الوقت- في نهاية المطاف، أثمرت جهود وزيرة الداخلية البريطاني، وأطاح البرلمان بحركة حماس كمجموعة إرهابية، إنها إنجلترا.
أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل، مساء الجمعة 19 تشرين الثاني/نوفمبر، أنها اتخذت الخطوات اللازمة لتمرير قانون من قبل البرلمان البريطاني، بموجبه تم ضم "حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية" (حماس) لقائمة "الجماعات الإرهابية " البريطانية، وبذلك حظر أي نشاط أو تواجد له في هذا البلد. ولتبرير ذلك، تذرعت باتيل بالتزام الحكومة البريطانية بـمحاربة "التطرف والإرهاب" وادعى أن لدى حماس مجموعة واسعة من القدرات الإرهابية، بما في ذلك القدرة على امتلاك أسلحة متطورة على نطاق واسع.
القرار، الذي كشفت النقاب عنه بريتي باتيل "ذات الأصول الهندية" والمعروفة بـ "ميولها الصهيونية والمتطرفة" ودعمها لـ "نظام الاحتلال الصهيوني" في إدارة بوريس جونسون، لاقت إدانتها لجميع الفصائل الفلسطينية، من تنظيماتها إلى كل فصائلها، ترحيبا واسعا من قبل النظام الصهيوني وأذرعه الإعلامية في بعض البلدان. وبهذه الخطوة، تنضم بريطانيا إلى الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي، وهي خطوة تؤكد أن نهج السياسة الخارجية البريطانية قد مر بالعديد من التغييرات منذ الانتخابات، بما في ذلك إظهار جونسون لتقوية أسس حكومته التي واجهت مؤخرًا ظروفًا صعبة في جميع المجالات، بذل جهدا كبيرا للوصول إلى يهود العالم والحركات الصهيونية. بالنسبة للكثيرين، لم يكن هذا القرار غير متوقع؛ رغم دعم الرأي العام البريطاني للقضية الفلسطينية؛ لأنه يتماشى بشكل واضح مع الخطاب السياسي والإعلامي لإدارة جونسون العام الماضي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هي نتائج وانعكاسات هذا العمل على القضية الفلسطينية والفلسطينيين على جميع المستويات والأبعاد، وماذا يعني ذلك؟
بريتي باتيل وخلفية هذا القرار
يبدو أنه قبل الدخول في تحليل وتقييم هذا القرار ونتائجه، من الضروري إجراء دراسة عامة لأسباب اتخاذ هذا القرار على المستويين الشخصي والسياسي والبدء بـ "بريتي باتيل"، وزيرة الداخلية البريطانية، وهي من أشد مؤيدي "إسرائيل" في الحكومة البريطانية الحالية، وهذه الآراء والميول هي التي أدت إلى ترقيتها إلى منصب وزير الداخلية في إدارة بوريس جونسون. إذا عدنا قليلاً إلى عام 2017، فإننا نرى اجتماعات بريتي باتيل السرية مع مجلس الوزراء الصهيوني آنذاك والجدل حول ما إذا كان ينبغي للحكومة البريطانية تخصيص جزء من مساعداتها الخارجية للدول الفقيرة للجيش الإسرائيلي والتي أدت في النهاية الى استقالتها من حكومة تيريزا ماي. وتشكّل آراء ومواقف بريتي باتيل المتحيزة جزءًا صغيرًا من الدعم الواسع النطاق والثابت للتيار المحافظ الموالي لإسرائيل في بريطانيا، والذي تسلل إلى النسيج السياسي للبلاد، حتى داخل حزب العمال اليساري البريطاني، والمعروف بتأييده للقضية الفلسطينية ومواقفه ضد سياسة الاستيطان الصهيونية وتهجير الفلسطينيين من قبل الكيان.
ولكن على الصعيد الدولي، تجدر الإشارة إلى الوجود الناجح للفلسطينيين في هذا المجال، بما في ذلك في الأمم المتحدة، والنجاحات الكبيرة في مجال الدبلوماسية الدولية، والتي كان آخرها اعتماد مشروع قرار "السيادة الفلسطينية الدائمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وسيادة المواطنين العرب على الموارد الطبيعية لمرتفعات الجولان السورية المحتلة"، من قبل الأمم المتحدة الأسبوع الماضي بأغلبية 157 صوتًا مقابل 7 ضدها، وهي الولايات المتحدة وإسرائيل وكندا والقاهرة وميكرونيزيا وجزر مارشال وبولا، و14 امتنعوا عن التصويت، وقد أدى هذا الضغط على بعض حلفاء إسرائيل، بما في ذلك بريطانيا، للضغط على الفلسطينيين وتقليص مدى نجاحاتهم وانتصاراتهم الدولية ببعض القرارات.
مائة بالمائة قرار سياسي
جدير بالذكر أنه منذ فترة تم إدراج "كتائب القسام" الفرع العسكري لحركة حماس في قائمة الجماعات الإرهابية، أما إدراج تنظيمه السياسي فهو قرار سياسي مائة بالمائة، لا يمكن تبريره أبدًا باللجوء إلى ذرائع مثل الأنشطة المتطرفة وتهديدها للأمن القومي البريطاني. لهذا السبب يؤكد المراقبون والحقوقيون أنه لا يوجد مبرر لاتخاذ هذا القرار بشكله وأسلوبه الحاليين، وأن الغرض الوحيد منه هو ممارسة المزيد والمزيد من الضغط على الدائرة السياسية الفلسطينية.
أي ارتباط بحماس أو تعاون مع هذه الحركة سيؤدي إلى ملاحقات قانونية واستدعاء الجهات المختصة، لذلك من المتوقع أن يتم تقييد نشاط هذه الحركة في بريطانيا بشكل كبير وفق القانون. يرى المصري في القرار استمرارًا لسلسلة من القيود القانونية ضد النضال الفلسطيني، ويتوقع أن يؤدي تفسير القانون بلا شك إلى قدر كبير من الجدل القانوني في بريطانيا، حيث يعمل العديد من المتبرعين والجمعيات الخيرية البريطانية في غزة. السؤال المهم هنا هو هل هم في دائرة مؤيدي حماس؟ وماذا سيكون وضع من يسافر إلى غزة ويحتاج إلى تصريح دخول ومغادرة من أجهزة حماس الأمنية؟ ويرى مازن المصري أن القانون هو رد على الدعم المتزايد للرأي العام البريطاني لفلسطين مقابل دعم السلطة السياسية البريطانية الحاكمة للنظام الصهيوني. كما أشار رئيس المركز الدولي للعدالة في جنيف، صباح المختار، إلى التبعات القانونية للقرار، قائلا إنه يمكن أن يشمل تقييد الدعم المالي وأي دعم آخر لحركة حماس وإبداء الرأي في الدفاع عنها. وأضاف أن أخطر ما في هذا القرار تجريم الدعم لحركة حماس والذي يتضمن أشياء كثيرة مثل تبرير مواقف حماس ودعمها ماديا ورفع علم الحركة ونشر خطابها وشعاراتها". ويفرض القانون حكماً بالسجن لمدة 14 عاماً على دعم حماس، وهي عقوبة شديدة وغير عقلانية، خاصة وأن حماس ليس لها فعلياً وجود رسمي في بريطانيا. ومع ذلك، فإن نتائج هذا القانون لا تشمل فقط حركة حماس، ولكن من أهم أهدافها أيضًا تجريم مناصري القضية الفلسطينية وإعداد اتهامات مغلفة وجاهزة لمواجهة أنصار القضية الفلسطينية والمؤسسات التي تواجه اللوبيات الصهيونية وإسرائيل.
في النهاية لا بد من القول إن إقرار هذا القانون هو بلا شك قرار سياسي 100٪ تفوح منه رائحة الحملة الانتخابية. ويعزز من احتمالية أن تسعى برتي باتيل إلى تحقيق طموحاتها السياسية وتولي منصب رئيس الوزراء البريطاني من خلال تمرير القانون، خاصة وأن بوريس جونسون صرح مرارًا وتكرارًا أنه غير راغب في الاستمرار كرئيس للوزراء. وبهذه الطريقة، تريد باتيل الحصول على دعم مبكر من اللوبي الصهيوني في بريطانيا والكيان الصهيوني.