الوقت - وجد رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك في التلويح بالاستقالة من منصبه أخيرا وسيلة فعالة للضغط على من يعرقلون مهمته لضبط الأوضاع المختلة، لكن جاءت غالبية ردود الفعل على رغبته في التخلي عن رئاسة الحكومة غير مرحبة، فقد تدخل البلاد في المزيد من التدهور السياسي والأمني.
وانزعج رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان من تداول مقربين من رئيس الحكومة نيته في الاستقالة، وسارع في وقت مبكر الأربعاء إلى عقد اجتماع مع حمدوك لبحث الموقف وإيجاد مخرج لحل الخلافات معه، لأن انسحابه من المشهد السياسي يخلط أوراق العسكريين والمدنيين وقوى خارجية راهنت عليه.
وكشفت مصادر سودانية أن قلق البرهان من استقالة حمدوك منبعه الغضب المحتمل من قبل جهات خارجية مؤثرة أكدت دعمها لحمدوك ولن تسمح لمن يضعون العقبات في طريقه ليربحوا الجولة الجديدة، وهي الرسالة التي وصلت إلى الجيش عبر بيان أصدرته الخارجية الأميركية منذ نحو أسبوع شدد على دعم المتظاهرين.
وأضافت المصادر إن خروج حمدوك من المشهد بطريقة توحي بأن الجيش لم يسمح له بممارسة دوره بحرية ولا يتعاون معه في تطبيق الاتفاق السياسي الموقع في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي يحرج المؤسسة العسكرية، ويعني أنها على وشك الدخول في صدام مع قوى كبرى تراها أحد أسباب اشتداد الأزمة الراهنة.
وسعت قوى سياسية عديدة الأربعاء لإقناع حمدوك باستكمال مشواره السياسي وتوظيف مرونته المعهودة في العمل على تشكيل حكومة تتوافر لها معطيات تمكنها من أداء دورها على الرغم من الأجواء القاتمة المحيطة به، فلا يزال الجيش يصر على التدخل في إدارة السلطة التنفيذية وتضييق هامش الحركة أمام رئيس الحكومة.
وذكرت وسائل إعلام محلية أن حمدوك أبلغ شخصيات قومية ومفكرين اجتمعوا معه مؤخرا بأنه يعتزم التقدم باستقالته من منصبه، لكنهم دعوه إلى العدول عن قراره، مؤكدة أنه يريد الحصول على توافق عام بموجب الاتفاق مع البرهان، إلا أن تحركاته نحو القوى السياسية التي ترفض التعاون مع العسكريين تتعثر.
وقال مصدر بمجلس الوزراء السوداني إن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك رفض وساطات بعض قادة القوى السياسية -بمن فيهم شخصيات من المجلس المركزي للحرية والتغيير- لثنيه عن قرار الاستقالة أو حتى إرجائه إلى وقت آخر، لحين ترتيب الساحة السياسية.
وأضاف المصدر إن حمدوك أبلغ عددا من كبار القادة السياسيين أنه عازم على الاستقالة من منصبه.
وقالت وسائل اعلام إن هناك تباينا في الآراء حول دوافع حمدوك للاستقالة من منصبه؛ فهناك رواية تفيد بأنه يعزو قراره إلى عدم توافق القوى السياسية على مشروع وطني يجنب البلاد الانهيار، وعدم قيام الوسطاء الذين ساعدوا في التوصل إلى اتفاق 21 تشرين الثاني بالدور نفسه من أجل جمع القوى السياسية الأخرى في إعلان سياسي واحد يستطيع به المضي في حكومته، في حين تفيد رواية أخرى بأن سبب الاستقالة هو وجود خلاف بينه وبين المكون العسكري.
وتعليقا على التطورات الأخيرة، قال عضو المجلس المركزي للحرية والتغيير الريح محمد صادق إن استقالة حمدوك في حال تمت بالفعل ستؤزم الموقف في ظل ظروف البلاد الراهنة.
واتهم صادق حمدوك بأنه أدى دورا -في ما وصفه- بالانقلاب العسكري تشرين الأول الماضي.
بدوره، قال القيادي في قوى الحرية والتغيير ووزير شؤون مجلس الوزراء السابق خالد عمر يوسف إن سبب تلويح حمدوك بالاستقالة هو الانقلاب العسكري وليس عدم توافق القوى السياسية، حسب تعبيره.
وأضاف يوسف إن -ما سماه- الانقلاب لم تصنعه قوى الحرية والتغيير، بل واجهته وسارع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لحذف اسمها من الوثيقة الدستورية، وهو ما فعله أيضا الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك، حسب قوله.
ودعا الوزير القيادي في قوى الحرية والتغيير إلى ضرورة التوافق على جبهة شعبية موحدة لهزيمة البرهان وتأسيس سلطة مدنية ديمقراطية حقيقية، حسب وصفه.
وأوضح الكاتب السوداني محمد شناوي أن وجود حمدوك في معادلة السلطة الانتقالية يمنح البرهان المزيد من الحلول السياسية التي يمكن أن يستخدمها للبقاء في السلطة إلى حين إجراء الانتخابات، وهناك قناعة لدى دوائر عسكرية بأن عودة حمدوك مرة أخرى أسهمت في تهدئة خطاب الشارع، حتى لو استمرت المظاهرات المليونية التي تراجع أعداد المشاركين فيها، ويجب التفاهم معه.
ولفت إلى أن البرهان يتعمد أن تكون الكثير من أوراق الفترة الانتقالية في يده، وجاءت غالبية القرارات المتخذة في الفترة الماضية من خلاله، ومع التلويح بالاستقالة من المتوقع أن يكون حمدوك أكثر حضوراً على مستوى القرارات التنفيذية دون أن يتعلق الأمر بمكانة الجيش كسلطة حامية للانتقال الديمقراطي.
وتسبب تدخل المكون العسكري في بعض التعيينات وإقالة موظفين بالخدمة العامة في غضب حمدوك الذي لم يستطع كتمانه كثيرا، وهناك إدارات قد عزلها رئيس الحكومة واستبدلها بأخرى تابعة له مباشرة.
ولا يزال حمدوك فاقدا للقدرة على التوافق مع قطاعات واسعة في قوى الحرية والتغيير تصمم على استمرار المظاهرات لإسقاط اتفاقه السياسي مع البرهان، ولذلك يعمل على التوصل إلى قواسم مشتركة معها للمحافظة على ظهيره السياسي.