الوقت - أثارت فضيحة “ابتزاز جنسي” جديدة في حق طالبة جامعية استياء في المغرب ودعوات للطالبات ضحايا اعتداءات مماثلة لكسر الصمت وفضح المذنبين، وذلك بعد أشهر قليلة من انكشاف قضية مماثلة هزت الرأي العام في المملكة.
تكشفت القضية الجديدة عندما تداولت وسائل إعلام محلية قبل بضعة أيام محادثات منسوبة لأستاذ جامعي بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بوجدة (شرق) يبتز فيها إحدى طالباته جنسيا، مقابل منحها نقاطا جيدة.
وأكد مسؤول في وزارة التعليم العالي لوكالة فرانس برس الجمعة أن “لجنة تحقيق ثبت لها أن الأستاذ متورط، وقررت تعليق مهامه في انتظار مثوله أمام مجلس تأديبي”.
كما قررت الوزارة “دفع مدير المدرسة إلى الاستقالة وإعفاء نائبته والكاتب العام”، إضافة إلى “التحقيق في اتهامات أخرى مماثلة” في المؤسسة نفسها.
وأثارت القضية دعوات لفضح هذا النوع من العنف ضد النساء، إذ أطلق ائتلاف “خارجة عن القانون” المدافع عن الحريات الفردية حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لجمع شهادات الضحايا وكسر الصمت حول هذا الموضوع.
بدورها أطلقت جمعية فيدرالية رابطة حقوق النساء حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم “كفى من التحرش في الجامعة”، مطالبة بـ”حماية الطالبات المشتكيات وضمان حقهن في متابعة دراستهن”.
كما نددت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب بهذه الأفعال “التي تمس بكرامة النساء وتنتهك حقهن في الأمن والسلامة”، مؤكدة ضرورة “فرض عقوبات رادعة على مرتكبي التحرش الجنسي والقضاء على الصعوبات والعراقيل التي قد تواجهها الضحايا من أجل الولوج الى العدالة”.
يعد تقديم شكوى ضد متحرّش خطوة نادرة جدا في مجتمع المغرب، غالبا ما يدفع ضحايا العنف الجنسي إلى السكوت خوفا من الانتقام ومن نظرة الآخرين أو حفاظا على سمعة العائلة.
وفي سبتمبر تكشفت فضيحة مماثلة في جامعة الحسن الأول بسطات (غرب) أسفرت عن ملاحقة أساتذة جامعيين، بينهم ثلاثة أوقفوا بتهم خطيرة، هي “الحض على الفجور” و”التمييز على أساس جنساني” و”العنف ضد النساء”.
وتستأنف جلسات محاكمتهم في 13 كانون الثاني/يناير.
كما أثار الإعلام المحلي حالات مماثلة في السنوات الأخيرة، إلا أن غالبية هذه القضايا لم تتحول شكاوى. وتلك التي تحوّلت شكاوى قضائية بقيت بغالبيتها من دون متابعة.
وفي العام 2018، وبعد نقاش استمر سنوات، دخل حيّز التنفيذ في المغرب قانون يعاقب بالحبس ممارسات “تعتبر شكلا من أشكال التحرش أو الاعتداء أو الاستغلال الجنسي أو سوء المعاملة”.
لكن جمعيات الدفاع عن حقوق النساء التي تطالب بمزيد من التشدد على هذا الصعيد اعتبرت أن النص “غير كاف”.
وتعليقا على توالي حوادث التحرش الجنسي في الحرم الجامعي، تقول خديجة الرباح، الناشطة الحقوقية وعضوة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، إنه "آن الأوان لإصلاح جذري" للمنظومة القانون الجنائي مؤكدة وجود "ثغرات" في القوانين الجاري بها العمل.
ودعت المحدثة إلى اعتبار التحرش الجنسي جريمة "كاملة الأركان"، منبهة إلى ضعف الآليات التي تضمن الانصاف للنساء عند التبليغ عن حدوث التحرش في الفضاء العام.
ويتضمن القانون المغربي المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء عقوبات تجرم "كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو اقتصادي للمرأة" ويعرف القانون التحرش الجنسي على أنه "كل قول أو فعل أو استغلال من شأنه المساس بحرمة جسد المرأة لأغراض جنسية أو تجارية أي كانت الوسيلة المستعملة في ذلك".
مع ذلك، ورغم مرور ثلاث سنوات على دخوله حيز التنفيذ، تؤكد تقارير رسمية وحقوقية تزايد حالات العنف في صفوف المغربيات خصوصا منذ بداية جائحة فيروس كورونا.
وفي السياق نفسه، خلص تقرير أصدرته فدرالية رابطة حقوق النساء في نوفمبر الماضي، إلى تسجيل 41435 حالة عنف مصرح بها في الفترة الممتدة ما بين يناير 2019 ويونيو 2021، منها 19550 حالة عنف نفسي و10505 حالة عنف اقتصادي واجتماعي و2814 حالة عنف جنسي.
أرقام تفسرها رباح بكون الترسانة القانونية المغربية "لا تنصف المغربيات ولا تحمي النساء ضحايا العنف ولم تساهم في نشر ثقافة التبليغ عن العنف سواء في الفضاء الخاص أو العام"، مستنكرة تزايد عدد حالات العنف في الفضاء العام وفي مؤسسات "يفترض أنها تسهر على حماية المرأة من العنف".
ولم تستبعد الناشطة الحقوقية "انفجار فضائح في مؤسسات عمومية أخرى في الأيام المقبلة"، مضيفة أنها تقترح تأسيس هيئة وطنية لمساندة النساء ضحايا العنف "في حالة لم ينصف القانون الضحايا".
من جانبها، تقول نبيلة جلال، المحامية ورئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء في جهة الدار البيضاء، إن "نظرة المجتمع وصعوبة إثبات جريمة التحرش" من العوامل التي تؤدي إلى إفلات المتحرش من العقاب.
وعكس ما ذهبت إليه خديجة رباح، ترى المتحدثة أن المغرب لا يحتاج إلى سن قوانين جديدة لمحاربة التحرش الجنسي، مبرزة أن "الاشكال لا يحتاج إلى تعديل القوانيين، بل إلى تغيير نظرة المجتمع إلى قضايا التحرش".
وتابعت المتحدثة، أنه على "النيابة العامة أن تساعد ضحايا التحرش الجنسي في البحث عن وسائل إثبات التحرش، عليها أن تجتهد في هذا المجال لأن صعوبة إثبات التحرش من أسباب تراجع ضحايا عن التبليغ".
كما تقترح نبيلة جلال إنشاء شرطة خاصة للتحقيق في قضايا التحرش الجنسي في المغرب تكون "مدربة ولها من الإمكانيات ما يؤهلها للقيام بدورها على أكمل وجه".