الوقت- بعد ست سنوات ونصف من الحرب السعودية العبثية التي شنتها على اليمن من أجل إعادة ما تسميه الرياض "الشرعية"، يبدو أن المملكة تعيش أزمة مرتبطة بعقم إجراءاتها وعدم تمكنها من اجتراح حلول جذرية للتحول في مسار العدوان. ست سنوات ونصف والسعودية تتخبط في رمال اليمن، لا هي قادرة على حسم المعركة عسكرياً لصالحها، وتحقيق أهدافها المعلنة والخفية من وراء الحرب، ولا رضخت لإرادة الشعب اليمني، وللقوى التي تدافع عنه، على وقع الهزائم والانتكاسات التي تمنى بها يومياً، بل زادت تعنتاً وصلفاً، وذهبت للتنفيس عن فشلها في محاولة إيلام الشعب اليمني من خلال المجازر اليومية والغارات المكثفة. منذ شهور والجيش اليمني واللجان الشعبية يتحدثون عن تحرير مأرب، وهم يومياً يحرزون تقدماً جديداً دون أي قدرة، من قبل السعودية وحلفائها، على وقف هذا التقدم. حيث تمكنت قوات حكومة صنعاء من تحرير 12 مديرية في المحافظة من أصل 14، واعتباراً من أوائل شهر تشرين الثاني/ نوفمبر تقدمت باتجاه المدينة على 3 محاور واقتربت من إحكام الطوق حولها والسيطرة على آبار النفط الاستراتيجية فيها.
التقدم الاستراتيجي لقوات حكومة صنعاء تبدى من خلال السيطرة على نقاط استراتيجية على أطراف مأرب، أهمها مديريتي جبل مراد والجوبة، ما سمح لقوات صنعاء امتلاك خطوط تواصل مع مشايخ القبائل في المحافظة ووجهائها وزعاماتها العسكرية، وامتلاك حاضنة شعبية كبيرة مؤيّدة لاستراتيجية التحرير الشامل، ومنخرطة بقوة في صفوف القوات المسلحة واللجان الشعبية. أيضاً أصبحت القوات المسلحة اليمنية قادرة على السيطرة نارياً على الأقل على الطريق الواحد الواصل بين مأرب وحضرموت، وهو خط الإمداد الوحيد للمدينة والطريق الذي يؤمن انسحاب القوات قبل تحرير المدينة بالكامل. كل ذلك ولم تتمكن قوات "منصور هادي" ومن خلفها تحالف العدوان السعودي من وقف التقدم العسكري، حيث تتحدث وسائل إعلامها يومياً عن تقدم وصد تحركات، وقتل العشرات والمئات من عناصر الجيش اليمني، ولكن الحقائق على الأرض ومسار التقدم العسكري توحي ببطلان كل ذلك.
فضلاً عن ذلك تستمر العمليات اليومية والانتصارات التي تعلن عنها القوات المسلحة اليمنية، وخصوصاً في العمق السعودي، كان آخرها عملية توازن الردع الثامنة التي ضربت مطار الملك "عبدالله" وأربع مصافي لشركة "أرامكو" في مدينة جدة السعودية، بالإضافة إلى قاعدة الملك خالد في العاصمة الرياض، ومطار أبها الدولي. وتكافح السعودية للدفاع عن مدينة مأرب، كونها تعلم قيمة المحافظة الاستراتيجية، وتأثير سيطرة قوات صنعاء عليها، وسط جهود الولايات المتحدة للضغط من أجل وقف التقدم اليمني من جهة، ومساعدة الرياض بصفقات الأسلحة المتعددة، من جهة ثانية. إن العدوان السعودي على اليمن وحجم الغارات الدمار الذي أحدثته يظهر أنه تطلب إنفاقاً كبيراً على القوات الجوية والصواريخ والقنابل الذكية وكل وسائل الدمار التي تطلق من الجو بالإضافة إلى أجهزة الرصد والإنذار، وبحسب الخبير العسكري العميد المتقاعد "الياس فرحات"، الذي أوضح أن هذه الأسلحة رغم أنها باهظة الثمن إلا أنها "لم تحقق النتيجة المرجوة منها، نظراً لغياب التخطيط السليم للمعركة وخصوصاً ترافق الحرب البرية مع الهجمات الجوية".
أما عن المطالبات الدولية لوقف التسليح السعودي، قال "فرحات"، "لم تكن جميع المطالبات الدولية جدية، إنما كانت إعلامية سياسية لاستيعاب غضب الجماهير والشعوب ولذلك وجدنا الولايات المتحدة تستمر في بيع الأسلحة رغم مناشدات الكونغرس التي لم ترق إلى مستوى قرار حظر توريد الأسلحة، والأمر نفسه ينطبق على دول الاتحاد الاوروبي لا سيما فرنسا وبريطانيا، أما إسبانيا فقد ألغت صفقة قنابل ثم تراجعت عن الإلغاء مقابل مليار ونصف المليار يورو، كما أن كندا البعيدة عن سوق السلاح باعت مركبات بقيمة 10 مليارات دولار ".
وهنا يرى العديد من المراقبين أنه مع تشابك الملفات العسكرية والأمنية والسياسية والإقتصادية والإنسانية، واستحالة الحل العسكري، واستعصاء الحل السياسي، وتمنّع دول العدوان من التعاطي الإيجابي مع مقاربات الحلول المقدمة والمطروحة على طاولات الوسطاء، والمبعوثين الأمريكي والأممي، وتفكك الحاضنة السياسية والقبلية والإجتماعية والعسكرية وعودتها لأحضان الوطن وجادة الصواب، لم يبق إلا خيار استنساخ التجربة الأمريكية في أفغانستان، وذلك بهدف التحايل على الإقرار بالفشل والهزيمة، وتهربًا من الإنسحاب المذل، مع تسارع تقدمات الجيش واللجان الشعبية في كافة محاور القتال العسكرية، وتفكك الحاضنة، والخوف من سقوط ووقوع قواته وجنوده وآلياته بيد الجيش واللجان الشعبية اليمنية.
وفشل الأهداف المعلنة بداية العدوان، والعجز عن الوصول للعاصمة صنعاء، وإعادة حكومة عبد ربه منصور، رغم مرور سبع سنوات. وتزايد الإنتقادات الدولية الموجهة لتحالف العدوان، والسخرية منها، وعدم جدوائية أي دعم وغطاء سياسي وعسكري لها ولقواتها على الأرض، وارتداد الهجمة المضادة عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا واعلاميًا وانسانيًا. إن توسيع الجيش اليمني واللجان وانصار الله سيطرتهم على الساحل الغربي، يشكل لهم انتشارا حيويا من الناحية العسكرية والاستراتيجية، فهو يحمي مناطق تعز ومداخل صنعاء الغربية ويحمي الحديدة وطريق صنعاء ويعطيهم نقطة ارتكاز على الساحل الغربي باتجاه المخا وباب المندب. اضف الى ذلك ان هذه النقطة الحيوية تقوي معركة الجيش واللجان اليمنية الاستراتيجية نظرا لاهمية باب المندب وسواحل اليمن الغربية على البحر الاحمر. اللافت أن المبعوث الاممي الى اليمن زار قبيل عملية انسحاب قوات التحالف العربي مدينة المخا وعقد اجتماع هناك مع "طارق صالح" قائد قوات الساحل الغربي في الوقت الذي قامت حركة "انصار الله" بقصف تجمع قوات "طارق صالح" في معسكر الدفاع الجوي في المدينة بثلاث صواريخ بالستية .
ولم يعلن المبعوث الاممي او أي طرف ان ثمة اتفاق حصل، او ان الأطراف موافقة على بدء تنفيذ اتفاق "السويد". إلا أن بيان تحالف العدوان يبرر الانسحاب من محيط الحديدة بانه تنفيذا للاتفاق، ومازال الغموض يلف تلك الجبهة، ويبقى السؤال ماذا بعد الانسحاب. وأوضحت المصادر اليمنية، أن التقدم الذي أحرزه الجيش واللجان الشعبية في الساحل الغربي بلغ 700 كيلومتر، مؤكدة أن "كل محافظة الحديدة باتت مطهرة بالكامل، باستثناء الخوخة التي يتوقع تحريرها اليوم السبت". ويوم الجمعة الماضي تحدثت مصادر عن أن قوات تحالف العدوان السعودي انسحبت كلياً من عشرات المواقع جنوبي وشرقي مدينة الحديدة، غربي اليمن. وكانت القوات المشتركة التابعة للسعودية والإمارات في الساحل الغربي لليمن، قد أعلنت يوم الجمعة الماضي، عن "إخلاء المناطق المحكومة باتفاق السويد، لكونه يبقيها مناطق منزوعة السلاح وآمنة للمدنيين الذين وُقِّع الاتفاق بحجة حمايتهم وتأمينهم". يأتي ذلك، بعد أن تمكنت القوات المسلحة اليمنية من تحرير مركز مديرية الجوبة في محافظة مأرب، قبل أيام، بينما أعلن مشايخ المديرية وأعيانها ووجهاؤها وقوفهم إلى جانب عناصر الجيش واللجان الشعبية، حتى تحرير كل مناطق محافظة مأرب.
بالطبع السعودية هي الخاسر الاكبر لانها كانت رائدة العدوان وهي التي اخذت على عاتقها انطلاقا من عملية عاصفة الحزم انهاء ما اسمته الوضع الشاذ الانقلابي في اليمن واعادة شرعية هادي، طبعا هذه الاهداف هي التي ادّعت بها، ولكن اهدافها الحقيقية كانت في السيطرة على اليمن وتثبيت هيمنتها على قراره السيادي الرسمي واغتصاب ثروات اليمن. واليوم، هي تعاني من تداعيات هذه الهزيمة وهذا المغطس الذي اوجدت نفسها فيه، ولم تعد تبحث عن انتصار داخل الميدان اليمني بعد ان اصبح هذا الامر مستحيلا، بل تبحث فقط عن مخرج يحفظ قليلا من ماء وجهها ومن موقعها الذي تدعي انها تشغله على صعيد المنطقة.