستشهد مؤتمر قمة "آسيان-أمريكا" الثالث ومؤتمر قمة "شرق آسيا" العاشرة التي تضم دول جنوب شرق آسيا.
لم يكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، إضافةً إلى الأزمات العالمية، القاسم المشترك الوحيد في هذه القمم، بل شاطرته شعوب الدول التي إستضافت هذه القمم (تركيا، الفلبين، ماليزيا) المشاركة عبر تظاهرات عبّرت عن سخط هذه الشعوب من السياسة الأمريكية، وعلاقة بلادها مع واشنطن. تركياً، إحتجّت منظمة "اتحاد شباب تركيا" على قمة زعماء مجموعة العشرين حيث وضع المتظاهرون على وجوههم أقنعة عليها صورة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، فيما اجتمع أعضاء من "حزب التحرير الشعبي" في ميدان "الجمهورية" بقلب مدينة انطاليا ورددوا هتافات مناهضة للقمة. على الصعيد الفلبيني، استخدمت الشرطة مدافع المياه لمنع مئات من المتظاهرين اليساريين من تعطيل قمة منظمة التعاون الاقتصادي في آسيا والمحيط الهادي (ابيك) في الوقت الذي كان زعماء منهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما يتجمعون لالتقاط صورة لهم كما هو معتاد في التجمع السنوي، وقد ردد المحتجون هتافات "نحن لسنا للبيع" فيما كانت المياه تتدفق عليهم من شاحنتي اطفاء. ماليزياً أيضاً، نظّم ناشطون من منظّمة "شباب التضامن ماليزيا" و"الحزب الإشتراكي الماليزي" حركة إحتجاجية أمام مركز إنعقاد قمّة دول جنوب شرق آسيا، ثمّ ساروا بعد بإتجاه السفارة الأمريكية في العاصمة الماليزية.
وعند الدخول في تفاصيل الحضور الأمريكي في هذه القمم، نرى أن واشنطن تسعى لتعزيز مساعيها في إعادة التوازن في علاقاتها مع آسيا ومواجهة تزايد النفوذ الصيني في المنطقة وفقاً لإستراتيجية "الإرتكاز الآسيوي"، إضافةً إلى قضية حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي التي سيطرت على الاجتماعات إلى جانب أمور التجارة والاقتصاد.
أبرز الدلالات
لابد من التوقّف عند هذه التحوّلات التي تؤسس لما حصل مع الإتحاد السوفياتي سابقاً، ولكن هذه المرّة تحت ضغط الشعوب التي ترفض العلاقات القائمة لبلادها مع واشنطن. لعل العامل المشترك في عناوين هذه المؤتمرات الدولية هو العامل الإقتصادي الذي تتزعّمه واشنطن وتنافسها الصين. فكافّة القمم عُقدت بهدف إقتصادي، كما أن مجموعة دول العشرين لوحدها تمثّل 90% من الاقتصاد العالمي، و80% من التجارة الدولية، وثلثي سكان العالم. لذلك فإن هذه التظاهرات تؤكد سخط الشعوب العالمية التي تعاني من أزمات إقتصادية جمّة على إدارة واشنطن للإقتصاد العالمي، وفشلها في تحقيق الأمن والسلام الإقتصاديين.
لم تكن مواقف هذه الشعوب وحيدة، بل حتى هذه القمم الدولية شهدت جملة من القرارات التي لم تكن مرضية لأمريكا، ولعل هذا الأمر ما دفع بالرئيس الأمريكي باراك أوباما للتأكيد على ضرورة عدم تسوية الخلافات الاقتصادية بالتسلط، وإعلانه أن بلاده "تؤمن بضرورة حل النزاعات الاقتصادية عن طريق الحوار وليس من خلال التسلط أو الإكراه " . ورغم أن أوباما كان يغمز إلى الصين بسبب الأزمة في بحر الصين، إلا أن واشنطن نفسها إعتمدت هذه السياسة منذ قيادتها للنظام العالمي، ولازالت تمارسها في كافّة المواضع التي تسمح لها بذلك.
وفيما يخص زيارة أوباما إلى ماليزيا، والتي تعدّ الثانية في غضون عامين، تأتي وسط انتقادات مشرعين أمريكيين وجماعات حقوقية بان إدارة أوباما تتجاهل انتهاكات كوالالمبور بحق ضحايا تهريب البشر لضمان انضمامها إلى اتفاقية أمريكية للشراكة التجارية عبر المحيط الهادي. كما أن حضور الرئيس الأمريكي في تركيا، وتأكيده على تعزيز الشراكة مع أنقرة، جاء بالتزامن مع صرف النظر الأمريكي عن دعم أنقرة للجماعات الإرهابية في سوريا وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي الذي يزوّدها بالنفطين السوري والعراقي.
إذاً، تتّضح الإزدواجية الأمريكية في التعاطي مع الأزمات الإقتصادية، تماماً كما هو الحال مع الإرهاب وحقوق الإنسان، ففي حين يؤكد أوباما على مكافحة الإرهاب وحماية حقوق الإنسان، نرى تأكيده على تعزيز العلاقات مع دول تدعم الإرهاب، وأخرى متهمة بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان.
هذا هو المنطق الأمريكي في التعاطي مع الأزمات العالمية، إلا أن "قطبنة العالم" بين روسي وصيني وهندي وإيراني وبرزيلي سيقضي على طموحات واشنطن اللامحدودة.