الوقت_ عقب 141 يوماً من إضراب الأسير هشام أبو هواش عن الطعام، ووصول حالته الصحيّة الحرجة لمرحلة شديدة الخطر، احتجاجاً على اعتقاله الاداريّ من قبل سلطات العدو الإسرائيليّ دون محاكمة، ضجت وسائل الإعلام العربيّة والفلسطينيّة بالأخص، بالنبأ الذي تحدث أنّ النيابة العسكرية الصهيونيّة وافقت على الإفراج عن الأسير الفلسطينيّ الذي تعرضت حياته للخطر، وذلك بعد أيام على قيام فصائل المقاومة الفلسطينيّة برفع جهوزيتها العسكريّة في صفوف المقاتلين التابعين لها، استعداداً للرد على تعنت العدو الصهيوني ومماطلته في الإفراج عنه، ناهيك عن الحملات الإلكترونيّة والتظاهرات الكثيرة المناصرة لتلك القضية التي استمرت طوال فترة الإضراب.
انتصار عظيم
ليس بالسهولة التي يتخيلها البعض تم التوصل إلى التسوية مع سلطات العدو الغاصب، والتي يوقف بموجبها الأسير أبو هواش إضرابه أبو هواش بعد أن اعتقل من مدينة "دورا" التابعة لمحافظة الخليل يوم ٢٧ أكتوبر/ تشرين الأول العام المنصرم، ومنذ ذلك الحين حتى اليوم صدر بحقه ٣ أوامر تمديد للاعتقال الاداريّ، دون أيّ سبب يذكر ومع غياب أيّ لائحة اتهام بحقه، وإن إعلان حكومة العدو مؤخراً أن الاعتقال الإداري الحاليّ ينتهي يوم 26 شباط المقبل ولن يتم التجديد له، جاء لأن الاحتلال وكما يعلم حتى حلفاؤه قبل أعدائه، ينتهك بشكل خطير ومتصاعد القانون الدوليّ الإنسانيّ الذي يوجب الرعاية الصحية للأسرى والمتهمين، كما أنّه حوّل ملف إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين من سجونه إلى "صفقة تعجيزيّة" أكثر منه استجابة مطلبية لواقعهم الصعب.
وإن "الانتصار البطوليّ" -حسب كثيرين- الذي حققه الأسير أبو هواش بإرادته وصموده ومعاناته بعد أشهر من الإضراب المتواصل عن الطعام، لم يأت بسبب وجود رحمة مفاجئة لدى سلطات العدو الإسرائيليّ التي تتغاضى بشكل كامل عن المطالبات الفلسطينية والدولية بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، بل تخوفاً من وصول الأمور على الساحة الفلسطينيّة إلى ما لا يحمد عقباه، بعد إظهار الشعب الفلسطينيّ والأحرار في العالم دعمهم الكامل في الساحات وعلى وسائل التواصل الاجتماعيّ لأبو هواش، إضافة إلى الاستعاد الكامل للمقاومة للرد على العدو الصهيونيّ في حال تعرض حياة الأسير للأذى.
وجاء رفع جهوزية فصائل المقاومة الفلسطينية في توقيت مناسب للغاية، بعد مماطلة تل أبيب بالاستجابة لمطالب أبو هواش بإنهاء اعتقاله الإداري، رغم تدهور وضعه الصحي بشكل خطير، حيث تغاضت سلطات العدو بشكل كامل ولمدة طويلة عن المطالبات الفلسطينية والدولية وحتى الإسرائيلية بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وبالأخص هذا الأسير، الشيء الذي دفعه لتعريض حياته للخطر لمواجهة "الإجراءات التنكيليّة" والاعتقال الاداريّ ضده، ويؤكّد الأسرى بشكل مستمر أنّ ما تسمى "إدارة مصلحة السجون" تتعمد الإهمال الممنهج وتساهم بشكل كبير في تأزيم أوضاعهم الصحيّة، رغم المعاناة التي يعيشونها داخل الزنازين.
أيضاً، اعتبرت المقاومة الفلسطينيّة قبل أيام، أنّه في حال استشهد الأسير أبو هواش فإن المقاومة ستعتبر ذلك "عملية اغتيال" مع سبق الإصرار تستوجب رداً، بعد تعثر المفاوضات لحلحلة قضية الأسرى لتعنت حكومة العدو في التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين، رغم رسائل من البرلمان (الكنيست) الإسرائيلي للقيادة العسكريّة الصهيونيّة، حول أنّ هشام ابو هواش مثله مثل باقي الاسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام، لا يعرف سبب اعتقاله ويضرب عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله التعسفيّ وغير القانونيّ وعلى ممارسات وجرائم الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطينيّ، حيث تستمر المساعي الصهيونيّة الحثيثة لتدمير حياة الأسرى والتخلص منهم من خلال كل الوسائل.
إضافة إلى ذلك، تصاعدت النداءات للأحرار للنزول إلى نقاط الاشتباك مع قوات الاحتلال لحماية كرامة أبناء فلسطين والإنسان والحرية، وكرامة الأسير هشام أبو هواش، لأنّ السياسة الإسرائيليّة ظلت تدور حول شرط الرضوخ للإملاءات وهذا ما ترفضه الفصائل الفلسطينيّة بشكل قاطع، كما أنّ الشعب الفلسطينيّ يعتبر تلك القضيّة أهم بكثير من أيّ قضيّة أُخرى، فيما يحاول الصهاينة حرمان هذا الشعب المُهدد في أرضه من أبسط حقوقه، رغم أنّهم ببساطة يستطيعون حل تلك المسألة من خلال الإفراج عن مئات من الأسرى الفلسطينيين الأبرياء، حيث تعج سجون العدو بآلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يعيشون أسوأ وضع إنسانيّ.
وعلى هذا الأساس، فإنّ ثمرة الإفراج عن الأسير الفلسطينيّ جاءت بحسب مطلعين على حيثيات القضية، نتيجة تضافر صمود أبو هواش مع الجهود الشعبية والقانونيّة والسياسيّة والوساطة المصريّة، حيث تزايدت خلال الأيام الأخيرة المخاوف الرسميّة والشعبيّة من تهديد حياة الأسير أبو هواش مع غياب أدنى الإجراءات الإسرائيليّة لأشهر عن وقف معركة "الأمعاء الخاوية" والإضراب المفتوح عن الطعام، والتي جاءت من الأسرى رداً على الاعتقال الاداريّ التعسفيّ ضدهم، للانعتاق من سجون الجلاد وإخضاع الكيان الصهيونيّ لمطالبهم العادلة، بعد أن قررت حكومة العدو العنصريّ تجميد هذا الملف كي لا تدفع ثمن تنازلاتها أمام مطالب حركة "حماس" وفصائل المقاومة، فيما يؤكّد الفلسطينيون أنّ تل أبيب وضعت العصي في دواليب تلك المفاوضات، إضافة إلى عقبات وشروط طويلة ومقعدة شلت إتمام الصفقة أو حتى التوصل لأرضيّة مشتركة تبنى عليها مفاوضات جادة وحقيقيّة، باعتبار أنّ حصول صفقة لتبادل الأسرى سيؤدي إلى حلحلة في باقي الملفات، بعكس ما ترغب "إسرائيل".
ومن الجدير بالذكر، أنّ المعتقل هشام أبو هواش البالغ من العمر (40 عامًا) متزوج وأب لـ5 أطفال، وبات يعاني حسب الإعلام الفلسطينيّ، من ضبابية في الرؤية وعدم القدرة على الحديث، وضمور شديد في العضلات، وعدم قدرته على الحركة، في حين قلَّت قدرته على إدراك ما يدور حوله، كما يعاني من هزال وضعف، ومن نقص حادّ بالبوتاسيوم، وآلام حادّة في الكبد والقلب، ولا يستطيع النّوم من شدّة الأوجاع في كل أنحاء جسده، ويتنقّل على كرسي متحرّك، إضافة إلى معاناته من التقيّؤ بشكل مستمر.
اقتحامُ متطرف
بمُجرد الإعلان عن وقف الأسير أبو هواش الإضراب عن الطعام نتيجة التوصل لاتفاق يقضي بالإفراج عنه، حاول عضو الكنيست الإسرائيليّ المتطرف، إيتمار بن غفير، اقتحام غرفة الأسير داخل المستشفى، فيما تصدى له نشطاء ومتضامنون مع أبو هواش وشكلوا جداراً بشريّاً لمنع بن غفير من دخول الغرفة، وبعد مشادات كلامية بينه وبين النشطاء تدخلت شرطة العدو، وأخرجت كلاً من النائب المعروف بسوابقه تلك والنشطاء من ممرات المستشفى.
وفي هذا الصدد، أشار المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أنّ المنظمة الدوليّة أُبلغت بضرورة حل مسألة الأسير أبو هواش، مشدّداً على أن الأمم المتحدة تدعو دوماً أن يحاكم المحتجزون وفقاً للإجراءات القانونيّة أو يُطلق سراحهم.
نتيجة لكل ما ذُكر، انتصر الفلسطينيون في قضية الأسير هشام أبو هواش على العصابات الإسرائيليّة، بفضل قوتهم وإيمانهم بقضيتهم في مواجهة الاحتلال وجناياته، ليؤكدوا من جديد للعالم بأسره قدرتهم العظيمة في تحدي الظلم والعدوان ومقاومته وهذا يجب أن يكون درساً هاماً ومستقبليّاً في سبيل وحدتهم لتسريع خلاصهم، وإنّ قرار الاحتلال الصهيوني الأخير لم يأتي نتيجة اكتراث تل أبيب لوضع الأسير ولو استطاعت لأعدمته سريريّاً لكنها ترتعب من النتائج التي يمكن أن تحدث، حيث إنّ الاحتلال يؤكّد لنا منذ قيام دولته المزعومة التي باتت في نظر الكثير من الدول "نظام فصل عنصريّ"، أن إجرامه المتصاعد لن يتوقف إلا بإزالة كتلته السرطانية من الجسد الفلسطينيّ والعربيّ، ولا يخفي للصهاينة أن هدفهم هو "إبادة جماعيّة" بحق أصحاب الأرض والمقدسات، وسلب التاريخ والحاضر والمستقبل لفلسطين، ومحيطها، ومن يود التأكد فليبحث عن بنود الدولة المزعومة.