الوقت- لم يتخذ الأكراد خطوات سياسية ذكية فيما يخص المعادلات الجديدة في الشرق الأوسط، وكانوا يعتقدون أن اندلاع الفوضى في سوريا هو اللحظة المناسبة لاقتناص الفرصة وتدويل قضيتهم، والسعي لانشاء دولتهم في ظل هذه الفوضى العمياء، ولكن المعادلة على الارض ليست بهذه السهولة، وتحالفهم مع الأمريكي هو أكبر خطيئة ارتكبها الأكراد في تاريخهم السياسي، فالولايات المتحدة الأمريكية دولة براغماتية لا تهتم بأي أحد سوى مصالحها، وإذا تقاطعت مصلحة الاكراد مع الامريكان، هذا لايعني اطلاقا أن واشنطن تساند قضيتهم، والنتيجة شاهدناها قبل يومين في سجن الثانوية الصناعية جنوب الحسكة.
هاجم أفراد مما يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية"، سجناً تحت سيطرة الأكراد، في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، بهدف محاولة تحرير مسلحين تابعين له.
السجن الذي استهدفه تنظيم الدولة عبر تفجيرَين، يضمّ نحو 5 آلاف سجين، وسرعان ما تحوّلت"الغزوة" إلى اشتباكات استُخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة، وصولاً إلى استهداف طائرات "التحالف الدولي" عدة مواقع في المنطقة، يُعتقد أن فيها عناصر من التنظيم. وبدأ "داعش" مخطّطه عبر تنفيذ عصيان داخل السجن، تلاه هجوم بسيارة مفخخة ودراجة نارية، طاول البوابة الرئيسة للمعتقَل، ما أدّى إلى فتح ثغرة في سوره، ليندفع عناصر من التنظيم إلى داخله، ويتمكنوا من السيطرة على مبنى الإدارة قيد التجهيز في الجهة الشمالية، وهو ما خلق حالة من الفوضى العامة، فرّ تحت جناحها عدد من السجناء.
وعقب ذلك، انتقلت الاشتباكات إلى محيط السجن، بين مسلحي "قسد" وعناصر من "داعش"، بعدما تمكّن عدد من السجناء الفارين من عبور البوابة الرئيسة والوصول إلى مناطق في حي الزهور المتاخم للمعتقَل، ما دفع "التحالف" إلى استقدام طائرات حربية ومروحية ومسيّرة، لملاحقة واستهداف العناصر الفارين. مع هذا، نجح التنظيم، فجراً، في توسيع رقعة الاشتباكات، من خلال دخول عناصره الفارّين من السجن إلى مباني كلية الاقتصاد والحبوب ومخبز الباسل، لتمتدّ المواجهات إلى كامل هذه المناطق، وصولاً إلى مقبرة حيّ غويران.
سجّلت وسائل الإعلام التابعة لـ"قسد" تضارباً كبيراً في المعلومات، وهو ما يظهر حالة الإرباك في التعاطي مع الحدث، ما بين إصرار «قسد» على نفي فرار أيّ عنصر من "داعش" من داخل السجن، وتأكيد مواقع إعلامية مقربة منها، نقلاً عما وصفته بـ"المصدر الأمني"، فرار ما لا يقلّ عن 20 من معتقلي التنظيم. لكن مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أكدت حصول عمليات هروب جماعية، مع ظهور عناصر مجهزين بحقائب وأسلحة، ما يثبت وجود تخطيط مسبق لعمليات الهجوم والفرار.
وتكشف هذه الهجمات عن هشاشة قدرات "قسد" الأمنية والعسكرية، وعجزها عن ضبط الأمن في السجون والمخيمات. كما تطرح تساؤلات كثيرة حول كيفية تمكّن عناصر "داعش" من الوصول بمفخّخاتهم إلى منطقة تضرب فيها "قسد" طوقاً أمنياً مشدّداً، فضلاً عن تمكّن الفارّين لتوّهم، من الحصول على أسلحة واستخدامها في الاشتباكات.
ماذا كانت تتوقع "قسد" من تواجد الدواعش في سجونها، لماذا لا يقتنع هؤلاء بأن واشنطن سعيدة بما يحصل وأن وجود الدواعش في سجون "قسد" هو نقطة ايجابية للامريكيين، فهو يشكل شماعة لهم للبقاء في سوريا، ونهب ثرواتها كما تشاء.
منذ 2011 وإلى الوقت الحاضر كُلَّما حلت النوائب بالأكراد في سوريا، انبرى قادتهم على غرار الأسلاف ملقين باللائمة في ذلك على الآخرين ومبرئين أنفسهم من تبعات وتداعيات الأخطاء الفادحة التي اقترفوها والتي يدفع ثمنها الباهظ الشعب الكردي في سوريا.
تميزت مسيرة الأكراد في سوريا، خلال الأزمة السورية منذ 2011 وإلى الآن، بالصعود ثم المراوحة في المكان وأخيرا الانحدار. القادة الأكراد في سوريا وخارجها يتحملون الوزر الأكبر في ما آلت إليه الأوضاع في كردستان سوريا في ما يتعلق بالقراءات السياسية الخاطئة وتأليب الآخرين، غير المبرر وغير الضروري ضد الطموحات الكردية إرضاء للنزعات والنزوات الأيديولوجية المقيتة، والتعويل الوهمي على "الأصدقاء المفترضين"، وهيمنة حالة التشرذم الداخلية، وعدم استيعاب تعقيدات اللعبة الدولية والإقليمية الجارية باطراد على الحلبة السورية.
كل هذه المغالاة في إلقاء اللوم على الآخرين تجري دون أي التفاتة جدية إلى مسؤولية القادة الأكراد في ما يتعلق بالقراءات السياسية المبتورة وتبني القرارات الخاطئة في التعويل الوهمي على الآخرين. والتحول إلى أدوات لتنفيذ أجندات اللاعبين الكبار دون الحصول على ضمانات واضحة وكافية توازي حجم التضحيات الجسام التي قدمها الأكراد في سوريا قربانا على مذبح محاربة الإرهاب الأصولي وتقويض أركانه.
الخطأ الجاسم والمريع الذي ارتكبه الاكراد تمثل في ارتماء قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي وقسد في الحضن الأميركي دون مقابل مجز أو ضمانات. هذا الاتكال الأعمى على الأميركان والركون لإرادتهم ومخططاتهم جرى على أساس قبول حزب الاتحاد الديمقراطي وقسد في التعامل مع واشنطن من منظور ومنطلق عسكري وأمني محض، وكطرف يعمل تحت الطلب مقابل الدعم العسكري والمالي، وليس من منطلق سياسي كممثل للمكون الكردي أو لجميع مكونات المنطقة. وهذا ما يفسر إلى حد ما عدم تجاوب واشنطن بخصوص استثناء المناطق التي تسيطر عليها قسد من عواقب قانون قيصر. كذلك هذا ما يفسر عدم مساهمة واشنطن والغرب عموما للتخفيف من أعباء الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي يكابدها القاطنون في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
ربما الأمل الوحيد الذي يعول عليه الأكراد لصون مكتسباتهم المهددة بالزوال يتمثل في الوجود العسكري الأميركي الرمزي في مناطقهم. هذا الوجود الذي قد يتحول بين ليلة وضحاها إلى أطلال وذكريات استنادا إلى طبيعة السياسات البراغماتية للولايات المتحدة المبنية على المصالح وإبرام الصفقات فقط، والنائية جدا عن الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية.