الوقت - بعد عامين من الاغتيال الجبان للواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما في 3 كانون الثاني 2020، من الضروري معالجة أوضاع المنطقة وإعادة قراءة الأهداف التي وقفت خلف الاغتيال.
في الواقع، بعد عامين من استشهاد قادة المقاومة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو، هل حقق الإرهابيون الأمريكيون أهدافهم من هذا العمل اللاإنساني في المنطقة؟
لدراسة هذه القضية المهمة، تحدث موقع "الوقت" مع المحلل والخبير في القضايا الإقليمية السيد جعفر قنادباشي.
أهداف الولايات المتحدة الأربعة لاغتيال اللواء سليماني
عن مدى نجاح الأمريكيين وأعداء المقاومة في تحقيق أهدافهم في اغتيال قادة المقاومة، أكد السيد جعفر قنادباشي: "لقد وضع الأمريكيون اغتيال اللواء سليماني على جدول الأعمال لعدة أسباب مهمة: أولاً، كان اللواء سليماني العقل المدبر لمحور المقاومة، الذي وضع تحرير فلسطين على جدول الأعمال بكل أبعاد هذه القضية. ولذلك اعتبره الصهاينة والأمريكيون أهم تهديد لأهدافهم الشريرة.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن الهدف الرئيسي والأساسي للولايات المتحدة على المستوى الإقليمي هو الحفاظ على أمن ووجود الکيان الصهيوني. ولذلك، حاولوا القضاء على التهديد الرئيسي لأمن تل أبيب باغتيال اللواء سليماني. والهدف الثاني للأمريكيين في اغتيال اللواء سليماني، كان تدميره لمشروع داعش.
في الواقع، كان إنشاء تنظيم داعش الإرهابي المخيف خطةً من الولايات المتحدة لإضعاف دول المنطقة، ولا سيما استهداف محور المقاومة. ولکن بشجاعة وقيادة اللواء سليماني، انتهت خلافة أبو بكر البغدادي المزعومة في وقت أبكر بكثير مما خططت له واشنطن. أيضًا، من خلال إنشاء داعش، أراد الأمريكيون تقديم صورة مكروهة وعنيفة عن الإسلام، وهو ما أحبطه اللواء سليماني. ولذلك، حاول الأمريكيون متابعة خطتهم لخلق الأزمات عبر داعش من خلال اغتيال اللواء سليماني".
وأضاف السيد قناد باشي: "وعلى الصعيد الثالث، عزز الأمريكيون وجودهم في منطقة غرب آسيا وحافظوا عليه طوال العقدين الماضيين بحجة محاربة الإرهاب. لكن من خلال تدمير الجماعات الإرهابية وصد تهديداتها من المنطقة، أزال اللواء سليماني ذريعة بقاء القوات الأمريكية المحتلة.
وبعد القضاء على داعش، فإن أساس فلسفة الوجود الأمريكي في المنطقة، أصبح بلا معنى. أما الهدف الرابع للأمريكيين في اغتيال اللواء سليماني، فهو أن اللواء صمم آليةً أمنيةً جماعيةً خاصةً، بوجودها لم تكن هناك حاجة للقوات الأمريكية. وفي الحقيقة، أدى نشوء مجموعات المقاومة في دول مختلفة، إلى وجود آلية للأمن الجماعي على المستوى الإقليمي لمحاربة الإرهاب".
اغتيال اللواء سليماني وجَّه ضربةً كبرى لشرعية الولايات المتحدة في العالم
وأوضح الخبير في الشؤون الإقليمية في جزء آخر من تصريحاته عن مدى تحقيق الأمريكيين لهذه الأهداف:
"الأميركيون، على المستويين الجزئي والكلي، تكتيكياً واستراتيجياً، فشلوا في تحقيق أهداف اغتيال قادة المقاومة. على المستوى الجزئي، لم يتخيلوا أبدًا أن يكون اللواء سليماني ذا شعبية كبيرة ليس فقط بين الشعب الإيراني، بل أيضًا على مستوی الحدود الإقليمية وعبر الإقليمية.
في الواقع، وجَّه مختلف المواطنين بعد اغتيال اللواء سليماني ضربةً قاصمةً لشرعية وهيبة الولايات المتحدة في المنطقة. كما فشلت الخطط والدعاية الغربية المعادية لمحور المقاومة، وخاصةً الإعلام الأمريكي، فشلاً ذريعاً في هذا المجال. حيث نفذت وسائل الإعلام الغربية في العقود الأخيرة الكثير من الدعاية بأن محور المقاومة يفتقر إلى الدعم الشعبي، وقادر فقط على اجتذاب القوات العسكرية.
لكن اغتيال اللواء سليماني أظهر مدى شعبية هذا الخطاب وهذه الجبهة بشكل خاص في المنطقة. وتنظيم مسيرات مختلفة في المنطقة وحتى في أمريكا اللاتينية، أظهر مدى حصول محور المقاومة على التأييد الشعبي".
الرغبة في طرد الولايات المتحدة تتحول إلی حقيقة لا يمكن إنكارها في المنطقة
وتابع السيد قنادباشي: "على المستوى الكلي، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أن اللواء سليماني أنشأ بنيةً أو خطابًا في المنطقة، أهم علامتهما الشعب والتكيُّف مع ثقافة المنطقة. وعلى عكس هذا الاتجاه، كان الأمريكيون يحاولون فرض الثقافة الأجنبية للديمقراطية الليبرالية الغربية علی المنطقة.
وبعد اغتيال اللواء سليماني، وجَّه خطاب المقاومة الذي أوجده اللواء، أكثر من أي وقت مضى، ضربةً كبيرةً للثقافة الليبرالية التي روجت لها واشنطن. وهذا يعني أيضاً أن محور المقاومة كان يزداد قوةً".
وأضاف الخبير في شؤون المنطقة: "بشكل عام، يمكن القول إنه خلافًا لاعتقاد الأمريكيين، لم يؤد اغتيال اللواء سليماني واستشهاده إلى تعزيز الوجود الأمريكي في المنطقة فحسب، بل أصبح مطلب انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة الآن حقيقةً لا تقبل الجدل.
في الماضي، على الرغم من أن الأمريكيين استخدموا الحرب ضد الإرهاب ذريعةً، ولکن الآن تحت قيادة اللواء سليماني، لم يعد هناك تهديد يسمى الإرهاب في المنطقة. واليوم، أصبحت ثقافة المقاومة الميدانية على المستوى الإقليمي حقيقةً متداخلةً مع مجموعات المقاومة، ما يعني الفشل الكبير لجميع الأهداف الأمريكية في المنطقة".